بيتٌ تُدلُّ به و تختال العُلى - حامد حسن معروف

سلسلتُ من وهَجِ الحنينِ قصائدي
في أربعينك يا ابنَ أكرمِ والدِ
 
غمَّستُ باللّهب المُذيبِ حروفَها
فإذا انتُقدنَ حَرقنَ كفَّ النَّاقدِ
 
ما كنتُ أجزعُ أن يواكبني الضنی
لو أنَّ طيفَ "أبي عليٍّ" عائدي
 
أغليتُ طيفاً منكَ واعدَ مُقلتي
فأنا أعيشُ على النَّعيمِ الواعدِ
 
طيفٌ يزورُ مع الرُّقادِ وطالما
زرعَ الهناءةَ في جفونِ الرَّاقدِ
 
يرتادُ أوهامي فأفرشُ مهجتي
لأضمَّه فيها ، وأبسُطَ ساعدي
 
یا واقدَ اللَّهفِ المقدَّسِ في دمي
سلمتْ يداكَ ، وبوركتْ من واقدِ
 
اللَّيلُ ليلُ بني أبيكَ موزَّعٌ
ما بين ساهدةِ الجفونِ وساهدِ
 
طاشتْ حلومُهمُ بيومك فاستوى
لغوُ الوليدِ به، وعقلُ الرَّاشدِ
 
عبر الحياة مُبرَّأً ، وكأنَّهُ
طيفُ الهدايةِ في ضميرِ الجاحدِ
 
وتبرَّجتْ دنيا الرِّغابِ فلم تجدْ
في قلبهِ إلّا عفافَ الزَّاهدِ
 
وتوزّعتْ غُررُ الخصال على الورى
كلِّ الورى، وتجمَّعتْ في واحدِ
 
وإذا تناهد سيِّدانِ، وأجلبا
الخير، كان وظلَّ أوَّلَ ناهدِ
 
أمّا السِّياسةُ، والسِّياسةُ موردٌ
کدِرٌ، تغصُّ به لهاةُ الواردِ
 
نزلتْ بهِ ، فرمی بها، وكأنَّها
شبح البغيِّ يزورُ بيتَ العابدِ
 
يا رافد الظَّمأى، وكلَّ مُرَّزأٍ
يمتاحُ من دفقاتِ هذا الرَّافدِ
 
درَج العُلى في بيت جدِّكَ ناشئاً
وأصار بيتَ أبيكَ كعبةَ قاصدِ
 
سجدوا على عتباتهِ أو ما ترى
بلجَ الصَّباحِ على جبينِ السَّاجدِ ؟
 
صعدوا مطلَّةَ كلِّ مجدٍ غابرٍ
وغدوا منارةَ كلِّ جيلٍ صاعدِ
 
بيتٌ تُدلُّ به وتختالُ العُلى
ما بين طارفِ مجدهِ و التَّالدِ
 
بيتٌ يغارُ الدَّهرُ إن ذُكِرَ اسمُه
أتكونُ غيرةُ خالدٍ من خالدِ ؟؟
 
وَسِعَ الحياةَ حنانُ قلبكَ رحمةً
أتضيقُ رحمتُه بهذا الحاسدِ ؟؟
 
يا ابن الألى سبقوا الزَّمانَ كأنَّهمْ
ركبوا له متنَ الخيالِ الشَّاردِ !!
 
ألدينُ بعدكَ كادَ يصبحُ سُلعةً
شوهاءَ بين مزاودٍ ومزاودِ ؟
 
والشَّعبُ كادَ يضيعُ بینَ مذاهبٍ
ومذاهبٍ ، وعقائدٍ وعقائدِ !!
 
یا للخطوبِ !! وكم تقاعسَ رادَةٌ
عن خوضِهنَّ ؟ وكنتَ أوَّلَ رائدِ ؟
 
عاتبتَ (بعضهم) فأبرقَ راعداً
فسخرتَ من هذا البريقِ الرَّاعدِ
 
ولو استقامَ على الطَّريقِ سقيته
غدقاً ، وعبَّ من السُّلافِ الباردِ
 
يُفضي إذا حدَّثتهُ و كأنَّ في
عينيهِ من خجلٍ حياءَ النَّاهدِ
 
قِطَعٌ من الكبدِ الذَّبيحِ قصائدي
في أربعينك يا ابنَ أكرمِ والدِ
 
عبرَ الشَّبابُ فلا غويُّ ملاعبي
خضلُ الرِّحابِ ، ولا نديُّ معاهدي
 
أنهبتُ كرمي للجياع وخمرتي
وغلالَ كلِّ بيادري ومواردي
 
وغدوتُ سنبلةً يداعبُ جفنَها
في كلِّ ثانيةٍ خيالُ الحاصدِ
 
وحَّدتُ بین هواكمُ ومشاعري
وسمِّو مجدِكمُ ، وئبلِ مقاصدي
 
حبٌّ توارثَهُ بنيَّ ولم أزلْ
حيّاً، وكنتُ ورثتُه عن والدي
 
قالوا : تحطَّم في الذِّيادِ حسامُهُ
ماضرّ!! إن سلمتْ يمينُ الذَّائدِ ؟
 
ومنَ الحماقةِ أن يُدينك حاكمٌ
يقضي، ويمضي في غيابِ الشَّاهدِ !
 
يُرضيكَ منظرُه .. ولكن عقلُهُ
أثرٌ من الزَّمنِ العقيمِ البائدِ
 
والحبُّ إن ولجَ القلوبَ فإنَّه
لا يستطيعُ ولوجَ قلبِ الحاقدِ
 
كونوا كما ترضونَ..لكنْ حاذروا
أنْ تغمزوا من كبرياءِ الماردِ !
 
وطني أمجِّدُ كبرياءَكَ غاضباً
وشموخَ هذا العنفوانِ الصَّامدِ
 
هذا دمي ، وغدي ، وما ملكتْ يدي
وقْفٌ لجيشِ بني أبي ، والقائدِ
 
وفدَ الرَّبيعُ بكلِّ لاهثةِ الشَّذى
هل طافَ ذكرُكَ في الرَّبيع الوافدِ؟؟
 
أنا في الطَّريقِ إليكَ يُرشدني السَّنا
ويضجُّ في كبدي حنينُ الواجدِ
 
أحنو على الجَدثِ الذي عبرتْ بهِ
شمسُ الضحی ظمأى فقلت لها: رِدِي
 
أنا في نديِّكَ والمواكبُ خُشَّعٌ
لجلالِ هذا المهرجانِ الحاشدِ
 
حملوا ثناءَهُمُ إليكَ ... فخطبةٌ
من شاکرٍ ... وقصيدةٌ من .. "حامدِ"
© 2024 - موقع الشعر