الكائنات الفضائية - أحمد علي سليمان

هو الزيفُ لا يَخفى على كل عاقلِ
وكم ينطلي طبعاً على كل هازلِ

وكم دمرتْ قوماً ودُوراً خرافة
وكم من إشاعاتٍ مضتْ بقبائل

وكم من هراءٍ روّجَ البُله كُنهه
فصَدّقه الحمقى بكل تحايل

كما حكتُ الجداتُ سَرداً يُخيفنا
عن الغول والعنقاء بين الجداول

وكنا كأطفال نصدّق باطلاً
ومَن ذا يلومُ الطفلَ يُصغي لباطل؟

فإن قالت الجدات: طارت زرافة
لحَطتْ وطارتْ فوق أعلى الخمائل

وإن قلن: شمس الكون شحّتْ بضوئها
لشحّتْ بضوءٍ بات خلفَ عوازل

ونُعذَرُ أنْ كنا نصدِّقُ جُملة
فما بيننا طفلٌ بصحوة عاقل

لقد كانتِ الجداتُ يُثْرين حَسّنا
وما كان يَعنيهن صدقُ المسائل

وأرشدْننا للخير كل لحيظةٍ
فعشنا بحب للورى وتفاؤل

ولكنْ تعلمنا ، وللعِلم دَورُه
ولا بد من قول – لذي العقل - فاصل

فهل كائناتٌ في الفضاء ترُوعُنا
وتُوهمنا بالمُنتهى والدغاول؟

وتُفعمنا رُعباً ، فنكره عيشنا
وتُفجعنا أصواتها بالقلاقل

قالوا: تُذيقُ الغِيدَ كأس عُنوسةٍ
وتغدو النسا في كوننا كالأرامل

فضائية قالوا ، تروحُ وتغتدي
وأخبارُها راجتْ بتزييف جاهل

تطيرُ وتستجلي الفضاء ولا تُرى
وتُعطي لأهل الأرض شر الرسائل

عجبتُ لأهل الزور غالوا بشأنها
وأغلبُ ما قالوه أردى المهازل

فقومٌ يقولون: الفضاءُ مُلغمٌ
ببعض وحوش تحتمي بالصياقل

وقومٌ شَدَوا بالكائنات وبأسها
وقالوا: تُجيدُ السيرَ سيرَ القوافل

وقالوا: ستؤذينا ، وتُودي بعيشنا
ولن يَعدموا في الكيد أعتى الوسائل

وقالوا: ستُزري بالسماوات والفضا
وأجنادُها تغزو الفضا غزوَ الجحافل

وقالوا: ستكوي كل حي بنارها
وعبْرَ الفضا ترمي بأمضى القنابل

وقالوا: ستمتص المياهَ تشفياً
فلا تحتوي ماءً رَطيبُ المناهل

كأني بهم (بالكارِتونِ) قد ابتُلوا
فهل صَدّقوا ما يحتوي من مخايل؟

فهذي رسومٌ للعيون تحركتْ
وليس ورا تحريكها أي طائل

وأفلام (كارتونٍ) تبدتْ زيوفها
ولم تحو إرشاداً لأي فضائل

يقدّمُ أهلُ الهزل أخزى عزيفهم
فهل جوقة تُفضي لعِيرٍ تنابل؟

فتُفتي لأقوام خزعبلة الهوى
وتُزجي لهم من تُرّهات الأباطل

فشتان بين الحق تُشرقُ شمسُه
وباطل قوم ما له مِن دلائل

ألا إن للبرهان في العقل دُربة
بسَوْق البراهين الصحاح الجلائل

فأي دليل أنْ هناك عوالماً
تُهددُ من يحيا هنا بالزلازل؟

وهل كائناتٌ في الفضاء حقيقة؟
وما خلف هذا من جميل الحصائل؟

فذلك عصر التقنيات ألا اعقلوا
وبعدُ ادرسوا ، خلوا جميعَ الشواغل

فهل من دراساتٍ تُفند زعمهم
لها في نفوس الناس أسمى المنازل

ألا قد غدونا في محيط قُرَيّة
ولمّا يعدْ صعباً دقيقُ التواصل

فما للخرافات العِظام تأصلتْ
وغنتْ بها في الدار بعضُ بلابل؟

ألا يا حُماة العِلم أذنَ فجرُكم
أقيموا صلاة الفجر بعد النوافل

وهبوا لنصر الحق هذا جهادكم
فلا يبرحوا الهيجا لحُب التواكُل

ألا بينوا للناس كل حقيقةٍ
سيُطفي البيانُ الحق كل الغلائل

وليستْ تروجُ التُرّهاتُ مع الهُدى
ستُلجمها آي الهدى بالسلاسل

وعارٌ على العِلم انتشارُ خرافةٍ
فتفصيلُ أهل العِلم أسمى البدائل

فقولوا لأهل الأرض: هيا تعلموا
وخلوا عن الألباب دعوى التجاهل

وما قيمة الإنسان يجهلُ دينه؟
ألا إن علم الدين أرجى الفضائل

لقد جعل الرحمن في الأرض (آدماً)
فجاءتْ فئامٌ تنتمي لعوائل

ففيها يعيشُ الكل أطيبَ عيشةٍ
إذا أسلموا حباً بدون تثاقل

وفيها يموت الكل تفنى جُسُومهم
وجيلٌ يلي جيلاً ، فسُقيا لراحل

وتفنى البرايا ، ثم يبقى مليكُهم
فشتان – فاعلمْ – بين باق وزائل

ومِن (آدمٍ) لمّا يكن خلَفاً سوى
أناس ، فها هم بين فرد وعائل

فهل كائنات من سِوى (آدم) أتتْ
نساوين صِدْقٍ زوجَتْ بأفاضل

فتأتي ذراري يعلم الله عدها
تفرعَ منها من جميع الفصائل

أنيبوا لرب الناس يُصلحْ شؤونكم
وينصرْكمُ يوم الجزا والتفاضل

مناسبة القصيدة

الكائنات الفضائية (لقد كثر الجدل واللغط معاً في مسألة الكائنات الفضائية! واحتاج الأمر لعلم يفصل في القضية ، ويضع للغط والجدل حداً فيها! واختلفت الآراء بين مؤيد ومعارض ، وبولغ في الأمر جداً ، واختلط حابله بنابله! ورأيت أن أشارك فيه بقصيدتي هذه لأبين آخر ما توصل إليه الفضائيون والمتعالمون والعلماء وأعرف أن قصيدتي لن تعيد الأمر إلى نصابه ، كما أنها لن تعيد القوس إلى باريها ، وقطعاً لن تغير الكثير! ولكنها على كل حال محاولة في سبيل إظهار الحق ، وخطوة على الطريق ، نقطة ومن أول السطر. إننا خلقنا من الأرض وفيها نعاد إي نموت وندفن ومنها نخرج مرةً أخرى بعد أن ينفخ في الصور في يوم الوعيد: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُون). والله الذي يملك مفاتح الغيب أعلى وأعلم وأجل وأبر وأكرم: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).هـ. ومن هذا المنطلق كانت قصيدتي إسهاماً في عدم الخوض في الخرافات! وإذن فكلما كانت المسائل منضبطة بوحي الله تعالى كتاباً وسنة ، وبالأبحاث العلمية الدقيقة التي يقبلها العقل السليم فلا سبيل إلى رفضها مطلقاً!)
© 2024 - موقع الشعر