زلزال تركيا وسوريا المدمر 2023م - أحمد علي سليمان

خطفَ الزلزالُ وَعْيَ الناظرينْ
وسَبا - في مشهد الهدم - العيونْ

واستمى عن أي وصفٍ أو رُؤىً
ليت شِعري وتحدّى الواصفين

غالَ - في التدمير - ألبابَ الورى
واعتلى متنَ الحَكايا والظنون

حصدَ العُمرانَ حَصداً ماحِقاً
بحقوق الناس أمسى يستهين

جندلَ الأرضَ ، وأفنى أهلها
مثلما تُفني البلايا والمَنون

باطنُ الأرض غدا ظهراً لها
رغم أن البدء بالريح السفون

والصروح من قوى الهول هوتْ
ما دهاكِ اليوم يا هذي الحصون؟

مثلُ أوراق لأشجار هوتْ
مَشهدٌ يذهب بالعقل الرزين

وإذا الأبراجُ ذرٌ في الهوا
مَنظرٌ يُفضِي لمسّات الجُنون

وإذا الأرضُ ترابٌ أو ثرىً
وظهورٌ – للضواحي - كالبُطون

والبناياتُ تهاوتْ فوقها
وضحايا كل مَبنىً بالمِئين

بعضُها ضمتْهُ أنقاضُ الردى
مسلماً نفساً وروحاً للفتون

قطعتْ أوصالهم في لحظة
وغدت أجسامُهم مثلَ العَجين

مِزقاً في كل وادٍ جُندلتْ
ودمُ الأشلاء يُبكي المسعفين

وسْط أحجار تردّتْ من عَل
ويحَ برج رائع المبنى مكين

أصبح البرجُ حُطاماً يُزدرى
وإذا الأدوارُ تذرَى كالطحين

وإذا السكانُ باتوا تحته
وإذا الحالُ سُكونٌ في سُكون

ودهى البعضَ حِصارٌ مُحكمٌ
فيه سادَ الخوفُ مِن بعد الدجون

والجراحاتُ غزتْ بعضَ الورى
والدما سالت كما الغيثِ الهتون

أيها الزلزالُ ما أقساك ، إذ
روّعتْ شَجواك قوماً آمنين

أطفأوا الأنوارَ حتى ينعموا
في البيوتات برؤيا النائمين

فإذا بالموت يُدلي دلوه
مُمْسكاً بالحبل في البئر الشطون

أيها الزلزالُ لم ترحمْ فتىً
نام في المهد ، ويصحو بعد حين

أو صبياً حوله ألعابُه
وبقايا الأكل في بعض الصحون

أو رضيعاً أمُه قد فارقتْ
ولهذا فقدَ الكف الحنون

أو مُسناً ضاعفتْ أمراضُه
شَرَ آلام توالتْ مِن سنين

أو عجوزاً عاينتْ وقت الدوا
لسِقام – كم تعانيهِ - زمين

أو يتامى عائل تحت الثرى
ولهم ذو القوة الرب المتين

أو أيامى أمّلوا تزويجهم
طامعين في بناتٍ أو بنين

أو فقيدٍ غابَ عن أحبابه
بات فرداً دونهم يا للظعين

فإذا الزلزالُ يُنهي عيشهم
مُحْدِثاً ما لا يُرَجّى أن يكون

وإذا العمران يُضنيه الفنا
والخرابُ عن شِمال واليمين

وارتأه الناسُ في (مَلطيةٍ)
في بناياتٍ أقيمتْ من قرون

وكذا في (مَرعش) عَمّ الأسى
وأصابت أهلها شتى الحُزون

إن (أنطاكية) باتت فنا
غالها الزلزالُ ، فاهتاجَ الأنين

وكذا في (شانلي أورفا) مأتمٌ
وألوفُ الناس ماتوا عن يقين

واسألوا (هاتايَ) عن مأساتها
وهْي تبكي الدورَ دُكّتْ والحُصون

وكذا في (غازي عَنتاب) شقا
إذ تهاوى كلُ بُنيان حَصين

واسألوا في (قهرمان) مَن نجا
إذ بدا الزلزالُ مُسْودَ الجَبين

يَحصدُ الأرواح لم يُبق سوى
أثرَ التهديم فوق الميتين

والمُذيعون بكَوْا أخبارَهم
ورثا الموتى بها الدمعُ السخين

حسرة تُبكي ، وأحوالٌ تشي
أن دنيانا تُغطيها الشجون

ومذيعاتُ الدنا لكْنَ البكا
عندما شاهدن قرحن الجفون

مسلماتٍ كُن ، أو مِن غيرنا
في ديار العُرب ، أو هندٍ وصين

عِشْن ما يَعرضْنه مِن مَشهدٍ
يخلعُ القلبَ ، ويغتالُ العيون

ما تحملن البلايا تجتني
مُهجة الإنسان إذ يغدو الدفين

أو تبيدُ الطفل في جوف الثرى
أو تبيدُ الأم قسراً والجنين

لقطاتٌ بثها التلفاز ، لم
يَحتملْ إيلامَها القلبُ الطعين

لم تكنْ في البر – كلا - وحده
بل طغتْ في البحر إذ غِيضَ السفين

لقطاتٌ لا تُسلي خاطراً
بل تُزيد الغمّ في نفس الشجين

وتسونامي لم يُخلفْ شاطئاً
غيرَ مَغمور بأحجار وطِين

وطغى الماءُ على الدرب ، وقد
قلعَ الأشجارَ ، واجتثَ الغصون

أغرقَ الشطآنَ أخفى حُسنَها
لم يكن - فيما دهاها - بالضنين

وفئامُ الناس أوهتْ عزمَهم
حيرة تجتالُ تفكيرَ الفطِين

ورُكامُ الثلج يُهدي بَردَه
كل فردٍ شدة البرد رَهين

أيها الناسُ استعينوا بالذي
خلقَ الإنسان مِن ماء مَهين

سيُعين اللهُ مَن يعنو له
هل سوى المولى على قهر يُعين؟

وازعُ الإيمان كم نسمو به
كيف يحيا المرءُ مِغواراً بدون؟

قد يهونُ العيشُ حتى إن زها
لكن الدينُ علينا لا يهون

تذهبُ الدنيا ، وتأتي غضة
لكن الأخرى لها أرجى الحنين

لا يَهدُ اليأسُ إلا خائراً
هل يصدُ اليأسَ عبدٌ مُستكين؟

ما تساوى العبدُ يسمو بالهُدى
بغوي خائر العزم خؤون

إن فرقاً بين ليل والضحى
وفروقاً بين زقوم وتين

إيه يا بلقانُ هذي عِبرة
كم بها جاءت أحاديثُ الأمين

مع مولانا إذن فلنصطلحْ
ولنجدّ السيرَ في الدرب المبين

يُرسلُ الرحمنُ كم ذكرى لنا
كل ذكرى تصطفي بعضَ الشؤون

ذلك الزلزالُ من آياته
بين كافٍ - جاب أصقاعاً - ونون

فاقبلوا مني التعازي حِسبة
إننا لله يوماً راجعون

لا تسبوا أيها الناسُ القضا
لا أراكم في البلايا قانطين

واحمدوا المولى على مقدوره
يؤتكم عزماً وبأساً لا يلين

لا تقولوا: لعنة الزلزال ، لا
لا تقولوا: حَلّ زلزالٌ لعين

قِيلَ: حتماً أن ترى العينُ الذي
كَتبتْ أقدارُنا فوق الجبين

ليست الأحذار تُنجي مِن قضا
وقضاءُ الله عدلٌ مستبين

ولرب الناس في ذا حكمة
كُنهها يخفى على القوم العَمين

لكمُ هذا العزا مِن شاعر
ذاب وجداً مِن تصاريف الفتون

للألى ماتوا تكلفتُ الدعا
رحمَ الله الضحايا المؤمنين

والألى عاشوا ألا فليصبروا
ربنا الرحمن مولى الصابرين

ولمرضانا الشفا من ربنا
يا إله الناس خففْ كل هُون

رب جنبنا الذي أودى بهم
بك عُذنا اليوم مِن رَيب المَنون

ربنا رحماك يا مولى بنا
ثم عامِلنا بإحسان ولين

لك في الأرض عبيدٌ غيرنا
ويقيناً ما لنا غيرُ المتين

إن دهتْنا محنُ الدنيا هنا
نحن بالمولى عليها نستعين

مناسبة القصيدة

زلزال تركيا المدمر (إنه في فجر يوم الاثنين الموافق السابع من فبراير لعام ألفين وثلاثة وعشرين ضرب زلزال مدمر الأراضيَ التركية والسورية! وكانت هناك مئاتُ الهزات الارتدادية والعواصف الرعدية والزلزالية ، والتي هي من أسباب "توحش" هذا الزلزال! وأشارت أنقرة - سكاي نيوز العربية إلى أن حصيلة قتلى زلزال تركيا وسوريا إلى أكثر من 15 ألف قتيل ، خلاف أضعاف هذا العدد من الجرحى ، وأضعاف هذا العدد من المفقودين الذين لم يُعْلم مصيرهم حتى كتابة قصيدتنا! مع توالي أرقام حجم الدمار للزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا. روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ! حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ). لقد جاءهم الزلزال بعد هجوع الناس ، جاءهم بياتًا وهم لا يشعرون! لقد جاءهم الزلزالُ بعد هجوع الناس ، جاءهم بياتًا وهم لا يشعرون! إن ما يجب أن يعلمه كل إنسان أن الكون كلُّه ، بإنسِه وجنِّه ، وأرضه وسمائِه ، وهوائِه ومائِه ، وبرِّه وبحرِه ، وكواكبِه ونجومِه ، وكلِّ مخلوقاته ما علِمنا منها وما لم نعلَم - كلُّها مسخَّرة بأمره سبحانه ، يمسك ما يشاء عمّن يشاء ، ويرسِل ما يشاء إلى من يشاء. وكيف لا تُدرَك عظمةُ الجبار جلّ جلاله وضَعفُ جبابِرة الأرض مهما أوتوا من قوة؟! إنَّ هذه الحوادث والقوارعَ توقِظ قلوبًا غافِلَة ؛ لتراجع توحيدَها وإخلاصها ، فلا تشرِكُ معه في قوَّته وقدرتِه وسلطانه أحدًا ، ويُفيقُ بعضُ مَن غرَّتهم قوّتُهم ؛ فيتذكَّرون أنَّ الله الذي خلقَهم هو أشدّ منهم قوّة ، وبخاصةٍ أولئك المستكبِرون ممّن غرَّتهم قوَّتهم وطال عليهم الأمد ، فيُفيقُ هؤلاء المستكبرون الطغاة ويتذكَّروا أنَّ الله الذي خلقَهم هو أشدّ منهم قوّة: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾! وينتشر مصطلح "العواصف الزلزالية" ، كأحد أكبر أسباب الدمار الواسع ، وتفاقم عدد الضحايا على مدار الساعة. فيما لا يزال عناصر الإنقاذ يحاولون العثور على ناجين عالقين تحت الأنقاض. ولقد فسر أستاذ الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية لموقع "سكاي نيوز عربية" حجم قدرة زلزال تركيا التدميرية بقوله: إن هذا الزلزال هو الأقوى منذ 1975م ، ويُصنف على أنه قوي جداً ؛ فلم تشهد المنطقة زلزالاً بهذه القوة وعلى هذا العمق الذي يتراوح بين 15 إلى 18 كيلومتراً ، ورغم وجود تباين في تحديد العمق إلا أنه بسيط. ولقد ساعدت طبيعة المنطقة على انتشار الموجات ؛ مما أثر بشكل غير معهودٍ على المناطق المتضررة. ومن المعروف أن المنطقة تتعرض لخطر زلزالي كبير ، حيث تبين خرائط الشدة الزلزالية الأوروبية أن الخطر الزلزالي مرتفع جداً. والمنطقة التي تعرضت للزلزال معروفة بـ"فالق شرق الأناضول" ، وهي نشطة زلزالياً منذ القدم. والتاريخ الجيولوجي يقول بأن "الصفيحة العربية" المكوّنة للجزيرة العربية و"الصفيحة الإفريقية" المكوّنة لقارة إفريقيا كانتا جزءاً واحداً ، وعندما حدث صدع على طول البحر الأحمر بدأ يتسع جنوباً ، ممتدا إلى خليج السويس ثم إلى خليج العقبة ، ثم إلى البحر الميت ، وتسببت الحركة التي كانت من من العقبة إلى البحر الميت في أن الصفيحتين صارتا تتحركان بسرعة مختلفة تجاه الشمال. والتصادم الذي تم بين الصفيحتين مع "صفيحة أوراسيا" أو الصفيحة الأوروبية تسبب في انزلاق صفيحة تحت صفيحةٍ أخرى وهو ما يسمى بالتصادم القاري ، الذي كوّن سلاسل الجبال العالية في منطقة جبال زاجروس ومنطقة هضبة شرق تركيا وأيضًا غرب تركيا. والحركة التقاربية بين الألواح أحدثت كسراً على طول فالق تركيا ؛ مما أدى إلى تحرك الجزء التركي إلى ناحية الغرب بسرعة حتى يستوعب الحركة التضاغطية بين الصفيحتين العربية والأوراسية. ومن مثيرات الدمار الكبيرة في الزلزال ما يسمى بـ"العواصف الزلزالية" ويُعرفها عمر الشرقاوي بأنه "في بعض المناطق النشطة يكون هناك زلزال أكثر قوة ، هو "الزلزال الرئيسي" ، تسبقه أحياناً هزات أقل شدة وتسمى بالزلازل الأولية ، وبعدها تأتي الهزات الارتدادية ، ثم يسود هدوء تدريجي ، إلى أن تخرج الطاقة المختزنة في باطن الأرض". وما حدث في زلزال تركيا أن المنطقة تعرضت لمئات التوابع ، أقواها سجل 7.6 ريختر وهي قوية جداً ؛ مما تسبب في دمار كبير جداً. وحصلت الزلازل المتوالية في منتصف تركيا ، وامتدت على طول فالق شرق تركيا ، ثم ناحية الجنوب الغربي على طول الفالق ، الذي يصل إلى 200 كيلومتر ، وكذلك توابع أخرى
© 2024 - موقع الشعر