الحقيقة و الناكرون - حامد حسن معروف

يَبِسَ النَّشيدُ على شِفاهِ السَّاهِرِ
وخَلا نديُّكَ مِنْ عُلالةِ سامِرِ
 
ظمئَ الصَّباحُ إلى الطَّهارةِ والسَّنا
فحَنا وخيَّمَ في الضَّريحِ الطَّاهرِ
 
مرَّتْ بهُ النَّسَماتُ لاهثةَ الشَّذا
مرَّ المُسامِرِ لا مرورَ العابِرِ
 
قبَّلْتُهُ عَطِرَ الجنابِ مُضرَّجاً
فأكادُ أغرقُ في الضَّريحِ العاطِرِ
 
مرَّغتُ أجفاني على عَتَباتهِ
مُتبرِّكاً ، وقرأْتُ سورةَ (غافرِ)
 
ياصاحبَ القلمِ الَّذي نفَثاتُهُ
أرَجُ الرَّبيعِ وتمْتماتُ السَّاحرِ
 
ختَلتْكَ جامحةٌ حرونٌ نافرٌ
والختْلُ منْ طبعِ الحَرونِ النَّافرِ
 
تيَّاهةُ الخُطواتِ طيِّعةُ السُّرى
لكنَّ في يدِها زمامَ السائرِ
 
هوجاءُ سابحةٌ تجوزُ بكَ المَدى
مهْما نأى قبلَ ارْتِدادِ النَّاظرِ
 
غدَّارةٌ وأنا وأنتَ وكلُّنا
يدري ويُسلمُ نفسَهُ للغادرِ
 
جنَحتْ فندَّتْ في الدُّجنَّة شهْقةٌ
كلْمى ، فأجفلَ كلُّ نجمٍ ساهِرِ
 
مَنْ لي بليِّنةِ العِنان نجيبةٍ
أو سابحٍ سلِسِ الشَّكيمةِ ضامِرِ ؟
 
جاوزْتَ أمْسكَ واسْتبانَ لكَ المُنى
مُستقبلاً فعبرتَ فوقَ الحاضِرِ
 
يا ابْنَ الأُلى سبَقوا الزَّمانَ ومنْ لهمْ
إرثُ السِّيادةِ كابِراً عنْ كابرِ
 
أغْضبتَ منْ لا يشعرونَ وشاقَهمْ
أنْ يغْمزوا منْ كبرياءِ الشَّاعِرِ
 
يتَهافَتونَ على الخسيسِ وبعضُهمْ
ما عفَّ حتَّى عنْ تُراثِ القاصِرِ
 
ساروا وسرتَ وكلُّ موقعِ خطوةٍ
في الدَّرب تُنبئُ باتِّجاهِ السَّائرِ
 
وغدوْتَ مثْلَ أبيكَ في دُنياهُمُ
قبسَ الهدايةِ في متاهِ الحائرِ
 
ورأيتَ كيفَ ( السامريُّ )أضلَّهمْ
وسمعتَ بعضَ خوارِ (عجْلِ السَّامري )
 
وكفى بهِ ذُلَّاً غداةَ زرعتَ في
عينيهِ بسمةَ مُستهينٍ ساخرِ
 
فتخاذلوا خجَلاً وفي نظراتِهم
ندَمٌ وفي القسَماتِ ذِلَّةُ صاغِرِ
 
فعفوتَ عنهمْ قادراً ، وجزاءُ منْ
يتطاولونَ عليكَ عفْوُ القادرِ
 
ما نالَ منْ شرَفِ الحقيقةِ ناكِرٌ
أو زادَ في الشَّرَفِ اعْتِرافُ النَّاكرِ
 
أنا منْ علِمتَ ولمْ يزلْ نزقُ الصِّبا
في أصغريَّ وعنفوانُ الثَّائرِ
 
مزَّقتُ أقنعةَ النِّفاقِ وعاذري
أنِّي أضيقُ بها ، وأنَّك عاذري
 
كمْ جاهِلٍ مُتخبِّطٍ في دينِهِ
مُتمرِّغٍ فيما يُريبُ مُكابرِ
 
يروي عنِ (الحسَنِ بْنِ بنتِ مُحمَّدٍ)
سنَدَ الحديثِ عنِ الإمامِ العاشِرِ
 
عهِدَ الحقيقةَ كالصَّباحِ فرمَّدتْ
عيناهُ في وهَجِ الصَّباحِ السَّافِرِ
 
جعَلوهُ بينَ الأوَّلينَ وحقُّهُ
في الآخرينَ وبعْدَ بعدَ الآخِرِ
 
ويُحرِّضونُ فيستثارُ غباوةً
كالدُّفِّ صوَّتَ تحتَ كفِّ النَّاقرِ
 
قالوا : تنمَّرَ قلتُ: ظلَّ نعامةً
ربْداءَ تجفلُ منْ صفيرِ الصَّافرِ!!!
 
لا تعجبنَّ إذا تفاصحَ (باقلٌ)
منهمْ وأطرى أريحيَّةَ (مادرِ)
 
لا تعتبنَّ إذا قسوتُ فعاذري
أنِّي أضيقُ بهمْ ، وأنَّك عاذري
 
يا أمَّةً تئِدُ النُّبوغَ وتحتسي
خمرَ الحياةِ وتزدري بالعاصرِ
 
لي منْ تُراثِ (أبي العريضِ) أبوَّةٌ
مُمْتدَّةٌ في (أحمدٍ ) منْ (جابرِ )
 
أخَذوا الهُدى مُتواتراً عنْ (جعفرٍ )
عنْ (باقرٍ )(عنْ جَدِّ جدِّ الباقرِ )
 
وعرفْتُ أسرارَ الهوى وحفظْتُها
وأنمْتُهنَّ على نديِّ سرائري
 
لكنْ ... ثأرتُ منَ النِّفاقِ وأهلِهِ
لمَّا حكمتُ على الضَّميرِ التَّاجرِ
 
هذا رثاؤُكَ منْ وجيبِ أضالعي
وحنينِ عاطفتي وذوبِ مشاعري
 
لمْلمتُهُ منْ كلِّ آهٍ خافتٍ
وغمسْتهُ في كلِّ جُرحٍ هادِرِ
 
وأَفرُّ من بلَجِ الصَّباحِ إلى الدُّجى
وإلى الرُّقادِ لعلَّ طيفَكَ زائري
 
أسْهرتُ أجفاني لِينزلَ مُقلتي
وجلوْتُ وجداني ليَعبرَ خاطري
 
خبَّأْتهُ في ناظري فخافقي
غيرانَ ... حتَّى منْ هناءةِ ناظري
 
عُذراً إليكَ فلا زهورُ حديقتي
تُرضي عُلاكَ ... ولا غلالُ بيادري
 
أنا لستُ بينَ المُلهمينَ ولمْ أكنْ
بالشَّاعرِ الغاوي ولا بالنَّاثرِ
 
أنا ما اسْتوى عندي البيانُ ولمْ أجِدْ
في الشِّعرِ إلّا في القليلِ النَّادرِ
 
يا شاعِراً وسِعَ الحياةَ خيالُهُ
حسبي وحسْبُ الشِّعرِ أنَّك شاعِري
 
جاوزْتَ أمْسكَ ثُمَّ شاقَكَ أنَ ترى
نُعْمى غَدٍ فعبرتَ فوقَ الحاضِرِ
© 2024 - موقع الشعر