فيضان ليبيا المدمر - دانيال - أحمد علي سليمان

أرأيت (دَرنة) في البلاء الآني
مَنكوبة في لجّة الفيضان؟

دنيالُ جَندَلها ، وشرّد قومها
والبعضُ أغرقَ في دجى الطوفان

والبعضُ ذاقَ من العذاب أشُدّهُ
مِن بعد تدمير وطول هوان

من بعد أن هوتِ المَباني فوقه
أرأيت إعصاراً يهُدّ مباني؟

وإذا ترى العَرباتِ تسبحُ وحدها
والماءُ يُمسكُ وحدهُ بعَنان

وإذا ترى الأسواقَ يَحطِمُ بعضها
بعضاً ، ولم تأخذ بُعيض ثواني

وإذا ترى الغرقى طفَتْ أجسادُهم
والموتُ آذنَ بالرحيل الآني

وإذا ترى الأشجارَ طارت في الهوا
لمّا يعدْ شيءٌ من الأوزان

والكهرباءُ تساقطتْ عِمدانُها
فالماءُ زلزلَ صخرة العمدان

وأساسُ أبياتٍ تخلخلَ أسّها
والماءُ قوّضَ زهوة العُمران

والأم تجري ، والرياحُ تقودُها
مِن بعد فقدِ الزوج والولدان

وقبائلٌ فقدتْ بكامل أهلها
لمّا تمادى الماءُ في الطغيان

أسَمِعتَ بالأخوَاتِ بتْن بواكياً
وأصِبْن بالتشتيت والغثيان؟

كم حارَهن مصيرُ أهل غيّبوا
ما خَطبُهم؟ ما ردّ الاستبيان؟

ويَبتْن في ثوب الصلاة قوانتاً
يا ربنا الطفْ يا عظيمَ الشان

يَجأرْن بالدمع الغزير جلائلاً
مَن ندعوْ غيرَ الراحم الرحمن؟

أسَمِعت بالأمصار يَطويها الفنا؟
عجباً لصُنع الماء في البُلدان

أسَمِعت بالبُنيان يَبلعُه الثرى؟
هل كان ذا لهشاشة البُنيان؟

لا ، والذي رفعَ السما سبحانهُ
هذا اختبارُ الله للأوطان

أسمعت بالأجبال تُنسفُ جهرة
ويبَيتُ منظرُها كخيط دُخان؟

أسمعت بالوُديان أزهقَ رُوحَها
ماءٌ غزا بُحبوحة الوديان؟

أسمعت يوماً بالسهول تُذيبُها
لجَجُ البحار كعالج الكُثبان؟

أسمعت بالطرقاتِ تَفنى جُملة
وفناؤها ما كان في الحُسبان؟

أسمعت بالأصقاع كانت آية
واليومَ باتت ما لها مِن شان

أسمعت بالبحر اعتدتْ أمواجُهُ
حتى أبادتْ أدؤراً ومواني؟

أسمعت يوماً بالجُسور يَدكُها
مَوجٌ يَفورُ بساعر الشنآن؟

أسمعت يوماً بالحواضر أصبحتْ
أثراً به يتندرُ الثقلان؟

دنيالُ ما أقساك فيما جئتهُ
لو كنت تملكُ مِن رزين جنان

لم تُغرق الطفلَ الذي ضحكاتُهُ
منظومة مِن أعذب الألحان

لم تُغرق البنتَ استجارتْ بالذي
هو راحمٌ يا سيلُ بالإنسان

لم تُغرق الشيخ استطالَ مَشيبُهُ
والشيبُ يُعجزُ كل أشْيبَ فاني

دنيالُ رفقاُ إن (ليبيا) جُندلتْ
ودموعُها انهمرتْ على الأجفان

دنيالُ ماؤك والهواءُ مُسَعرٌ
حَلا مَحلَ النار في البركان

تبكي على أبنائها وبناتها
ونسائها والشيب والشبان

تبكي بدمع يَستبيحُ عيونها
فالدمعُ أذبلَ نضرَة الأعيان

تبكي الحضارة كهفها ورقيمَها
باتتْ سراباً غِيلَ بالعُدوان

تبكي على جُثثِ الضحايا جُمّعتْ
فوق الأديم كنافق الحيوان

تبكي على الآلاف لاقوا حَتفهم
أشلاؤهم نُثرتْ بكل مكان

تبكي على الناجين قد فجعوا بمن
فقدوا ، وتَقْدُرُ حسرة الثكلان

تبكي على الجرحى تنز جراحُهم
وتُعيرهم شيئاً من السلوان

تبكي ، وقد تهذي لكرب هدّها
ليستْ تُلامُ إذن على الهذيان

تبكي ، ويخنقها الجوى في كربها
والدمعُ قد ضاقت به العينان

ليبيا تئنُ ، فهل سمعت أنينها
وتلوكُ ما لقيتْ من الأحزان

ليبيا ارتدتْ ثوبَ الحِداد ، وأذعنتْ
يا ويحَ (ليبيا) في أسى الإذعان

كربٌ على كرب يدهدهُ عزمَها
ومصائبٌ تترى بدون تواني

ومَطاعنُ الأعداء تُورثُها الضنا
حتى تُجرّعَها لظى الخسران

ومكائدُ العادين تُوهنُ عزمَها
كي يَظفروا بوساوس الشيطان

ليبيا بَكاكِ الشعرُ والذكرى معاً
وبَكتْكِ أنفسُ في المُصاب حواني

أنا إن بكيتُ فنص شعري أدمعٌ
ودموعُ قلبي مذ هطلن دواني

ودموعُ عيني ، والمهيمنُ شاهدٌ
سجمتْ فبؤتُ بدمعيَ الهتان

ومشاهدٌ عبر الأثير تُنوقِلتْ
تكوي الفؤادَ بجمرة الأشجان

في (دَرنةٍ) طغت السيولُ ، وعربدتْ
وأتت على عُمرانها المزدان

والبنية التحتية احتدمتْ فنا
والسيلُ جَرّفَ عاليَ البُنيان

والطينُ غطى كل أكناف الربى
وطوى الخلائقَ مائعُ الأطيان

سدُ البلاد تهالكتْ أركانُه
لمّا يُحققْ لو بُعيضَ أمان

وكذا (أبو منصورَ) لم يدفعْ أذى
فبقاؤهُ وزواله سِيّان

سدّان ما قاما بأي حمايةٍ
وخِلافُ ذلك بالغ البطلان

يا رب فارحم كل ليبي قضى
وارحمْ غريب الدار كل أوان

واشفِ الألى جُرحوا ، وخففْ كربَهم
واكلأهمُ باللطف والرضوان

للهم صَبّرْ كل أم أثكِلتْ
بنسائم التصبير والغفران

للهم عَوّضْ بائسين تَضرروا
عامِلهمُ بالفضل والإحسان

يا(دَرنة) اصطبري ، ولا تتأثري
سيشُد أزرَ بنيك ذو السبحان

إن المليك على بنائك قادرٌ
فالأمرُ أمرُ الخالق الرحمن

لو شاء ربكِ أمسكَ الماء الذي
أودى بأهلكِ في المصير الآني

فاسترجعي مهما يكن من نكبةٍ
وتضرّعي للواحد المنان

مَن ذا علمتِ بلا مصاب أو بلا؟
من ذا الذي في العيش ليس يُعاني؟

مناسبة القصيدة

فيَضان ليبيا المدمر - دنيال (إن هذا الفيضان الذي أتي على مدينة (درنة) الليبية بالموت والدمار - وجعلها بعدما كانت عروساً يتغنى بها القاصي والداني – أصبحت مدينة منكوبة! ولما هالتني الصور والمشاهد التي بثتها شبكات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي ، وجدتني تدمع عيناي! فحولتُ دموعي شعراً! ورحتُ أعزي الإخوة المنكوبين من أهل ليبيا ، وأسترحم الله تعالى لموتاهم وأصبّر المصابين والمبتلين! فيضانات ليبيا: ما هو إعصار "دانيال" الجارف ولماذا زرع الموت والدمار بمدينة درنة؟ كارثة طبيعية وإنسانية فاقت كل التقديرات أصابت مدينة درنة بشرق ليبيا بعد أن غمرتها مياه الفيضانات التي أودت بحياة الآلاف من سكانها. فيما لا يزال آلاف الأشخاص في عداد المفقودين. ويعود سبب هذه الكارثة المناخية إلى إعصار "دانيال" الذي ضرب بقوة كبيرة الساحل الليبي ، ما أدى إلى انهيار سدين رئيسيين بالمدينة وتدفق كميات هائلة من المياه جرفت أجزاء واسعة من المدينة. فما هو إعصار "دانيال"؟ ولماذا ضرب مدينة درنة بالذات؟ وتسبب الإعصار في مقتل الآلاف في مدينة درنة الواقعة بشرق ليبيا وفق الإحصائيات الأخيرة وغير النهائية.
© 2024 - موقع الشعر