حمين يا لدة الخلود - حامد حسن معروف

أَحنُو عَلى جَنَباتِ قبْرِكَ خاشِعا
لِأبثَّهُ هَذا الحَنينَ اللَّائِعا

عِشْنا مَعاً مُتوحِّدَيْنِ سريرةً
وعقيدةً، مُتشابهَيْنِ نوازِعا

قَسَماً بعاطِرِ ذكْرياتِ عُهودِنا
وكَفى بهِ قسَماً غموساً قاطِعا

ما انْفكَّ طيفُكَ ماثِلاً في خاطري
يعتادُني مُستيقظاً، أو هاجِعا

وإذا انْقَضى زمنُ الأزاهرِ وانْطوى
فنميمُ عاطرِهنَّ يبقى ذائِعا

خُذْ يا "عليُّ" قصيدةً أودعتُها
صَبَواتِ روحي، والبيانَ الرائِعا

ورثيتُ قبلكَ منْ جُدودِكَ ستَّةً
وأتيتَ في العدَدِ الكريمِ السَّابِعا(١)

لولا سبيلُهمُ الذي تابعتُهُ
وأمانُ سالكهِ لكنتُ الضَّائِعا

لمْ أعدُ حوضَهمُ الرَّويَّ ولمْ أحِدْ
عنهُ ، ولمْ أردِ السَّرابَ الخادِعا

وغداً إذا جئتُ الإلهَ ولمْ أجِدْ
عُذراً أتيتُ بكمْ وسيطاً شافِعا

"حِمِّين" يا لِدةَ الخلودِ وكيفَ لا
يجْثو الزَّمانُ لكبريائِكَ خاضِعا؟

فالدَّهْرُ في جبروتِهِ وعتوِّهِ
لو تنظرينَ إليهِ أذعنَ طائِعا

لمْ تُطلعي مُنذُ ابْتناكِ اللهُ في
دُنيا الورى إلّا الشِّهابَ السَّاطِعا

بلَدُ النُّجومِ مَطالعاً ومواقِعاً
واللهُ أقسمَ بالنُّجومِ مَواقِعا !!

إنْ تلْتمسْ أدباً وجدتَ مُؤدِّباً
أو شارعاً تجدِ الفقيهَ الشَّارِعا

واللهُ يشهدُ أنَّ بينَ جدودِنا
نسباً -ولو كرِهَ المُفرِّقُ- جامِعا

لمْ يعصِكَ التَّاريخُ لو ساءلْتَهُ
عنهُ، وأعطاكَ الدَّليلَ القاطِعا

هذا ضريحُ أبيكَ ما عبرَ امْرؤٌ
عتَباتِهِ العطراتِ إلَّا راكِعا!!

حرَمٌ تحجُّ لهُ الوفودُ، فقادمٌ
في الدَّربِ يسألُ عنْ أبيكَ الرَّاجِعا

حليتْ أشعاري بعاطرِ ذكرهِ
وجلوتُهنَّ على الزَّمانِ بدائِعا

وإذا امْتدحتُ الشَّمسَ في ألقِ الضُّحى
مهما غلوتُ فما عدوتُ الواقِعا

غرسَ المروءةَ فيكَ يومَ أتيتَهُ
طفلاً، وأرضعكَ الرُّجولةَ يافِعا

في كُلِّ حينٍ يطلعُ التَّاريخُ منْ
أكنافِ بيتكمُ صباحاً طالِعا

والحقْلُ إنْ أعطاكَ بعضَ غِلالهِ
ما فضْلُهُ إنْ كُنتَ أنتَ الزَّارِعا؟

العابرونَ معَ الحياةِ إلى السَّنا
والمُنقذونَ مِنَ المخافِ الجازِعا

دلَّتْ صنائعُهمْ على أمجادِهمْ
لولا الصَّنيعةُ ما عرفتَ الصَّانِعا

ولقد عهدتُكَ في السِّياسةِ زاهداً
وبكلِّ ما يفِرُ الكرامةَ طامِعا

للهِ أنتَ!! غداةَ حاولَ بعضُهمْ
أنْ يستثيرَ على أخيكَ الشَّارِعا

جحَدَ الشَّهادةَ في القضيَّةِ بعدَما
كانَ البصيرَ بها، وكانَ السَّامِعا

ما أشرقتْ شمسٌ، وأغربَ نيِّرٌ
إلّا وكانَ معَ الضَّلالةِ ضالِعا

كُنْ كيفَ شئتَ فلا عتابٌ نافعاً
في حالتَيكَ، ولا ضميرٌ وازِعا

والزَّاهدونَ وزُهدُهمْ أضحوكةٌ
لمَّا تجسَّدَ في السُّلوكِ مطالِعا

عَقدوا معَ الشيطانِ صفقةَ خاسِرٍ
لمْ يحمَدِ الشَّاري عليها البائِعا

تتبرقَعُ الشَّوهاءُ تسترُ قُبحَها
وأرى الكواكبَ ما اتَّخذْنَ براقِعا

فمتى أرى يوماً "لزيدٍ" رادعاً
عنْ غيِّهِ ؟؟ وأرى "لعمرٍو" رادِعا؟

هذي الجبالُ المُستحمَّةُ بالسَّنا
والطِّيبِ والذِّكرى قُرىً ومَزارِعا

كانتْ مهادَ جدودِنا، وغدتْ لنا
بعدَ الجدودِ مرابعاً ومراتِعا

نسبوا "الغلوَّ" لها، وتلكَ حكايةٌ
مكذوبةٌ غدَتِ اتِّهاماً شائِعا

لمْ تُنكرِ الصَّحبَ الكرامَ، وإنَّما
بالفضلِ ميَّزتِ "الإمامَ الرابِعا"

لمْ تعرفِ الحقدَ الدَّفينَ ولمْ تُقِمْ
في دهرِها دونَ المحبَّةِ مانِعا

مرضتْ، وأنكَرتِ الأُساةُ علاجَها
فسعتْ لتلتمسَ الدَّواءَ النَّاجِعا

لمْ تُنجبِ الأكواخُ إلا هازئاً
بالدَّهرِ يحتملُ الخَصاصةَ قانِعا

بطَلاً يُدافعُ عنْ قضيَّتهِ ومِنْ
شرفِ الرُّجولةِ أنْ تموتَ مُدافِعا

"أسَداً" إذا غاضبْتَهُ .. لكنَّهُ
إنْ يطمئنّ إليكَ أقبلَ وادِعا

يصِلُ الصَّباحَ معَ العشيَّةِ جاهداً
ليعيلَ جائعةً تُهدهِدُ جائِعا

صلَّى .. ولكنْ للمحبَّةِ قائلاً :
صارَ الضميرُ كنيستي والجامِعا

نزلَ الرَّبيعُ بنا وديعاً هانئاً
مَرِحاً، وغادَرنا ... ولكنْ فاجِعا!!

رحَلَ الرَّبيعُ وكنتَ في أكمامِهِ
عطراً يظلُّ -وإنْ ترحَّلَ- ضائِعا

تبعتْكَ يومَ رحلتَ كلُّ وُردودِهِ
بُوركتَ متبوعاً، وبُوركَ تابِعا

عرِيتْ منَ العبقَ التِّلالُ، ولمْ تعُدْ
في الرَّوضِ ساجعةٌ تُغازلُ ساجِعا

تلكَ الضَّواحكُ منْ عشيَّاتِ المُنى
كيفَ اسْتحلْنَ مدامعاً ومواجِعا؟

أودعتُهنَّ -وللنَّعيمِ ذِمامُهُ-
كيفَ اسْتَهانَ بصونِهنَّ ودائِعا

أنا في نديِّك يا "عليُّ" وكيفَ لا
يقِفُ الزَّمانُ بهِ ذليلاً ضارِعا؟؟

خُذْهُ رثاءً منْ وجيبِ أضالعي
وعواطفي، ونزيفِ قلبي نابِعا

في جانحيَّ مِنَ الحنينَ إليكَ ما
ملأتْ لواعجُهُ الفضاءَ الواسِعا

أم&5& "بالأسدِ" المظفَّرِ قائداً
في كلّ متجه السَّفينةِ بارعا

قهر الخضمّ المدُلهم عواصفاً
هُوجاً، و صحراءَ الحياةِ زوابعا

(١) هم الأعلام السادة : أبو حسن دیب ، وعبد الكريم محمد وعبد الكريم عمران ، وسلمان أحمد الخطيب ، ومحمد محمود قرفول ، وعبد الكريم علي حسن
© 2024 - موقع الشعر