لِجِنِّيَّةٍ أَم غادَةٍ رُفِعَ السَجفُ - أبو الطيب المتنبي

لِجِنِّيَّةٍ أَم غادَةٍ رُفِعَ السَجفُ "
" لِوَحشِيَّةٍ لا ما لِوَحشِيَّةٍ شَنْفُ

نَفورٌ عَرَتها نَفرَةٌ فَتَجاذَبَت "
" سَوالِفُها وَالحَليُ وَالخَصرُ وَالرِدفُ

وَخُيِّلَ مِنها مِرطُها فَكَأَنَّما "
" تَثَنّى لَنا خوطٌ وَلا حَظَنا خِشفُ

زِيادَةُ شَيبٍ وَهيَ نَقصُ زِيادَتي "
" وَقُوَّةُ عِشقٍ وَهيَ مِن قُوَّتي ضَعفُ

هَراقَت دَمي مَن بي مِنَ الوَجدِ ما بِها "
" مِنَ الوَجدِ بي وَالشَوقُ لي وَلَها حِلفُ

وَمَن كُلَّما جَرَّدتَها مِن ثِيابِها "
" كَساها ثِيابًا غَيرَها الشَعَرُ الوَحفُ

وَقابَلَني رُمّانَتا غُصنِ بانَةٍ "
" يَميلُ بِهِ بَدرٌ وَيُمسِكُهُ حِقفُ

أَكَيْدًا لَنا يا بَينُ واصَلتَ وَصلَنا "
" فَلا دارُنا تَدنو وَلا عَيشُنا يَصفو

أُرَدِّدُ «وَيلي» لَو قَضى الوَيلُ حاجَةً "
" وَأُكثِرُ لَهفي لَو شَفى غُلَّةً لَهفُ

ضَنىً في الهَوى كَالسُمِّ في الشَهدِ كامِنًا "
" لَذِذتُ بِهِ جَهلًا وَفي اللَذَّةِ الحَتفُ

فَأَفنى وَما أَفنَتهُ نَفسي كَأَنَّما "
" أَبو الفَرَجِ القاضي لَهُ دونَها كَهفُ

قَليلُ الكَرى لَو كانَتِ البيضُ وَالقَنا "
" كَآرائِهِ ما أَغنَتِ البيضُ وَالزَغْفُ

يَقومُ مَقامَ الجَيشِ تَقطيبُ وَجهِهِ "
" وَيَستَغرِقُ الأَلفاظَ مِن لَفظِهِ حَرفُ

وَإِن فَقَدَ الإِعطاءَ حَنَّت يَمينُهُ "
" إِلَيهِ حَنينَ الإِلفِ فارَقَهُ الإِلفُ

أَديبٌ رَسَت لِلعِلمِ في أَرضِ صَدرِهِ "
" جِبالٌ جِبالُ الأَرضِ في جَنبِها قُفُّ

جَوادٌ سَمَت في الخَيرِ وَالشَرِّ كَفُّهُ "
" سُمُوًّا أَوَدَّ الدَهرَ أَنَّ اسمَهُ كَفُّ

وَأَضحى وَبَينَ الناسِ في كُلِّ سَيِّدٍ "
" مِنَ الناسِ إِلّا في سِيادَتِهِ خَلفُ

يُفَدّونَهُ حَتّى كَأَنَّ دِماءَهُمْ "
" لِجاري هَواهُ في عُروقِهِمُ تَقفو

وُقوفَينَ في وَقفَينِ شُكرٍ وَنائِلٍ "
" فَنائِلُهُ وَقفٌ وَشُكرُهُمُ وَقفُ

وَلَمّا فَقَدنا مِثلَهُ دامَ كَشفُنا "
" عَلَيهِ فَدامَ الفَقدُ وَانكَشَفَ الكَشفُ

وَما حارَتِ الأَوهامُ في عُظمِ شَأنِهِ "
" بِأَكثَرَ مِمّا حارَ في حُسنِهِ الطَرفُ

وَلا نالَ مِن حُسّادِهِ الغَيظُ وَالأَذى "
" بِأَعظَمَ مِمّا نالَ مِن وَفرِهِ العُرفُ

تَفَكُّرُهُ عِلمٌ وَمَنطِقُهُ حُكمٌ "
" وَباطِنُهُ دينٌ وَظاهِرُهُ ظَرفُ

أَماتَ رِياحَ اللُؤمِ وَهيَ عَواصِفٌ "
" وَمَغنى العُلا يودي وَرَسمُ النَدى يَعفو

فَلَم نَرَ قَبلَ ابنِ الحُسَينِ أَصابِعًا "
" إِذا ما هَطَلنَ استَحيَتِ الدِيَمُ الوُطفُ

وَلا ساعِيًا في قُلَّةِ المَجدِ مُدرِكًا "
" بِأَفعالِهِ ما لَيسَ يُدرِكُهُ الوَصفُ

وَلَم نَرَ شَيئًا يَحمِلُ العِبءَ حَملَهُ "
" وَيَستَصغِرُ الدُنيا وَيَحمِلُهُ طِرفُ

وَلا جَلَسَ البَحرُ المُحيطُ لِقاصِدٍ "
" وَمِن تَحتِهِ فَرشٌ وَمِن فَوقِهِ سَقفُ

فَواعَجَبًا مِنّي أُحاوِلُ نَعتَهُ "
" وَقَد فَنِيَت فيهِ القَراطيسُ وَالصُحفُ

وَمِن كَثرَةِ الأَخبارِ عَن مَكرُماتِهِ "
" يَمُرُّ لَهُ صِنفٌ وَيَأتي لَهُ صِنفُ

وَتَفتَرُّ مِنهُ عَن خِصالٍ كَأَنَّها "
" ثَنايا حَبيبٍ لا يُمَلُّ لَها رَشفُ

قَصَدتُكَ وَالراجونَ قَصدي إِلَيهِمُ "
" كَثيرٌ وَلَكِن لَيسَ كَالذَنَبِ الأَنفُ

وَلا الفِضَّةُ البَيضاءُ وَالتِبرُ واحِدٌ "
" نَفوعانِ لِلمُكدي وَبَينَهُما صَرفُ

وَلَستَ بِدونٍ يُرتَجى الغَيثُ دونَهُ "
" وَلا مُنتَهى الجودِ الَّذي خَلفَهُ خَلفُ

وَلا واحِدًا في ذا الوَرى مِن جَماعَةٍ "
" وَلا البَعضُ مِن كُلٍّ وَلَكِنَّكَ الضِعفُ

وَلا الضِعفَ حَتّى يَتبَعَ الضِعفَ ضِعفُهُ "
" وَلا ضِعفَ ضِعفِ الضِعفِ بَل مِثلَهُ أَلفُ

أَقاضِيَنا هَذا الَّذي أَنتَ أَهلُهُ "
" غَلِطتُ وَلا الثُلثانِ هَذا وَلا النِصفُ

وَذَنبِيَ تَقصيري وَما جِئتُ مادِحًا "
" بِذَنبي وَلَكِن جِئتُ أَسأَلُ أَن تَعفو

© 2024 - موقع الشعر