قلمٌ يدافع عن نفسه! (معارضة لقميحة) - أحمد علي سليمان

يا جابرَ الخير ، إن الشعر يضطرمُ
وفي السعير خطا بعيرُه السنِمُ

يستنهض الناسَ مَن باعوا ضمائرهم
وينشر النورَ حتى يَذهب الغسم

ويُوقف النزفَ في جرح يُعرقلنا
حتى يحلّ محلّ الحُمرة الكتم

ويجبر الكسرَ في صف الألى سقطوا
وبعدُ يُسعدُ مَن مِن كسرهم وجموا

ويُنقذ الجيل مِن كيدٍ أحاط به
ورائدُ الشعر – بعد الشاعر - القلم

فكم كتبتُ الذي ترجون مُحتملاً
لظى المشاعر ، حتى هدّني الألم

وكم تألمتُ فيما صِيغ من صور
وكم كواني الأسى والحزنُ والسأم

وكم سطرتُ طيوفَ الشعر باسمة
وظلها – من جوى – ترنيمتي وجم

وكم نقشتُ على القِرطاس أغنيتي
مِدادها الشوقُ والأنغامُ والحِكُم

وكم رسمتُ لمَا عانيتمُ صوراً
يَحَار في وصفها ذو الهمّة الفهم

إني لأعتب: ما ذنبي؟ وما خطئي؟
وقد ينازعُني – في نبرتي - اللسم

ولي لسانٌ بيانُ الحق غايته
ولم يُغالبْ فمي سُقمٌ ولا ضجَم

يا (جابرَ) النور ، كم جادت قريحتكم
من عاطر الشعر ما عنه العُتاة عمُوا

برئتَ مني لماذا – اليوم – يا رجُلاً؟
إني – على العهد – أهمِي ثم أضطرم

إني الرماحُ لمن يرجو مواجهة
وبي تقامُ العُرَى والدورُ والقِيَم

وبي يُرَد العِدا في كل ملحمةٍ
وبي يُراقُ – من المستكبرين - دم

وبي تعز ديارُ السِلم شامخة
وبي تُنوّرها الأقمارُ والنجُم

وبي يَعمّ التقى أرضاً تتوق له
وبي يُسَطر شِعرٌ جدّ فيه فم

مِن سَالف الدهر كان الشعرُ راحلتي
وبالقريض حلا الترجيعُ والنغم

وكم سطرتُ طيوفاً أنت تعلمها
وكم بما صغته تمنطق الرنم

برئتَ مني لماذا؟ إنني دمِعٌ
أبكي العِتاب ، وقد غاصت بيَ النقم

عيني تئن لمَا أبصرتُ من كُرَب
ولا يُفيد - على مجدٍ مضى - الندم

أذوب حزناً على ما نال أمتكم
من بعدِ أن ذهبتْ – بالعِزة - الأزم

وتستبد بيَ الآهاتُ جامحة
ورونقي العذبُ قد أودتْ به الغمم

وباعث الوجد يكوي عِز تجربتي
فلا تقومُ بها الغاياتُ والدِعَم

وأعجبُ اليوم من أوضاع أمتكم
تلك التي سخرتْ – من حالها - الأمم

كيف استكانت لمَا خط اليهودُ لها؟
وكيف جانبها شرعُ الهُدى اللقم؟

وكيف ذلت ، وفل الذل عزمتها؟
وكيف غرّد – في أمصارها – العدم؟

وكيف زالت – من الآفاق – هيبتها؟
وكيف قد أصبحت لاءاتِها نعم؟

وكيف شق العِدا أجداث سادتها
ولم يُراعَ لها بأسٌ ولا حُرُم؟

وكيف عربد فيها كلُ مبتدعٌ
أمسى من الصِيد أهلِ الحق ينتقم؟

وكيف باتت – لأهل السوء - منتجعاً
يلهو الغفاة بها ، والعِيرُ ، والنهُم؟

أما الطغاة فقد شجوا نضارتها
واستعمرتْ أمتي المسكينة الظلم

ماذا تعيد لها يراعة غلبتْ
وأزهق العيشَ في أحشائها الضرم؟

وهل تعيد لها الأشعارُ عِزتها؟
إني لألمحُ نار الشعر تحتدم

فهل ستحرقُ طاغوتاً يُعَبّدها
لشرعه ، فله – في أهلها – نظم؟

وهل ستقرأ تاريخاً لها عبقاً؟
وهل ستقرأ في أشعار من نظموا؟

يا (جابرَ) النصر ، يا نبراسَ صحوتنا
ذرّ القريض سعيراً فوق من ظلموا

ورجّع الشعر فواحاً ، وروّ به
قلوبَ مَن لهُدى إسلامنا احتكموا

وداوِ بالشعر أمراضاً تُمزقنا
وإنْ قلاك لمَا تُزجيه مَن سقِموا

وأسعدِ الخاطر المحزون ، مُدّ لهُ
يَدَ السرور – على الآلام - تلتئم

وضمّدِ الجرحَ لا تعبأ بمن صمتوا
فاز التقيُ ، وخاب المُفلسُ الوجم

هذي القصائدُ – في الأهوال - أغنية
والشوقُ - من بينهنّ - القاصلُ العرم

أنت الجديرُ بما نرجوه مِن أمل
من بعد أن خرّب الأشعارَ من هُزموا

ما زلت تقمع بالأشعار مَن خنعوا
للظالمين ، وفي وهْج الوطيس حموا

مازلت ترجمُ بالأشعار مَن فسقوا
مَن خطبُ فِتنتهم – في دارنا - عَمَم

مِن الذين ضُحىً باعوا ضمائرهم
ثم استراحوا ، ومِن بُيوعهم غنِموا

من الذين – بهذا الشعر – كم مدحوا؟
ومن جميع كرام الناس كم نقموا

كم طوّعوا الشعر كي يُرضوا ضراغمهم
مِن الذين - بغير الوحي - قد حكموا

كم شوّهوا في الورى فحوى تذوقهم
وكم على الشعر في ديوانه هجموا

توهّموا أنما أشعارُهم دُرَرٌ
فبئس ما كتبوا وبئس ما وهموا

صاغوا القصائدَ في تأليه طاغيةٍ
وللقصائد – في التطويع - مُعتلم

والأمسياتُ – على الأشهاد - مُعلنة
كأن أصحابها – في رهزهم - غنم

تسابق الكل - بالأشعار - باهتة
عِمادُها الجهلُ والتضليلُ والغشم

لم يعرفِ الحقَ مَن قالوا ومَن سمعوا
لأن جمعهمُ لمَن طغى خدم

فالحق أكرمُ من غِر يُدنسه
والحق أشرفُ ما تسعى له قدم

يختالُ - في عالم الأحياء - مؤتلقاً
كأنه الوابلُ المستشرفُ الرذم

والحق أسمى من البهتان منزلة
والحق عِقدٌ بقول الصدق ينتظم

وللحقيقة - بين الناس - حمحمة
بالرغم يسمعُها مَن داؤه الصمم

وللحقيقة ألفاظ يجود بها
حتى الذي داؤهُ – بين الورى - البكم

هذي الحقيقة ما جاء الكتابُ به
وسُنة شمختْ ، كأنها العَلم

واضيعة الشعر ، قد سارت جنازته
وفوقه دَفتِ الجُعلانُ والحلم

يا (جابرَ) الشعر أولى أن تبرئني
وأن تعاقبَ مَن يطغى ، ويجترم

لو كنتُ أملك أن أجتث باطلهم
لكنتُ أهدرتُ ما خطوا ، وما نظمُوا

لكنني قلمٌ في كف مُجترئ
ما حِيلتي عندما تُستأجَر الذمم؟

ما حيلتي عندما يبيع ملته
مَن غرّه في الورى الدهقانُ والصنم؟

ما حيلتي عندما يغتالُ همّته
عبدٌ بضاعته الأرجاسُ والرمم؟

ما حيلتي عندما الأيدي توجهني
فأكتب الكفر شعراً ليس ينبهم؟

ما حِيلتي عندما يخون مُرتزقٌ
عهدي ، فيطعنني التسفيهُ والوَغم؟

ما حيلتي عندما يحتال منتفعٌ
فيكسب القوتَ سُحتاً ، ثم يلتهم؟

ما حيلتي عندما يقتاتُ منحرفٌ
بي ، ثم بالقصص الرعناء يأتدم؟

كم ضلل الناسُ بي في الكون أدمغة
وكم أبيدتْ - بما قد أحدثوا - هِمَم

لكنْ عليهم إذنْ أوزارُ ما كتبوا
ولا تراهم بما جَنَوْهُ قد ندموا

لأنهم حُمُرٌ تسعى لمأكلها
تُعينها في جنى أعلافها النعم

مهلاً (قميحة) ، إن الشعر مركبُنا
في غمرة التيه ، إن طفتْ بنا القحَم

وأنت - في غرة الأجيال - فارسه
تذود عنه ، وبالرحمن تعتصم

وتُلقِمُ البُلهَ أحجاراً تُجمّعها
كيلا نرى الناسَ – للطاغوت - تحتكم

إما تكنْ حيلة ف (الجبرُ) يُقنعهم
وإن تعامَوْا هناك الشعر والأكَم

يا (جابر) البر لا تبرأ ، فداك دمي
متى تشككتِ الرئبالة القِمم؟

إن كنتَ في مصر فلتسعدْ حواضرُها
أو كنتَ في مكةٍ ، حدا بك الحَرَم

ودونك الشعر ، فاكتبْ وارو مُشترعاً
بشرعة الحق ، نعم المنهجُ التمم

فاشحذ يراعك ، وافضحْ هجمة بزغتْ
يقودُها العِيرُ والفرعونُ والعِمم

تمكّنوا من عقول الناس ، واختلقوا
لهم سبيلاً عليه الكلُ يختصم

فبيّنِ الحق ، وارجمْ زيفَ من سَفلوا
فإنهم - في عيون الناس - قد عظموا

همُ الأراذل ، لا تقوى ولا رَشَدٌ
همُ الأشحّة ، لا جودٌ ولا كرم

همُ الجهالة في أسمى معالمها
وليس - في جيلهم - سِيما ولا شِيَم

همُ الأصاغرُ ، وجه الأرض يَحقرهم
ولا ترى أشِراً بالحق يلتزم

وأنت يا (جابرَ) التوحيد قدوتنا
ونحن خلفك بالأشعار نقتحم

نخوض معمعة الأشعار ، نوقدُها
ألا ترى الشعرَ – فوق البذل - يبتسم

وكل شعر إذا لم تروهِ مُهَجٌ
مِن اليقين رأيتَ الشعرَ ينهزم

لا يكتبُ الشعرَ إلا مَن يئنّ له
ومَن تُعذبُه القصائدُ العُصُم

ومن يُشخصُ ما يلقاه مِن مِحن
ومِن نعيم ، فإن العيش ذا قِسَم

شتان بين قريض صَاغه ألمٌ
والشعر يُكتبُ لم يبعثْ به الألم

© 2024 - موقع الشعر