الخلود

لـ حامد حسن معروف، ، في روايات وقصص، 2

الخلود - حامد حسن معروف

أطبق الصمَّتُ شفاهَ البلد
واستلان النومُ جفني ، ويدي
 
لم يكن كوخي ، ولَا مُتكَّئي
وافرَ الدفءِ ، ولا متّسدي!
 
شهَق الرِّيحُ على نافذتي
وتعالى صوتُ نقر البرَدَ
 
أنا في ليل شتاءٍ عاصفٍ
مُبرقٍ ، سكب الغوادي ، مُرعد
 
من ضجيج الريح لي أغنيةٌ
وأجيج الموقِد المتّقدِ
 
******
 
عن يميني ظلُّ انسانٍ ، له
حدبةُ القوس ، وسقمُ المرودِ
 
خافتُ الهمس ، ضريرٌ ، أهتمٌ
واعشٌ ، كالسّعف المرتعدِ
 
مُطمئن القلب ، واطمئنانهُ
من صفاءِ النفس ، والمعتقدِ
 
لم يلّطخْ قلبَه حقدٌ ، وما
أسعدَ القلبَ الذي لم يحقُدِ
 
وأمامي ، وعلى مرمى يدي
يلعب الطفلان : أندى ، ونَدي
 
حشدَا جيش الدُّمى ، واشتبكا
في سباقٍ ، وصراعٍ ، ودَدِ
 
مَرِضا حيناً ، وجنّبناهما
كل داءٍ ، غير داءِ الحسَد !!
 
كلما مسَّ يديْها ، أو رمى
دميتيَهْا ، صرخت : لا تعتدِ
 
مرَّغا الجدران فحماً ، اهرقا
كلَّ مافي القِدر ، فوق المقعدِ
 
أشتهي أن يحردا كيما أرى
ما أراه في دلال الحرد
 
أوَ ليسا قِطعاً من أعظمي ؟
من شعوري ؟ من دمي ؟ من كبدي ؟
 
 
*********
 
أنا وابني ، وأبي في غرفة
جمعت يومي . وأمسي ، وغدي
 
لستُ ظلاً زائلاً ، ترسمه
في جدار البيت نارُ الموقد
 
لا . . ولا خفقةَ ريحٍ ، عبرت
وانطوت بين الغصون المُيّد
 
أنا كلُّ الأمس . . لكن في أبي
وأنا كل غدٍ ، في ولدي
 
ان أمت أحيَ جديداً فيهما
لست أحيا هارباً من جسدي
 
لن تعيدَ الحقلَ غضاً ، ناضراً
حبةُ القمح ، إذا لم تحصدِ
 
 
رحلتي ، من أول الدنيا ، وما
برحت تمتدُّ عبرَ الابد
 
خالد في الدهر ، أمضي مكرهاً
من غد الامس . إلى أمس الغدِ
 
أشرق الفجر على نافذتي
وتلاشى صوتُ نقرِ البَردِ
© 2024 - موقع الشعر