لا تجزعنَّ من العقوق - حامد حسن معروف

سیّانِ بعد العبقريِّ الملهَمِ
إن تُنجدي يا لوعتي أو تُتهمي
 
قبَّلتُ جرحكَ هادراً، ومسحتُه
فإذا الصَّباحُ على يدي، وعلى فمي
 
أطأ الثرى حذرَ الخُطا، وكأنَّني
أمشي إليكَ على حُطامِ الأنجمِ
 
خَتَلتْك طيعةُ القيادِ، لجيمةٌ
ماذا يُراد لها إذا لم تُلجمِ (١)؟؟
 
رعناءُ، حكَمها القضاءُ بنا، ولم
تعدِلْ . وأين عدالةُ المتحكِّمِ؟؟
 
یا موسم النكبات إنّ بني أبي
كانوا - وما برحوا - قطافَ الموسمِ
 
والمبدعون كما ترون وشأنُهمْ
نسرٌ يحلِّقُ، أو شهابٌ يرتمي
 
لك يا "رفيقُ" أمام عيني صورةٌ
مرسومةٌ، وخبيئةٌ لم تُرسمِ!
 
قدم اللِّاتُ ومن تأخَّرَ منهمُ
آتٍ ليزحمَ موكبَ المتقدِّمِ
 
و إخالُ أنَّكَ بيننا متوهِّماً
فأضيعُ بین حقیقتي وتوهُّمي!
 
وعلى جبينك شُعلتانِ من السَّنا
وعلى قميصك قطرتانِ من الدَّمِ!!
 
أكبرتُ يومك مأتماً، وكأنَّما
من كبريائكَ كبرياءُ المأتمِ
 
خجلَ البيانُ، وضاقَ عنكَ و أسكتتْ
شعري، قصيدةُ صمتكَ المتكلِّمِ
 
لا تجزعنَ من العقوق فطالما
جحد اللئيمُ يدَ الكريمِ المنعِمِ!!
 
ولطالما احتمل الظُّلامةَ شاعرٌ
منَّا، ولم يبسطْ يدَ المتظلِّمِ؟
 
يتفَّجرون أذىً فشولةُ عقربٍ
في كلِّ جارحةٍ، وفحّةُ أرقمِ
 
فسدَ الهواءُ بهم، فصار، جهنَّماً
وإذا جرى فلُهاثُ ألفِ جهنَّمِ
 
إن جادلوك وأخطأوا، فعقابُهم
صبرُ الحليم، وبسمةُ المتهكِّمِ
 
وعلمت كيف مضوا وجرحُك هادرٌ
لم يسكتوهُ، وليتني لمْ أعلمِ
 
لكنَّهم .. وغداة باكرك الرّدى
ندموا . ولكن ... لاتَ - ساعةَ مندمِ
 
هل تذكرنَّ غداةَ جاءكَ شاعرٌ
من يعربٍ، لكنْ بشعرٍ أعجمي؟
 
ضاحكتُه، ومضيتَ تغمزُ قائلاً:
عذراً، وعذري أنَّني لم أفهمِ
 
أرضى به ، لكن ...... جديداً واضحاً
وأشيحُ عن هذا الجديدِ، المبهمِ
 
نُتَفٌ خلون من الحياة كما خلتْ
من نعميات العيش كفُّ المعدمِ
 
هذا الهجينُ - على الهجانةِ - صار منْ
عدم السوابقِ في السَّريجِ الملجَمِ
 
صلّى الإلهُ عليكَ يومَ عزفتَ
عن ذاتِ السِّوارِ، وكلِّ كشْحٍ أهضمِ
 
أنكرتَهن على الشَّبابِ، وعندما
نزل المشيبُ على الونی لم تندمِ
 
لم يُغْوِكَ الوجهُ الصَّباحُ، وما دَجا
من ليل عينيها، وفجرِ المبسَمِ
 
نمَّ العبيرُ عن العبيرِ إذا مشتْ
تيهاً، وعربد دملجٌ في المِعصَمِ
 
إن قلت: إنّ "عُريبَ" في نزواتها
أنثى، فكيفَ نسيتَ عِفَّةَ "مريمِ؟
 
حررت منهنَّ الهوى .. واقتادَني
قلبي إليهنَّ اقتيادَ المرغَمِ
 
إنّي لأبحثُ تحتَ أطباقِ الثرى
و أمدُّ حتَّى للكواكبِ سُلَّمي
 
أسعى، وأسعى باحثاً عن نظرةٍ
من کاعبٍ، أو بسمةٍ من أيِّمِ
 
"لولا الحياءُ، وأنَّ رأسي قد عثا
فيه المشيبُ لزرتُ أمَّ الهيثمِ"
 
لولا قداسةُ "زمزمٍ" ما ملتُ عن
ماء "العذيبِ" إلى ملوحةِ "زمزمِ"
 
علَّمتني معنى الحياةِ، وليتني
في البُعدِ عنهنَّ اتبعتُ مُعلِّمي!
 
أنفقتَ زهو العمرِ تحلمُ شاعراً
ما أضيق الدنيا إذا لم تحلمِ؟؟
 
أنفقتَ عمركَ طامعاً في كلِّ ما
يُرضي الضَّميرُ، وزاهداً في مغنمِ
 
ستظلُّ في وترِ البيانِ قصيدةٌ
وعلى شفاهِ الفجرِ رشَّةَ عندمِ
 
وإذا الشِّتاءُ أتى أحالك نغمةً
في الجدول المترنِّحِ المترنّمِ
 
حتَّى إذا وفد الربيعُ، و برعمتْ
أورادُه كنت الشَّذى في البُرعمِ
 
وترفُّ في الصَّيفِ الوهيج غمامةً
يصبو إلى قطراتها الكبدُ الظمي
 
قل للضُّحى: إن شئتِ لملَمَةَ السَّنا
فتوسَّدي جَدثَ الرفيقِ، ولملمي
 
لكَ صورتان : فصورةٌ في ناظري
مرسومةٌ، وخبيئةٌ لم تُرسمِ
 
وعلى جبينك شُعلتان من السَّنا
وعلى قميصك نقطتان من الدَّمِ
 
الدريكيش في 14 / ۱۰ / ١٩٨٥
 
(١) توفي بحادث سيارة مؤلم .
© 2024 - موقع الشعر