رسالة إلى أحمدَ بن حنبل! (مساجلة عشماوية) - أحمد علي سليمان

الحمد لله مَن عليه أتكلُ
حمداً كثيراً على الشكران يشتملُ

وأستعينُ برب الناس مُهتدياً
وأطلبُ الصفح والغفران ، لي أمل

وأستعيذ بربي دائماً أبداً
مِن الشياطين إنْ حلا ليَ الزلل

ومِن مساءات نفس إذ تُساورني
ومِن مساءات ما يَخزى به العمل

فمَن هداهُ مليكُ الناس ذاك هُدِي
ومَن أضل فقد أودى به الضلل

وبعدُ أهدي سلامي للإمام بلا
مقدّماتٍ بها يُصِيبنا الملل

إمامَنا اخترت للسوآى مواجهة
مهما طغا مفسدو الديار أو فعلوا

لم تخش بأس دعاة السوء أجمعهم
وكنت ناظرتهم ، لذلك اشتعلوا

وكنت صلداً حيالَ الفتنة اندلعتْ
ولم تُخِفك جنود الفتنة الجُهُل

دعوت لله في سِر وفي علن
دعاية سَمتُها راقٍ ومعتدل

وعن رسول الهُدى بلغت سُنته
مُحققاً دارساً ، ما كنت ترتجل

وكل مبتدع ألقمته حجراً
حتى رأيت الغثا عن غيّهم نكلوا

حتى ابتُليت بلاءً لا مثيلَ له
وبابن حنبلَ في ذا يُضربُ المثل

أوذيت في الله ، والرحمنُ مُطلعٌ
ضربٌ وسَحْلٌ وتعذيبٌ ومُعتقل

وعُزلة وامتحاناتٌ ممنهجة
وسفسطاتٌ بها الأغلاط والغِيَل

ووحشة شابَها الإيقاعُ تنسجُه
أيدي الأشاعرة الأوغاد إذ هزلوا

خلائف العصر جدّوا في مناظرةٍ
بين الإمام علا ، وبين من نزلوا

المغرضون همُ ، فالجهل طابعهم
وأنت يا سيدي في الفتنة الرجل

وأنت أفحمتهم بما جهرت به
مِن البراهين ما في أمّها خلل

لكنهم مكروا لدى الألى حكموا
حتى استمى كيدُهم ، وقِيلَ ما العمل؟

والواثقُ اختار سَجناً دون مَرحمةٍ
وأنت في لجّة البأساء مُحتمل

واشتاط غيظاً بما أحدثت مُعتصمٌ
وأنت - في الأسر - للرحمن تبتهل

واقتِيدَ (أحمدُ) للمأمون ، موكبُه
يبكي عليه بدمع بات ينهطل

فمدّ كفاً إلى الرحمن ضارعة
أصابها من دموع المقلة البلل

يدعو المليك إله الناس في ثقةٍ
يقول: عن ذكر ربي لستُ أنشغل

يا رب وَجْهَ (أمير القوم) لا تُرني
فمات (مأمونُهم) ، وحُقق الأمل

واستقبلتْ (أحمداً) بغدادُ يعمُرُها
بالحق من بعد أن تشرذم الجُعَل

وجاد ربك بالمتوكل انفتحتْ
به المغاليقُ ، وانجابت به العِلل

وأخرجَ الليث من سجن أريد به
أن ينشرَ الدينَ مَن بدينهم أكلوا

وعشت سبعاً تُري أعداء شرعتنا
ممن على البدَع الشنعاء قد جُبِلوا

بأسَ الحنيفة إن صالت أوابدُها
الصادقون إذا قالوا وإن فعلوا

والدينُ عاد إلى الأمصار يُتحفها
وأغلقتْ في وجوه الباطل السُبُل

وقِيلَ يا أحمد اعزلْ مَن تشاءُ بلا
أدنى مراجعةٍ ، كفى الذي عملوا

ومن تُثبتْه يبقى في وظيفته
وكل عبدٍ قلا التوحيدَ ينعزل

فما ثأرت لنفس رغم نكبتها
وما رئيت على الضلال تنفعل

أعطيتهم فرصة للتوب سانحة
متابُهم مُربحٌ لدينهم جَلل

وبعد سبعة أعوام سعدت بها
أسلمت روحَك لمّا جاءها الأجل

وبعدك انتكستْ أحوالُ أمتنا
وأصبحتْ بدعُ الغالين تشتعل

وودعتْ أمة غابتْ مَهابتُها
حتى تحلّ محلَ الأمّة الدول

بعد ابن حنبلَ مَن يُعيدُ هيبتها؟
ومن يُفيقُ الألى عن حقهم غفلوا؟

يا أحمد الخير أمّنْ إن دعوتُ بأن
يعود مجدٌ عليه السترُ ينسدل

عليك رحمة رب الناس ما طلعتْ
شمسٌ ، ومرّ سحابٌ في السما هطل

© 2024 - موقع الشعر