الفارسة المنتقبة! - أحمد علي سليمان

بهذا الحِصان تجُوزُ المدى
وتبلغُ بالهمّة السُؤْدَدا

تُسلي بتدريبها نفسها
ولا تدريْ ماذا يكون غدا

لقد يُوقدُ الحربَ أهلُ الهوى
فتخرج حتى تصُد العِدا

فما العيشُ في ظِل تركيعهم؟
ألا إن هذا قرينُ الردى

وما العيشُ إما غزتْ أرضَها
فئامٌ طغتْ حوّلتْها كُدى؟

وما العيشُ إما المعاصي سرتْ
كمثل الهشيم إذا أوقدا؟

وما العيشُ إما الغواة طغوا
وأشقاهمُ في الدنا عربدا؟

وغلبَ أهلُ الهوى إفكَهم
وأمْرُ الأنام لهم وُسّدا

ألا إن هذا أوانُ الوَغى
وفارسة الحي نعمَ الفِدا

تذودُ عن الدار ، تحمي الحِمى
وعهداً - إلى النوم - لن تخلدا

فعِرضُ القبيلة مستهدفٌ
وللخيل - في الضبح - أحلى صدى

هي الضابحاتُ إذا أطلقتْ
فهل ضبحُهن يَضيعُ سُدى؟

هي المُورياتُ ، وسلْ قدحَها
تلي - بالسنابك - من أفسدا

تُغِيرُ صباحاً ، بلا رَجفةٍ
تُحَيّي الصباحَ ، وتُقري الندى

تُثِيرُ العَجاجَ إذا أدبرتْ
وإن لها - في القنا - موعدا

وذاتُ النقاب على صَهوةٍ
لأقوى حِصان يجُوز المدى

وما عاقها السترُ عن ذودها
ولمّا يكنْ قلبها جُلمُدا

ولكنْ يُحِسُ بما عاينتْ
وتصميمُها أن يسودَ الهُدى

حَصانٌ حِصانَ الحِمام اعتلتْ
بأعيننا نرقبُ المشهدا

لها - من فؤادي - التحايا زكتْ
وطيفٌ من الشوق كم غرّدا

فقد ذكّرتْنا بعهدٍ مضى
وأنى له اليوم أن يوجدا؟

أحييكِ أنتِ نفضتِ الكَرى
عن العين طراً ، فلن ترقدا

أحيّي العباءة قد أسبغتْ
لتدفع - عن غادةٍ - أعبُدا

أحيّي الإرادة ما استسلمتْ
ولمّا تمُدّ لباغ يدا

أحيّي المُروءة في عُطبُل
قد اتبعتْ - في الهُدى - أحمدا

أحيّي الشهامة أعرابُنا
بها شِعرُهم من قديم شدا

وهذا خِتامُ القصيد الذي
به قد خصَصْتُكِ مُسترشدا

بما قد علمتُ ، فلم أرتجل
هو الصدقُ يجعله جيدا

سلمتِ لنا جُنة في القنا
وفارسة لا تخاف الردى

ولا يفضض الله فاهَ التي
تقول: أنا – للسلام - الفدا

وعسّلكِ اللهُ في ذي الدنا
وحققَ فيها لكِ المقصِدا

وعاشَ حِصانكِ مستبسلاً
يسُر الحِمى ، ويَغِيظ العِدا

مناسبة القصيدة

الفارسة المنتقبة! (تقول هذه الفارسة المنتقبة ، بأنها اغتنمت فرصة أن زوجها يتاجر في الخيول ويدربها ، فاستأذنتْه في أن يدربها على ركوب الخيل ، بين الفينة والفينة ، وذلك لتكون مستعدة للدفاع عن بيتها وكرامتها وأولادها إذا لزم الأمر! واستجاب الزوج! فأعجبني فيها المضاء والعزم على إعداد العُدة ، واغتنام الفرصة ، وطرق الحديد وهو ساخن ، والأخذ بزمام المبادرة! ويوماً بعد يوم أصبحت تركب حصانها الذي يسابق الريح بها ، وهي فوق صهوته فارسة شجاعة لا تهابُ المنايا! وقد اختار لها زوجها ذلك الحصان قائلاً لها: هذا الحصان من أجود أنواع الخيل في العالم! وقد دربتُه تدريباً قاسياً على السباق! ويكاد يقطعُ مائة كيلومتر في الساعة الواحدة دون كل أو ملل! فصممتْ على ركوبه والطيران به في الصحراء! ونجحتْ في التحدّي! فكانت مكافأة زوجها أنه رفض أن يبيعه بأغلى الأثمان! وإنما أهداها ذلك الحصان وخصصه لها! وكأني بها تُذكرنا بالصحابيات وشجاعتهن وجهادهن! فلها مني التحية ، ولزوجها أغلى تحية! فأنشدت - أحييها وأشيد بها وبنقابها وأخلاقها وبفروسيتها وعزمها وثباتها - هذه القصيدة! ومن هنا كانت هذه القصيدة عن (فارستنا المنتقبة) لأبين كيف يمكن أن نجد فضليات يخدمن الإسلام والمسلمين ، ويحملن حقاً هموم جراح الإسلام والمسلمين! إنها المروءة التي تربين عليها! وكأني بفارسة قصيدتنا تذكرنا بالصحابيات!)
© 2024 - موقع الشعر