الأعمال بالخواتيم 2 العروس المنتقبة - أحمد علي سليمان

غدا السجودُ - على القنوت - برهانا
عساكِ جُوزيتِ - بالإحسان - إحسانا

لا شيء كالصدق في الإيمان يَعصمُنا
مِن الركون - إلى الأهواء - أزمانا

ولليقين صدىً في قلب صاحبه
يَزيدُه - إن سباه الوهمُ - إيمانا

وللصمود – إذا حَلّ المِرا - أرجٌ
يُهدي الفؤادَ قناعاتٍ ورُجحانا

صدقتِ ربكِ في سِر وفي علن
وبات موتك تأبيناً وإعلانا

إن التمسّك - بالإسلام - مَنقبة
أمستْ - على قوّة الإيمان - عُنوانا

وأنتِّ خيرتِ بين الزينة احتفلتْ
بها المحاسنُ ، بات الحسنُ برهانا

وبين فرض صلاةٍ حان موعدُها
وإن - في تركها - إثماً وخسرانا

وما اكترثتِ بما أمْلته والدة
وقد عدمتِ - على الترجيح - أعوانا

وخضتِ حرباً ضروساً نارُها اشتعلتْ
والبأسُ يُخمِدُ - في التنظير - نيرانا

أدليتِ دلواً - من الإقناع - مُترعة
إذ الأذانُ غزا - في الحفل - آذانا

وللضرورة أحكامٌ تُحدّدُها
أدلة شملتْ شرعاً وقرآنا

فليس من مرض – كلا – ولا سفر
سبحان من جعل الترخيص حُسبانا

ولا حريقٌ ، ولا شغلٌ ، ولا مطرٌ
يا قومنا اصطحبوا - في الحكم - ميزانا

أين الضرورة؟ دُلوني لأدرسَها
إن الدراسة تؤتي القلبَ إيقانا

كي أطمئنَ لمَا تلقون مِن رُخصٍ
وسوف أذعِن – للنصوص - إذعانا

قلبي يتوقُ لفتوى أستنيرُ بها
في مأزق يجعلُ الفؤادَ حَيرانا

وتستريحُ لها نفسي وعاطفتي
ويُمعنُ العقلُ فيها بعدُ إمعانا

يا أختُ أفحمتِهم ، وانصعتِ طيّعة
لفرض ربكِ تصديقاً وشُكرانا

آثرتِ مرضاة رب الناس في وضح
ترجين مِن ربك الرحمن غفرانا

وكل مَن تؤثرُ الديانَ فائزة
ومَن تطعه تنلْ عفواً ورضوانا

وفي السجود سَمَتْ بالنفس طاعتها
فأسلمتْ روحَها حُباً وعِرفانا

تقبل الله منك الروحَ جُدتِ بها
جوداً نتيهُ به فخراً وتحنانا

وسوف نذكرُ ألفاظاً جهرتِ بها
تفوحُ عِطراً وتفصيلاً وتِبيانا

بنبرةٍ أفصحتْ عن حِرص مُؤمنةٍ
على الصلاة ، شدتْ شجواً وألحانا

قولي لمن تتركُ الصلاة عامدة
وإن تُقِمْ بعضها تُقِمْه بهتانا

لم التهاونُ في الصلاة ما شرعتْ
إلا لتصرفَ فحشاءً وشيطانا؟

إن الصلاة عِمادُ الدين إن صلحتْ
لكان سائر ما نأتيه مُزدانا

ضحّيتِ يا أختُ بالمكياج كُلفته
آلافُ ، لمّا يكنْ والله مَجانا

وقبلُ ضحّيتِ بالفستان كيّتهُ
تكسرتْ مِن وَضوءٍ بلّ فستانا

وأذهب الماءُ ما بالشعر مِن نسق
وكان - بالدهن والترجيل - وَسْنانا

على المكاره أسبغتِ الوضوءَ ، فلم
يَفقدْ وُضوؤكِ - بالإسباغ - أركانا

ثم افتتحتِ صلاة لا انتهاءَ لها
ويعلمُ الله ما العُقبى وما كانا

والروحُ قد صعِدتْ بخير خاتمةٍ
وفارقتْ جسداً - يبكي - وأكوانا

وتُبعثين على ما مِت تكرمة
مع الأماجد - عند الله - جيرانا

واسألْ عن الرُكّع السجودِ مَشهدُهم
أمسَوْا بما قدّموا شُمّاً وأعيانا

والكل يغبطهم على مكانتهم
لمّا غدت سِيرة الأبرار سُلوانا

يا أختُ عُرسكِ في الجنان أشرفُ من
عُرس تخيسُه - بالكرب - دنيانا

فما الذي يُسعد التقاة في أمم
يَعيشُ أغلبها عِيراً وقطعانا؟

تنازلوا عن عُرَى الإسلام أجمعِها
فأصبحوا - في الدنا - صُمّاً وعُميانا

والحكمُ أولها ، ثم الصلاة غدتْ
في النقض آخرها ، ظلماً وعُدوانا

عليكِ رحمة ربي ما النهارُ أتى
وَجَنّ ليلٌ ، وبالإظلام وافانا

إلى اللقاء بجناتِ المليك غداً
إنا احتسبناكَ - عند الله - مولانا

مناسبة القصيدة

الأعمال بالخواتيمٍ 2 (العروس المنتقبة) (في يوم عُرسها ، وبعد أن وضعتْ زينتها لتكون بين صويحباتها بالمنظر البديع اللائق بالمناسبة ، هناك وسط النساء بعيداً عن أعين الرجال ، وأدركتها صلاة المغرب ، وأرادت أن تتوضأ ، وإذا فعلتْ فإن المكياج والزينة والمساحيق والكريمات سوف يزيلها الماء ، فأشارتْ عليها أمها أن تجمع المغرب مع العشاء فإنها ضرورة. فقالت البُنية المحبة للصلاة المؤثرة لطاعة ربها: لا ، ليست هذه ضرورة. واستمرت على ذلك ، وذهبت وتوضأت وأسبغت وضوءها على مكارهه غير مبالية بالمكياج وما شاكله ، قائلة بلسان الحال والمقال: وعَجلتُ إليك ربي لترضى! ولم تقدّم بين يدي الله ورسوله. وبينما هي ساجدة قبضتْ روحها فكانت خاتمتها سجوداً بين يدي الله! والله حسيبها ووكيلها ، ولا نزكّي على الله أحداً. والأصل أن يحافظ المسلم على الأذكار الصحيحة رجاء أن يموت على أحدها ، فتكون ميتته ميتة حسنة يحبها الله ويأجره عليها! حتى إذا قبض العبد وقد ذكر هذه الأذكار ، قبض على عمل صالح ، ومن أجل ذلك خلصت نيات المؤمنين وصدقت مع ربهم ، رجاء أن يقبضهم الله على نية حسنة ، ومما يعين عليها الإكثار من الأعمال الصالحات ، فما أكثر عبدٌ من عمل صالح إلا وتوفاه الله - سبحانه وتعالى - على ذلك العمل. قال أهل العلم رحمهم الله: من صدق فراره إلى الله ، صدق قراره مع الله ، فمن صدقت توبته ورجوعه وإنابته إلى ربه ، صدق قراره ومسيره وهديه على صراط الله حتى يلقى الله – تبارك وتعالى – هذا الهم الذي أقض مضاجع المتقين من قبل ، وأرق الصالحين من عباد الله. وأورد ابن خلكان رحمه الله في وفيات الأعيان ، في ترجمة يوسف بن أيوب الحمداني ، أنه كان عبدًا صالحًا محبوبًا من الناس ، فبينما هو ذات يوم في درسه ، إذ قام رجل من الصالحين ظاهرًا ، يقال له ابن السقاء ، وكان يحفظ القرآن وعنده شيء من الفقه ، فقام ذلك الرجل يسأله مسائل يريد بها أن يسيء الأمر في حلقته ويشغب عليه وجموع الناس حوله ، فلما أكثر عليه قال يوسف بن أيوب لابن السقاء: اجلس فإني والله ، لأشم من كلامك رائحة الكفر ، وأظنك ستموت على غير مِلة الإسلام. فمضت أيام قدم فيها وفد من ملك الروم إلى الخليفة، فلما خرج الوفد عائدًا إلى القسطنطينية، تبعه ابن السقاء وذهب معه واستقر به الأمر في تلك المدينة ، فما لبث فيها أيامًا حتى تنصر – والعياذ بالله – وأعجبه ما عليه النصارى من دين ، وخرج من ملة الإسلام ، فبقي فيها وكان يحفظ القرآن ، ثم قدّر لرجل من أهل بغداد أن يذهب إلى تلك البلدة لتجارة له فوجده مريضًا على دكةٍ وفي يده مروحة يذب بها الذباب عن نفسه ، فقال له: يا ابن السقاء إني كنت أعهد أنك تحفظ القرآن فهل بقي من القرآن في صدرك شيء؟ قال: لا ، ولا آية ، إلا آية واحدة: "رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ". وأما صاحبة قصيدتنا العروس الساجدة ، فأنشدتُ أحييها وأكْبر فِعلها ومِيتتها.)
© 2024 - موقع الشعر