ذات النقاب والفارس - أحمد علي سليمان

ألا ارجعْ يا أبا النصرِ
ولا تعبأ بما يَجري

لماذا قمت مُنتفضاً؟
أليس يُهمُكم أمري؟

ندبتُك أبتغي حَلاً
فأنت – بحالتي - تدري

رَجوتُك أن تبشّرَني
فضاق الضيفُ بالبِشْر

وحَكمناك دون هوىً
ولم نعمَدْ إلى الغير

لمسنا فيك تجربة
وآفاقاً من الفكر

ونجماً في غياهبنا
زها كالكوكب الدري

وشيخاً في قبيلتنا
به - بين الورى - فخري

وعالمنا وسيدنا
وقائدنا إلى الخير

لماذا قمت معتذراً؟
أيأتي الحَل بالعُذر؟

أتيت لنا تُبّصّرُنا
لأن الظلم يَستشري

وتطوينا مشاكلنا
وتنهرُنا عصا القهر

فنُمْسي في دغاولنا
زكتْ بالكر والفر

ونصبحُ في مصائبنا
ونارُ سعيرها يفري

وأنت اليوم فارسُنا
تقود القومَ للنصر

وفي الشجوى لنا حَكَمٌ
فقمْ بالبت في الأمر

أنا قلتُ الذي عندي
من الإهمال والضر

وزوج لا يُبادلني
شعورَ الحُب والبِر

ولستُ أراهُ يرحمني
من التوبيخ والزجر

ويَحْقِرُني بلا سبب
ويجْرحُني على الفور

ويُوغِلُ في مؤاخذتي
بلا عَدٍ ولا حَصر

أردتُك أن تُناصحَهُ
ولو بالسر والجهر

فلا ينسى مودتنا
وعِشْقاً بالغ القدر

ولا يَخفِرْ صداقتنا
بيُسْر الحال والعُسرَ

وغالى الزوجُ في نقدي
وكَشّفَ عابثاً سِتري

وأنت رَددت تُوقِفهُ
وتعصِمُهُ من الوزر

فعابك في مراجعةٍ
فقد نددت بالجَور

فغادرت الديار ضحىً
على فرس بكم تجري

وصرتُ وراءها أعدو
توقفْ يا أبا النصر

وعُدْ للدار منتصراً
لأختٍ وضعُها يُزري

وأشفِقْ يا أخى ثِقةٍ
على وَجْعَى من الثبر

وكُن صِهراً له جَلدٌ
يُنالُ الخيرُ بالصبر

تحمّلْ ما أتى خَتَنٌ
بحق الزوج والصهر

أحظ النفس يجعلكم
وسيط الكرب والخسر؟

عهدتُك لست تخذلني
ويُزري الخذلُ بالحُر

ودَورُك مَن سيُكْمِلهُ؟
أخي أوصيك بالدَور

فناولْ أختك الحُسنى
ألا واشدُدْ بها أزْري

رعاك الله دُمت لنا
حليفاً فاز بالأجر

مناسبة القصيدة

ذاتُ النقاب والفارس! (نشأت هذه الموفقة الصالحة المنتقبة في بيئة بدوية من بوادي العرب! وابتُليتْ هذه المرأة بزوج ظالم متهور ، لا يَكُف عن النيْل منها صباح مساء لأتفه الأسباب! وفي كل مرةٍ تصبرُ وتحتسب ، إلى أن بلغ الأمرُ منتهاه ، وبلغ السيلُ الزبى ، فطلبتْ من أخيها في الرضاعة وكُنيته (أبو النصر) أن يتدخل وسيط سلام بينهما ، وأبو النصر هو عَلمٌ في قبيلته وسيدٌ فيها ، وهو فوق ذلك كله رجلٌ على خلق ودين وعلم وتقوى ويُضاف إلى ذلك أنه الرجل الوحيد في القبيلة الذي له تأثيرٌ كبير على زوجها بحكم قرابته من زوجته ، وبحكم تجارته في البعران والتي هي أيضا تجارة زوجها! وجاء أبو النصر دارها بناءً عن طلبها ، وحل عليهما ضيفاً ، فأحسنا استقباله على طريقة البدو في البادية! وبعد الطعام والشراب والقهوة دارت رحى النقاش ، فاستمع إلى ختنه (زوج أخته) أولاً ، ثم استمع منها! وأدرك بالبديهة أن مع أخته الحق فقضى لها! فانفعل زوجها انفعالاً شديداً ، وأهان أبا النصر بكُليماتٍ مُوجعات! فقام من المجلس وانصرف ، وأراد العودة إلى داره في أقصى البادية! فتبعتْه أخته عَدْواً وراء الفرس ، وحملتْه على العودة قائلة: السادة لا يغضبون لحظوظ أنفسهم! والوسطاء يصبرون ويتحملون جهل وطيش ونزق الخصوم! والمصلحون لا يعنيهم إلا هدف مجيئهم وهو الصلح فقط! قالت له ذلك بحُرقةٍ شديدةٍ ، رجاء أن يعود فيصلح الله به! فكتبتُ أحكي قصتها على لسانها شعراً! ونعود إلى بدوية قصيدتنا الحشيمة المنتقبة وهي تنادي أبا النصر أن يرجع ليحل لها مشكلتها!)
© 2024 - موقع الشعر