المنتقبة والعصفور! - أحمد علي سليمان

في كفها العصفورُ يشعرُ بالأمانْ
ويُحاط بالدفء المُحبّب والحنانْ

وتزفه الأفراحُ يحدُوها الصدى
ولها أغاريدٌ يُصَدّرُها اللسان

يا ليت شِعري كيف بث شَكاته
لحشيمةٍ فضْلى مُبَجّلةٍ رزان؟

أو ليت شعري كيف قرّتْ نفسُهُ
في كف خيّرةٍ مُحجبةٍ حَصان؟

واستشعرَ الإيلافَ في تدليلها
ورمى بنظرة خائفٍ ، ثم استكان

واستسلمَ المَذعور يبسُمُ ثغرُهُ
في منظر بادٍ تماماً للعيان

يستروحُ الدفءَ الذي يصبو له
واليوم جاد عليه – بالدفء - الزمان

وأنا عرفتُ السر يا عصفورَنا
السر يكمنُ في التحبّب والصِيان

أسَرتْك حِشمتُها وسِتْرُ جمالها
عن كل عين تشتهي حُسْنَ الحِسان

لم ترضَ حُسْناً أرخصتْ أثمانُهُ
وخِلاله لمُريدِه النذل الجبان

غطتْهُ بالجلباب تُرضي ربها
إذ بالتبرّج تجتني ألمَ الهوان

فإذا به حُسْنٌ غلتْ أسعارُهُ
في سوق جيل فوضوي مُستهان

وإذا النقابُ يَزيدُ مِن تشريفهِ
ويُصِيبُ بالإرماد عينَ الأفعُوان

وإذا بصاحبة النقاب أميرة
بين السواقط والسوافر والقِيَان

سَترتْ عن الأغراب وجهاً حُسْنُهُ
سُبُحاتُهُ في الناس تُرسِلُ بالطعان

وكذلك القفاز أخفى كفها
بخِضابهِ ، والنقشَ من بعد الدهان

وسُوارُها والعقدُ مَستوران في
دِرع مُخَمّرةٍ لفائفها ثمان

لم يدر ناظرُ عِقدها ما وصفُهُ
أمن الزبرجد يا تُرى؟ أم من جُمان؟

والقرط هل من فضةٍ لمّاعة
مدموغةٍ ، بجمالها لا يُسْتهان؟

وخواتمُ العصماء هل ماسيّة؟
والبائعُ استبرا ، فأعطاها الضمان

مستورة هي كلها بين الورى
والوجهُ مستورٌ ، ومن بعدُ اليدان

يا أيها العصفورُ حظك وافرٌ
ولكَم يضيقُ الحظ ذرعاً بالحِزان

لمّا يعُدْ حُزنٌ لديك مُخيّمٌ
في كفها ابتشرَ الزمانُ مع المكان

وحظيت باللمسات تُدفيء حائراً
في الكف أنت ، ويجتبيك الفرقدان

يشقى بوصفك كاتبٌ أو شاعرٌ
ما حاز أيٌ منهما دُررَ البيان

كلٌ يُراهنُ أن يُوَصّفَ جاهداً
وأراهُ بعد جهاده خسِرَ الرهان

مَن لي بعصفور تجرّأ ، واعتلى
كفاً غدا من تحته مثلَ الخوان؟

حتى اطمأنتْ نفسُهُ ، واستبشرتْ
وكأنهُ في الكف قد سكنَ الجنان

مناسبة القصيدة

المنتقبة والعصفور! (وجدت هذه الحشيمة المنتقبة ذلك العصفورَ الصغير ينتفضُ من البرد في أحد نهارات الشتاء الباردة ، فكانت كفها له مأوى فشعر بالدفء ، واطمأنت نفسه ، وهدأتْ جوارحه! فرحتُ أصف المشهد شعراً! كما رحتُ أتساءل: ما الذي جعله يشعرُ بكل هذا؟ إنه رضاه عن سترها وحشمتها ونقابها! قبل حُنوها ورحمتها وعطفها ، وهو الحيوان الأعجم الذي لا يعي!)
© 2024 - موقع الشعر