غادة اليمن - رضوى - أحمد علي سليمان

لا تُذِقْ شِعري نبرة اللوّامِ
صحّ ظني ورؤيتي ومَرامي

غادة هذي اليُتمُ أضفى عليها
طيّباتِ الأخلاق والإنعام

هيَ نورٌ – فوق البسيطة - يسعى
فاق – في الحُسن الغضّ – بدرَ تمام

هيَ طهرٌ في عالم يتردى
ويُعاني من قسوة الأرحام

هيَ ثكلى ، أمستْ تُقاسي جراحاً
من جفاء الأخوال والأعمام

هيَ نبتٌ يجني الصراعُ عليه
فنراهُ عُوداً بلا أكمام

هيَ إقدامٌ يأسرُ اللب قسراً
فيُساوي الإنجاز بالإقدام

هيَ عِز يطغى الهوانُ عليه
كم عجبتُ مِن بأسه المُتسامي

وشموخ يُهدي الكرامة قوماً
لم يذوقوا حلاوة الإكرام

وإباءٌ – في عِزه – لا يُبارى
قد تناءى في قِمة الإعظام

وتحدٍ – للعائدات - تسامى
تلك ليست من عالم الأيتام

في حُلي النسا تُنشّأ هذي
لا تبينُ في محنةٍ وخِصام

لا يليقُ بأن تُزاحِمَ فحلاً
أو تباعَ – في السوق – بيعَ سُوام

تتهادى في خِفةٍ ودلال
بين صَقر يلهو بها ، ورُهام

والعيونُ – على الفتاة - سِهامٌ
أهلها في شوق ونار أوام

إنْ عصتْهم عَضُوا الأنامل غيظاً
أو أطاعت تجلببتْ بسُخام

والقلوبُ في الحَس لا تتساوى
قلبُ هذا قطنٌ ، وذا من رُخام

وفؤادٌ تقواه زادتْ وفاضتْ
وفؤادٌ كم ضاق بالأختام

فاعلموا يا أوباشُ قِيمة (رضوى)
قلبُها - في العفافِ - كالصمصام

كنتُ أقسمتُ ، والمليكُ شهيدي
وأراه من أغلظِ الأقسام

أن (رضوى) حقاً حَصَانُ رَزانٌ
ولها دَيّانُ البرايا الحامي

من يُبَيّتْ سُوءاً وظلماً ل (رضوى)
سوف يُبلى يوماً بموتٍ زؤام

حمَلتْ للمُحتال – غدراً - حساماً
ليس قط كدِرّة الغنام

يَغسلُ العارَ دون خوف البرايا
سيفَ (رضوى) بُوركتَ مِن مِجذام

ويُعيدُ حقاً تناءى بعيداً
ويَردّ – للطيبين - التسامى

في يدٍ سيفٌ ، ثم في النفس عزمٌ
إن (رضوى) قد اقتدَتْ بأدام

وكروبٌ - مثلُ السيوف - استشاطتْ
ثم راحتْ تُجيدُ حصدَ الهام

إيه (رضوى) ، خففي اللومَ ، رقي
لا تكوني خصْمي مع اللوّام

لمْتِ حتى تعقبَ القلبَ وَهمٌ
كيف أحيا فريسة الأوهام؟

دمعُكِ الحاني في فؤادي جهيرٌ
يبعثُ الحزنَ في الفؤاد الدامي

عَبراتٌ أمضى - مِن اللوم - أخذاً
وصِماتٌ يجتاحُ كل مَلام

إن سُؤلي لغيرتي وانشغالي
كم عِقابٍ يكون باستفهام

كم لقيتُ – في العيش – مُرّ بلاءٍ
إفكُ عاص يؤذي ، ورَمْية رام

واغترابٌ يَكوي الشموخ مَريرٌ
والعِدا من خلفي ، ومن قدّامي

وانطراحٌ – فوق الرمال - وحيداً
وجَوادي أمسى بغير لِجام

في يدي الأغلالُ تكبحُ عِزي
وبقايا الأصفاد في الأقدام

كيف أسعى؟ بل كيف أصنعُ فجري؟
والقيودُ – خابتْ – تدقّ عِظامي

وشعوري في الغُل أمسى أسيراً
كلَ يوم يرجو بُلوغ السام

وأحاسيسي في انكسار رهيب
كم تعاني تكالبَ الآثام

وابتئاساً منه المشاعرُ كَلمى
واكتئاباً يُفني العُرَى بسِهام

واصطباراً خِفتُ الركونَ إليهِ
واحتمالاً أهديتُه استسلامي

وعَشيراً تكلفَ القرْبَ مني
وهْو يهوى قطيعتي وخِصامي

وصديقاً عنه الصداقة ولتْ
قد يراني في سيئ الأحلام

ورفيقاً: الخذلُ ثوبٌ عليهِ
يتمطى في حُلة الإجرام

وشقيقاً رأى التجنيْ سبيلاً
سارَ فيها مسيرة الأنعام

وقريباً أمسى عدواً لدوداً
ذِكرُهُ يُردي مُهجتي بسِقام

وزميلاً عينٌ عليّ ، وسيفٌ
باع وُدي ، يا خيبة النمّام

وحميماً باعَ الإخاءَ زهيداً
لم يُحققْ لو بعضَ حفظ ذِمام

إنني - في هذي المتاهة - وحدي
ومُصابي أبكيهِ بالمِرسام

يَعرفُ الشِعرُ حُرقتي وعذابي
واهتمامي بنسْجه وغرامي

وادرسي إن شئتِ القريضَ مَلياً
كي ترَيْ عن رجس الخطايا صيامي

إيه يا (رضوى) ، كفاكِ عِتاباً
أنتِ مِثلي على مدى الأيام

تمضُغين الأشجانَ دون اكتراثٍ
وتريْن الأحزان خيرَ طعام

وتريْن الدنيا بقلب رحيم
يَصطفِينا مِن شدة الآضام

وتريْن الأوباش أطيبَ قوم
وتريْن النمورَ بعضَ يَمام

وتريْن (أميمة) ك (سجاح)
وتريْن (الكذابَ) ك (ابن سلام)

وتريْن الأمور تمضي اتفاقاً
وترين الأعرابَ كالأعجام

وتريْن الإنسانَ بَراً عَطوفاً
وهْو عاتٍ في سَورة الضِرغام

وتريْن الدينارَ شيئاً يَسيراً
وهْو - عند الضُلاّل - كالآكام

وتريْن الخيراتِ تعرو قرانا
وتريْن الذؤبان بعضَ حَمَام

وتريْن الإحسانَ فينا مُصاناً
بجهودٍ للمُحسنين الكِرام

وتريْن المعروفَ يغشى النوايا
ويُلاقي مَن ينبري ويُحامي

وتريْنَ – في الناس – كل جميل
وتريْنَ تعففَ الأقوام

أنتِ أين؟ وأين نحن؟ أجيبي
هل ترينَ التصريحَ غيرَ لِزام؟

أوَلستِ تحيين بين البرايا
بين صِيدٍ وآخرين طغام؟

أوَلستِ تريْن ما نحن فيهِ
مِن هَوان مُستقذر هَدّام؟

أوَلستِ تريْن بأسَ الخطايا
يعتليها – في الدار – كل هُمام؟

أوَلستِ تريْن قهرَ اليتامى
وتلاحِي الولاة والحُكّام؟

أوَلستِ تريْن قومَكِ صَرعى
عبدوا جهراً ظلة الدرهام؟

أوَلستِ تريْن ذل اليتامى
لا يُصاغ الإذلالُ بالأرقام

أنا إنْ سَطرْت القصيدَ أداوي
كل جُرح أودى بكل دِعام

إيهِ يا (رضوى) قد سكنتِ ضميري
ويُعاني الفؤادُ بعضَ ضِرام

إنني قد حييتُ فيكِ حياءً
بقصيدٍ ما فيه أيّ هُيام

لم أشَبّبْ بطفلةٍ أشتهيها
لم أعَرّضْ بوَجنةٍ ، أو قوام

لم أغازلْ صَبية بابتذال
لم أهِمْ في رضابها ، والوشام

بل نقشتُ بريشتي وقريضي
مستفيداً مِن نفحة (العوّام)

وأباهي بغادةٍ أعجبتْني
مثلما قد باهى (أبو تمّام)

وقصيدي - بالحب في الله - شادٍ
لم أداعبْ ك (عُروة بن حِزام)

مذ رأيتُ (رضوى) وعيني دموعٌ
وضميري أضناه جمرُ السِجام

عينُ جُودي ، فما عن الدمع صبرٌ
وبكاءُ العينين بعضُ اعتصامي

وجفاءُ العينين يُردي ارتياحي
كيف تهنا - عينٌ جَفتْ - بمَنام؟

كم لمستُ - في الدمع - غنْماً ويُسْراً
فاغتنمتُ البكاءَ خيرَ اغتنام

عينُ إما نهرتِ – بالدمع - حُزناً
وابتئاساً خلِّ الدموع ، ونامي

إن (رضوى) في عُمْر بنتي ، وأدنى
وأنا - في ودادها - مُتسامي

حبُها يَسبي كل قلب رؤوفٍ
وشذاها مُستعذبُ الأنغام

ليس عندي بنتٌ ، وهذا نصيبي
رغم بُعدٍ في ملتقىً وأسام

غادة (صنعا) تزدهي بحَلاها
وتراها ذخراً مدى الأيام

غادة تُهدي النفسَ حب السجايا
ولها مَجدٌ شامخٌ بسنام

غادة تشتري العيونُ صداها
وهْي تزهو بسعيها المِقدام

غادة - في هذي الجزيرة - حَيرَى
يحتويها – في الناس – بعضُ زحام

غادة ليست تعرفُ اليأس درباً
وإذا نيلتْ كالتْ بحَدّ حُسام

غادة فيها مِن أصيل المَعالي
ما يُلاحي ترنيمة النظام

غادة والأعوامُ تُزْكِي حَلاها
سَبقتْ هذي ضفوة الأعوام

غادة فيها قد تجَلى غموضٌ
فيصلٌ بين اللغز والإعجام

غادة شِعري يستقي مِن سَناها
عاطرَ الذكرى لخير نِظام

و(الخفيفُ) الفينانُ يُضفي عليها
كل وَقع مُستظرفٍ مِبسام

ويَراعي أهدى التصاويرَ صدقاً
باتئادٍ في مِئزر الإحرام

طاف حول البيت العتيق شُعوري
وقريضي وافى بشهر حَرام

كان يسعى – عند الصفا – دون كَلٍ
كان يتلو مِن سُورة (الأنعام)

(زمزمٌ) دَفتْ عندما اشتفّ منها
تلك أحلى طعماً مِن الدمدام

وحَواليْ بيت المليكِ جُموعٌ
وفِئامٌ كم رحّبتْ بفئام

وحجَجْتُ ، والأجرُ عند إلهي
ذي الجلال والعِز والإكرام

إيهِ (رضوى) ، أستودعُ الله (رضوى)
فخرُ (صَنعا) و(مكةٍ) و(الشام)

تلك فاقت - في زهدها - كل حي
وأراها قد فاقتِ (البسّامي)

لم تُعَوِّدْ - على التسوّل - كفاً
لم تُطِلْ في الإقدام والإحجام

حملتْ للفقر الحِرابَ ، وصالت
ثم جالت تحِز بالصَمصام

ناضلتْ في قوم تحدّوا صِباها
فاستماتتْ كالأسْد في الآجام

كافحتْ لمّا تغتذي بنعاس
ليس خيرٌ يُهدى إلى النوّام

وأبوها ألقى السلامَ عليها
وابتلاها - صِدقاً - بجيش لهام

ثم ولّى - عن الحياة - بعيداً
مُستجيباً للواحدِ العلام

تاركاً (رضوى) والأشقاءَ عُزلاً
في سراب مُبَطن بالخيام

عِيشة لا يسعى إليها لبيبٌ
قد تساوتْ في الدون بالإعدام

لم يذوقوا طعم النعيم بتاتاً
ومُحالٌ أن ينعموا بمَنام

لم يُحِسّوا يوماً بعذب شراب
لم يذوقوا حَلاوة الآدام

سَبعة جاعوا ، فالطوى يحتويهم
ثم لاذتْ بُنية بفِطام

خلّفَ الكلَ في شقاءٍ وبؤس
وحياةٍ قد لطختْ بسُخام

أسرة قد شدتْ عليها خِيامٌ
كقبور قد سُنمَتْ برجام

أرجَحتْها الحياة: شرقاً وغرباً
مَزقتْها بقاطع وأزام

طحَنتْها سَنابكُ العُمْر جبراً
وخيولُ الدنيا أتتْ برُعام

رُبّ بئر قد عطلتْها ظروفٌ
وظروفٌ شادتْ ذرى الآطام

ما استوى عبدٌ بالتقى يتحلى
وغويٌ يأوي إلى النجام

صاحِ فكّرْ في ذا التناقض ، واعقلْ
هل تساوى – قلْ – حَنظلٌ بجُرام؟

عندما قد ساءلتُ أين أبوكِ؟
أفحمتْني ذي أيما إفحام

كان صمتُ الفتاة أبلغ ردٍ
فاق حُسناً فرائدَ (الخيّام)

فأبوها قضى ، وباتوا يتامى
وتهاوتْ قواعدُ الأهرام

موتُه قد خط الدروبَ لعيش
ليس فيهِ مِن راحةٍ ، أو نيام

فاليتامى والأمُ كلٌ صَريعٌ
يومَ غارتْ إقبالة القوّام

ومصيرُ الأولاد يَطفحُ ذلاً
مُستبيناً ، ما فيه من إبهام

والقلوبُ انداحتْ تلوكُ أساها
وجَواها لحاجة الأجسام

مَن يُواسي؟ ومَن يعولُ اليتامى؟
مَن يجودُ بالمال والإطعام؟

مَن يُلِمّ بأمرهم ، ويُوفي
ثم - عند المولى - جنى الإلمام؟

أسرة - بالله الرحيم - استجارتْ
مَن يُجيرُ الهلكى سوى العلام؟

وأمام الأم الخِيارُ ، فإما
زوجة ، أو رعاية الأيتام

فاستقرَّتْ على الأيومة حتى
لا يُعاني التلويعَ أيّ غلام

قصة تستعصي على كل شهم
وقصيدٌ يُودي بكل هُمام

لوحة بالألوان من كل فن
تستجيشُ الآهاتِ في الرّسام

وألمّتْ رُتوشُها بشجون
مُترعاتِ الأوزار والآلام

صاحِ هذي حكاية اليُتم شجّتْ
عن قريضي المُلتاع كلَ لِثام

بدأتْ بالأحزان واليُتم حتى
فاجأتْنا بالجُرح شرّ خِتام

كلما استخدمتُ الخيالَ تأبّى
شاخصاً ، حتى عابني استخدامي

لا تلمْني إذا رأيتَ دموعي
قد علتْ في السحّ غيثَ غمام

حبكة المأساة الرعيبة طمّتْ
وأحالتْ عواطفي لحُطام

إنني ضمّنتُ الحقيقة شِعري
لم أدعْ من رَوم ولا إشمام

ودمجْتُ شِعري بأناتِ (رضوى)
واجتنيتُ تفككَ الإدغام

وجعلتُ مِن القصيدة حُكماً
دون نقض فيهِ ، ولا إبرام

شابَ حُزني ، والشِعرُ أمسى شباباً
وكروبي قد آذنتْ بثغام

لم تزلْ أبياتُ القصيد جنودي
وأراها مِن أنبل الخُدّام

دمُ جُرحي أمسى مُراقاً بشِعري
كدماءٍ في آلة الحَجّام

ذكرتْني (رضوى) بأختٍ تناءتْ
إن (رضوى) كأختنا (إكرام).

إيهِ (رضوى) تشجّعي ، واستمري
لا عليكِ من عابدي الأزلام

مَن تعامَى عن كل حق ، وحاكى
رغم عِلم مَرثيّة (البَلعام).

وتمادى في الغي ينشد طوقاً
لنجاةٍ مَشبوهة الآرام

صرفتْه عن حقكِ الغِيدُ حتى
مَرّغ المَحْيا في دجى الأصنام

وقضى العُمْرَ خلف (ليلى ولبنى).
ثم أضحى ضحية الأفلام

فنهارٌ في الجري خلف البغايا
ومَبيتٌ في مُتعةٍ ومُدام

لم يكن مَجْبوراً على فعل شيءٍ
إن عُذراً يُنال بالإرغام

إنما قد خط الدروبَ النصارى
تبعوا في التضليل كل نهام

واليهودُ الأوباشُ مَدّوا شِبَاكاً
فاستكانوا لإمرة الحاخام

كم شباب في عُهره قد تردى
لستُ أدري كثافة الأرقام

كم شباب زلاته ليس تُحصى
أصبحوا بالعِصيان مثلَ رُكام

يدّعون الإسلامَ دون التزام
ويعيشون في رهيب فِصام

يقطعون الأميالَ شرقاً وغرباً
مِن فيافي (ضِبا) إلى (الدمّام)

تاركين النورَ المبين مَكيثاً
باحثين عن تُرّهات الظلام

هاجرين الحَلالَ خلف ظهور
لاهثين وراء كل حرام

يشربون الخمور في كل مَلهى
ويحهم مِن مستهترين ندام

يرفعون شِعارَ أهل المخازي
فوقهم - في الساحات - كالأعلام

خبُثوا ، واللؤمُ المُشين طواهم
بعُدوا مِن مُستهترين لئام

ما لهم - في البيت العتيق - مُقامٌ
بل لهم - في الحانات - شرُ مُقام

برئوا مِن أدنى صِمام لأمن
مِن بَلا المَولى ما لهم من صِمَام

لا يَرونَ – بين الحَلاوَى - فروقاً
في مَذاق – كلا – وبين الشذام

لم يروا – خابوا – بين (عُتبةَ) فرقاً
في اتباع للحق و(ابن حِزام)

فتنة لا تلقى بها مُستنيراً
ليس مِن ثغر - في العنا - بسّام

فتنة عمّتْ في الديار ، وطمّتْ
كم نعاني منها عتيَّ اختصام

ليس يُجدي تعمّدُ الخوضِ فيها
وأرى – قطعاً – ليس يُجدي التعامي

فتنة والأغرارُ فيها وقودٌ
سُفهاءُ الألباب والأحلام

فتنة بالإنسان تعصفُ عصفاً
وتُريه الأنوارَ كالإظلام

فتنة لا تقوى الرواسي عليها
بات فيها الشبابُ كالأغنام

فتنة كم قد حار فيها لبيبٌ
كشُواظٍ ما فيه أيُ إيام

بدّدوا كم من طاقةٍ ونقودٍ
ثم بات الآسادُ كالأقزام

رقدوا في التيه البغيض ، وضلوا
ما استطاعوا من هَبةٍ ، أو قِيام

حارتِ الألبابُ الوضيئة فيهم
وكذا كم قد حار من أفهام

وانطلتْ أفكارُ اليهودِ عليهم
وأصيبوا - في مَقتل - بجُذام

ونصارى الآفاق قد فتنوهم
فأصيبوا - في دينهم - بانهزام

واقتفوْا آثارَ الألى ضيّعوهم
أعظموهم نهاية الإعظام

رضعوا من لِبان هودٍ ، فضلوا
ثم عاشوا وأنفُهم في الرغام

لم يكونوا ليعلموا عن حلال
ولهذا تقلبوا في الحرام

قطعوا أسبابَ النجاة ، فضاعوا
وحبالُ التقوى بدتْ في انصرام

لم يُبالوا بالمُوبقات ، فزلوا
لم يخافوا حيّات وادي (أثام)

أقحموا - في قعر الدنايا - خطاهم
فتدنى الشموخ بالإقحام

صَدَموا في صخر الخنوع إباءً
كان أحرى أنْ لم يمُتْ بصِدام

وانطلتْ أفكارُ الكِفار عليهم
لا ترى فيهم لو بُعيضَ شِهام

لعبوا – بالنيران - حتى تلاشوا
واستحالوا - من صحوةٍ - لحُطام

في القلوب – للمُهلكات - أوارٌ
والوجوهُ فيها وفيرُ قتام

أمهلوا ، لكنْ دون عَودٍ وتوب
بل تمادَوْا في لوكِ أعتى السِمام

مُدلهمّاتٌ تتركُ القلبَ رَهْوا
ليس يحوي انتفاضة الإسلام

بل أسيرٌ في التيه ، لاذ بصمتٍ
ثم عانى من مُعضلاتٍ ضِخام

والشبابُ تاهوا ، ولم يَستدلوا
وتلاشَوْا في المُغريات العِظام

إيه (رضوى) ، فاستبشري برحيل
لِغثاءٍ عمّ الدنا ودِمام

واصبري ، إن العيش هذا كِفاحٌ
ما لبؤس – يا طفلتي – من دَوام

ووداعاً يا طهرَ كل الصبايا
يا نِضالاً يسعى بكل احترام

واقبلي عُذري ، إن نكأتُ جراحاً
وعليكِ - مِن المليكِ - سلامي

مناسبة القصيدة

(كتب الشاعر محمد حافظ إبراهيم قصيدته المشهورة (غادة اليابان). وهي قصيدة محبوكة مسبوكة. أهداها الشاعر لفتاة يابانية أعجبتْه في تلبيتها نداء وطنها الذي تحبه ، وذلك برغم العز الذي كانت تعيش فيه بعيداً عن وطنها. وكانت قصيدة حافظ 18 بيتاً من بحر الرمل بدأها مثنياً على غادة اليابان المخلصة لوطنها بقوله متحدثاً بلسانها: لا تلمْ كفي إذا السيفُ نبا صحّ مني العزمُ ، والدهرُ أبى مرحباً بالخطب يبلوني إذا كانت العلياءُ فيه السببا واستمر حافظ في مدح الفتاة وسلوكِها الوطني متحدثاً على لسانها ، إلى أن ختم بقوله يحكي عنها مبيناً ما للوطن في قلب غادة اليابان من الحب: أنا إن لم أحسِن الرميَ ، ولم تستطع كفايَ تقليب الظبا أخدمُ الجرحى ، وأقضي حقهم وأواسي – في الوغى – مَن نكِبا هكذا (المِيكادُ) قد عَلمنا أن نرى الأوطان أما وأبا ونالت قصيدة حافظ إعجاب الكثيرين. وأنا كتبت عن غادة اليمن البنت التي ربت أخواتها بعد موت أبيها!
© 2024 - موقع الشعر