وليس العُري كالستر! - أحمد علي سليمان

مَن قال إن الستر كالإعراءِ؟
أو قال إن النور كالظلماء؟

من قال إحياءُ الورى كمماتهم؟
من قال فقرٌ مُدْقِعٌ كثراء؟

من قال سِلمٌ وادعٌ ككريهةٍ؟
من قال إهلاكُ الورى كنجاء؟

وهل استوى سَعدٌ ونحسٌ لحظة؟
لا تستوي السرّاءُ بالضراء

وهل استوى بَدءٌ وختْمٌ بُرهة؟
شتانَ بين البدء والإنهاء

وأعودُ للستر الحشيم مُبجّلاً
ذاتَ الحجاب بثوبها الوضّاء

سترتْ عن الأعيان حُسْناً لو بدا
لهفتْ إليهِ نواظرُ الرقعاء

لم تتخذ لغة السفور وسيلة
تُغري بها مُتطفلي السفهاء

لم ترضَ كشفَ مفاتن لمن اشتهى
كي تُغرقَ الغاوين في الإغراء

لم ترض بالموضاتِ تُرخِصُ عِرضَها
كم أزرتِ الأزياءُ بالحسناء

تخِذتْ عباءتها الحشيمة جُنة
من أعيُن الأنذال والخلعاء

ونِقابُها أخفى معالمَ وجهها
كي لا يراه أراذلُ الخبثاء

وخِمارُها سترَ الجيوبَ تعبّداً
كي لا يُثيرَ غرائز السخفاء

وتعهّد القفاز يَسترُ كفها
والجسمُ أخفِيَ غاية الإخفاء

تاللهِ ما استويا: تسترُ غادةٍ
يوماً بعُري شانها وحِفاء

السترُ طهرٌ ، والتبرجُ فِتنة
شتان بين الستر والإعراء

أزرى التبرجُ بالتي حَفلتْ به
واقتادَها لتهتكٍ وشقاء

وأحالها (المكياجُ) مسخاً شائهاً
هل يُرتجى خيرٌ من الشوهاء؟

والوجه زانتْه المساحيق التي
قد جمّلته برونق وبهاء

والشعرُ أسدِلَ خلف ظهر وَليةٍ
تأوي إلى الإفساد والإغواء

وحِزامُها وافى بوصف قوامها
وصفاً يُطيشُ صوابَ عين الرائي

وبربع فستان تسيرُ طليقة
فالسترُ ممتنع على الشلحاء

والعطرَ قد وضعتْ بدون تحفظٍ
والقومُ قد شمّوا زكيَ شَذاء

وإذا تُذكّرُ بالذي اقترفتْ تني
وتردُ ما علمتْ من الفقهاء

تُفتِي خزعبلة ، وتُقنعُ نفسَها
وكأنها من زمرة العلماء

جهلتْ هداها ، ثم عِلماً تدّعي
شتان بين الصبح والإمساء

هل ذاتُ عِلم تهتدي بضيائه
فيُنيرُ درب الغادة الشماء

كجهولةٍ قد غلبَتْ أهواءَها
وتخبّطتْ - في التيه - كالعمياء؟

هيَ (أم جهل) ، فالجهالة دَأبُها
والجهلُ يُورثُ أشرسَ الأرزاء

لمّا تُفرّقْ بين سَتر مفاتن
والعُري يُوقدُ شهوة السفهاء

رباهُ أبطلْ سحرَها وسُفولها
رب استجبْ - يا مستعانُ - دعائي

مناسبة القصيدة

(لقد جلب العُرْي البَهيمي والتبرج السافر الملعون على هذه الأمة الويلاتِ والمحن! ووالله ما استويا عُرْي عَجماوي وسِتر إنساني! وكل العِرسان الذين يأتي بهم العُري والتبرجُ تكون مدة زواج أحدهم شهراً واحداً ، تُسمّيهِ الجاهلية بشهر العسل! والذي لا يُصدق هذا الكلامَ ، فليسأل المحاكم التي تعُج أدراجُها بالطلاق تِلو الطلاق ، والخلع تِلو الخلع! إلا إذا تداركتْ كلَّ عَروسين - أو أحدهما على أقل تقدير - رحمة الله رب العالمين! وكل العِرسان الذين جاء بهم الستر والحِشمة ، لا تنتهي مدة الزواج لا في الدنيا ولا في الآخرة! إلا إذا انحرفَ كل عروسين - أو أحدهما - ومال للخيبة والندامة ، ويمم وجهَه ناحية الجاهلية!)
© 2024 - موقع الشعر