ماذا دهاك يا ست النساء؟ (بنت طولون) - أحمد علي سليمان

فاجأتنا بالكرب ستُ النساءِ
فانطلقنا نزجي دموعَ الرثاءِ

وتساءلنا عن مليكة عز
ما دهاها في الكربة الكأداء؟

وتراشقنا بلا سِهام جدالاً
وانتهى الحالُ بالجوى والبكاء

وتحدّثنا عن شؤون الغواني
والتصابي والزهو والخيلاء

وتندّرنا عن أمور الصبايا
والتياع العُشاق والغرماء

وتسامرنا عن خداع الأماني
وتداعي الأوهام في الابتلاء

وتدبّرنا اللهو يَحْطم مُلكاً
ويُناوي ترنيمة الكبرياء

وتأملنا في صنيع الزرايا
كيف يُطفي نصاعة الآلاء؟

وتفكّرنا في أمور البرايا
بين عِز مُطغ وبين شقاء

في بحار الأموال يسبحُ قومٌ
ثم قومٌ في الضنك والبلواء

في الغنى والترفيه يرتعُ ناسٌ
ولناس مَرثيّة الفقراء

في قصور النعيم تحيا فئامٌ
وفئامٌ قد جندلتْ في الخباء

بالثراء الفيّاض يلهو فريقٌ
وفريقٌ في وَهدة الحَوجاء

وبأقوات الشعب يلعب خلقٌ
والجماهير في أتون الغلاء

والحقوقُ مِن غاصبيها استجارتْ
مَن يرد الحقوق للدهماء؟

والخطايا زادت عن الحدّ قطعاً
وكأنا في عالم الغوغاء

والبلايا طمّت ، وفاقت مداها
والرزايا تَطال كل الغثاء

والدياجي عمّت جميعَ البوادي
هل تطيب الحياة في الظلماء؟

ثم زارت (ستَّ النساء) المنايا
واحتوتْها بريحها الهوجاء

سربلتها بالبؤس يكوي ويُشقي
ويُزيل طعمَ الغِنى والهناء

والجوى في الفؤاد يحرق عزاً
ثم يَنعي للست ذكرى البهاء

والكروبُ تلقي الضياع رداءً
بعد ماذا؟ قد عزَّ لبسُ الرداء

والأسى في الإحساس يَحفر قبراً
وسعيرُ الآلام في الأحشاء

كيف بنتُ الأمير تسأل قوتاً؟
هل تساوت (ست النسا) بالإماء؟

ولماذا ضنكٌ يؤز ويخزي؟
لمَ ولتْ عنها رياحُ الثراء؟

كيف أمسى العِز المنيفُ خيالاً
ورموزاً مِن ترّهات الفناء؟

أين ولى عن أعين الناس قصرٌ
مُفعمٌ بالأمجاد والبأواء؟

عشتِ فيه (ستَ النسا) في سمُوٍ
واستميتِ كالغادة الحوراء

كل شيء رهن الإشارة حتى
حُزت طوعاً نفائسَ الأشياء

والوصيفات كالحظايا اختياراً
تحت أمر الرئبالة الأمراء

والدمى والألعاب في كل ركن
كبناتٍ في القصر أو أبناء

وفنون الطاهين من كل أكل
ما لها إن عُدّتْ من استقراء

والثيابُ من سُندس ، واللآلي
رصّعَتها بنورها الوضاء

والعطورُ مِن كل صنفٍ وذوق
وشذاها يختالُ في الأنحاء

والبخورُ فيه الأريجُ تهادى
عاطراً كالسحابة الوطفاء

ومئاتُ الأضياف في البهو شعب
كم حَلا بالأضياف عذبُ لقاء

وفئامُ الزوّار تعمُر قصْراً
مُشرقاً بالزينات والأضواء

والغطاريفُ مِن جميع النواحي
عدّهم يستعصي على الإحصاء

والمغاويرُ في عظيم احتفال
والتحايا رطيبة الأصداء

والصناديدُ في بهيّ اجتماع
حفلة طابت بعد أشهى عشاء

والبهاليلُ أقبلوا في جلال
من قبيل الأجداد والآباء

وحريمُ القصر المنيف نجومٌ
ناشراتٌ في القصر أصفى الضياء

بينهن (ست النساء) خَرودٌ
تحتفي بالأشعار كالخنساء

غادة ماءُ الحسن روَّى صِباها
عندما قد لاذت بالاستسقاء

فأطل الحُسن القريرُ عليها
ثم ألقى عذوبة العذراء

فاستحالت كالبدر بين الصبايا
هل تبارَى حلاوة الحسناء؟

والغنى قد أضفى عليها بهاءً
وحَباها بُحبوحة النعماء

فاستعزتْ بالمال ، والمالُ يُطغي
واستكانتْ للطيش والأهواء

عقدت - بين الدُميتين - قِراناً
وإذا بالأعراس والضوضاء

وإذا بالإنفاق دون احتساب
مثل إنفاق الطغمة السفهاء

وإذا بالآلاف تزهق جهراً
يا ترى هل جاءت من الدأماء؟

أوَليست من قوت شعب فقير؟
كم يُعاني من عيشة الأشقياء

أوَليست أموالَ قوم ضعافٍ؟
آهِ مما ألمّ بالضعفاء

أوَليست أرزاقَ هذي الرعايا
من طوتهم دغاول الأعباء؟

أوَليست أملاكَ أهل ودار؟
ثم باتت حِكراً على النبلاء

أوَليست أجسامَ ناس تلاشتْ
حيث أودى بالناس سفكُ الدماء؟

هكذا الدنيا: أمّة في حضيض
ولآل السلطان كل الرخاء

ثم صالت رحى الزمان ، وجالت
ثم خصّتْ بالفقر ست النساء

كي تذوق ما أشربته سواها
من رهيب الأوجاع والبأساء

كي ترى ما قد حل بالناس ظلماً
من عتيّ الآلام والضراء

تسأل الناسَ ملءَ بطنٍ طعاماً
وحدها في شوارع الزوراء

إنما سؤلُ الناس قهرٌ وذلٌ
ثم مَن ذا يمُدّ كفّ العطاء

ويُواسي بالمال ربّة عز
ويجيب مَن أجهشت بالبكاء

ويجود بالمال ، يرحم أنثى؟
فاز مَن يرثي لحال النساء

مَن يجُدْ بالأموال يَسعدْ ويَفرحْ
والعطاءُ مِن شِيمة الكرماء

ودوامُ الأحوال شيءٌ محالٌ
كم ببطن التاريخ من أنباء

ولأهل الإسراف يومٌ مُريعٌ
عندما تمضي فترة الإملاء

ربِّ سَلمْ من هول أخذ المنايا
ربِّ وارحم أهل الشقا والبلاء

قد رفعتُ بالشعر أصفى دُعائي
فتقبلني يا مجيب الدعاء

© 2024 - موقع الشعر