نعمة الأب - أحمد علي سليمان

حَبلُ الأبوة بالتكريم متصلُ
وقطعُه يجعل الإنسان يُبتذلُ

تشقى البُنوة إن فاتت أبوتها
وباللقيطِ هل الحياة تحتفل؟

يحيا اللقيط ذليلاً رغم عِزته
ولا يكون له - بين الوَرى - ثِقل

ويزدريه - من الأنام - أراذلهم
لأن ميزانهم يشوبه الخلل

ولا يُشَفع - في الأمور - يطرقها
ففي شفاعته يعشعش الفشل

ولا يُزوّج من أصيلةٍ شمختْ
بأصلها ، حيث بالكرام تتصل

ولا يُقَر على حق يدين به
إذ إنه - عند جُل الناس - مختبل

ولا يطاع له أمرٌ رآه هُدىً
لأنه - عندهم - فردٌ به خطل

ولا يُؤمّر في أهل ، ولا سفر
وليس يُسند - في يوم - له عمل

ولا يُخوّل سلطاناً يسود به
والدار سجنٌ ، وكل الأرض معتقل

والعيش ذلٌ ، فلا عزٌ ولا شرفٌ
وإن يكن أسَداً ، فإنه حَمَل

ويأكل الناس رغم الأنف سُمعته
وسيء الصيت لا يسمو – به - رجل

ويستبد به تشويهُ مَن طعنوا
فيستكين لمن – بشأنه - هزلوا

ويسرق الناسُ آمالاً تداعبه
إذ إنه هدفٌ يؤذيه من سَفلوا

يدين بالفضل للصِّيد الألي عطفوا
على رضيع - بدمع الخِزي - يكتحل

والبر يجتر ما حَوَت لفافته
خلف الجدار - لديه - الدودُ والجُعَل

يلوكُ - من قسوة الحياة - أشرسها
من بعد ما ضاقت الحُلول ، والوُسُل

يبكي ، وتخنقه أناتُ وحدته
وجُرحُه ليس – بالنحيب - يندمل

يرثي الأبوة قد ماتت طهارتها
وفوق خديه دمعُ العين ينهطل

ويشتكي - لمليك الناس - كُربته
إذ البريءُ - على القدير - يتكل

ويستكين لحال بائس لجب
قد خطه اثنان - في عقليهما - خَبَل

والغيبُ محتفظ بما سيلحقه
من البلاء ، إلى أن يَكمُل الأجل

والعائداتُ على الجبين قد سطرتْ
قسراً معالمها ، فهل سيحتمل؟

وقلبه - في مَريع الوجد - محترقٌ
وعزمُه - في جوى الضياع - منجدل

وتستبد به - في المهد - أسئلة
ولن يُجيب - على إلحاحها - الجدل

ماذا تخبئ لي الأيام من محن؟
وهل لمثلي - على البلا - حِيَل؟

وكيف أقوى على إيقاف ألسنةٍ
أمست - بعِرضي وما ألقاه - تشتغل؟

تُمسي حِداداً على حال بُليتُ به
وليس يصرفها زجرٌ ، ولا وَجَل

ماذا أقول إذا ما قيل أين أبٌ؟
وأين قومٌ له همومَه حملوا؟

وأين عمٌ له يُجل نسبته؟
فبالقرابة بعضُ الضنك يرتحل؟

هذا الرضيعُ بعار الذنب متسخٌ
والعار باق ، وإن تقلُو الفتى العِلل

يدين - بالشكر - مجبوراً لمنقذه
من الهلاك ، فيا بُشرى الألي كفلوا

ويذكر الفضل قد جاد الكِرام به
والمحسنون - لهم على الورى - نبُل

والعُرف يبقى وإنْ أهلُ السخا ذهبوا
ولا يمارسه الأخياسُ والسفل

ونعمة الأب جاهٌ عز جانبه
وبالأب الفذ - دوماً - يُضرب المثل

وبالأب الشهم تُبني كل مَكرُمةٍ
في نفس كل فتىً ، وبعدُ يَعتدل

وعنه يدفع أعداءً به ظفروا
وعطفه - في دنا أهل الشقا - ظلل

يشقى ليُسعده ، ولا يُعنفه
ودَوْره - بسنا الأخلاق - يَكتمل

به يُفاخر مَن أولادُهم همجٌ
لأن آباءهم - في دَورهم - فشلوا

إن الأبوة نبراسٌ له ألق
ومن مناقبها الأخلاقُ والمُثل

شتان بين زنيم لا أصول له
وبين ذي نسَب - بالصِّيد - يتصل

لذا أوَصّي الذي يعُقّ والده
أن يستقيم ، فأيامُ الفتى دول

كما يَدين يُدان ، فلا يُغر بما
أملاه رب الورى ، سينتهي المَهل

وسوف يُقتص منه ، اليوم قبل غدٍ
لأن كل أب - لله - يبتهل

لو كان لي - بين آلاف الرجال - أبٌ
ما كان لي - عن سنا تكريمه - حِوَل

ولاحترمتُ نعالاً كان يلبسها
لكي أوقره ما عاش ينتعل

ولانبريتُ - له - في كل نائبةٍ
أعينه ، إنما جميله جَلل

ولاحتفيتُ به مُقبلّاً يده
ولا توفي جميل الوالد القُبَل

كم آيةٍ في كتاب الله تكبرُه
وكم أبانت حقوق الوالد الرسل

وليس يُعصى أبٌ في الأمر يأمره
والأمر إما عصى فليس يُمتثل

وكم فتىً خصه – بالفضل - والده
فلم يَشُبْ سعيَه هزلٌ ، ولا زلل

إذ الأبوة تكليفٌ وتربية
وعِبئها - في الورى - كأنه الجبل

يا رب أكرمْ أباً أعطى بلا مَلل
واهد الذي عاقه - عن بذله - المَلل

© 2024 - موقع الشعر