فأين التكلف إذن؟ - أحمد علي سليمان

لفظتُ الوشاة ، ولم أنتظرْ
لعل كبيرَهُمُ يعتبرْ

وغربلتُ ما جاءني من فِرىً
لكي أتجاوز حدّ الخطر

وراجعتُ نفسي ، وأنبتها
وأرجعتُ فيما لديّ البصر

فعاد إلى العين مستحسراً
ولمّا يكنْ قبلُ بالمنحسر

وقلت: الحليلة في مأزق
وفي الأمر سوف أعيدُ النظر

فخابت ظنوني وما قلته
وكان صحيحاً أليمُ الخبر

وضاع الذي كنت أرجوه من
زواج تجرّعتُ فيه الكدر

وخانت عهودي التي ما ارعوتْ
لما أرتجييه ، ولم تعتذر

وكنتُ أعدّدُ أخلاقها
وفي الناس كنتُ بها أفتخر

ودافعتُ عنها ، ولم أكترث
بما يفتري الحاقدون الغجَر

وجمّلتُ - بالعلم - أقوالها
لكي تستقيم ، فلا تنحدر

وأصّلتُ - بالفقه - إسلامها
وأتحفتُها بصحيح السير

ونضّرتُ إيمانها بالهُدى
أخاف على زوجتي من سقر

فلمّا خلتْ بالذي تشتهي
ونالت - من الزوج - كل الوطر

رمته بأبشع ما تدّعي
من الزيف ، يا للخِداع الأشر

وراحتْ تزيد الجحيمَ لظىً
وليس - من النار تلك - مفر

تحِيكُ التآمرَ ، لا تستحي
فمؤتمرٌ بعدهُ مؤتمر

وتجعلُ - مِن أهلها - قِبلة
وخلفَ الستار جموعٌ أخر

وتضرب في التيه ، بئس العمى
وليست - على كيدها - تقتصر

وفي كل حين لها فتنة
وحشدٌ على زوجها يأتمر

وتزجي الأباطيلَ في عالم
أباطيله - في الورى - تستعر

ويُسعفها الختلُ حتى ترى
دغاولَ هذا النفاق القذر

مع الأهل في خندق واحدٍ
تخونُ ، وربي على من غدر

وترمي السهام على بعلها
لكي يلحق الشهمَ أعتى الضرر

فماذا دهاها؟ وماذا بها؟
أراها - إلى رشدها - تفتقر

لماذا تصِرّ على كيدها
وقد أخذ الكيدُ شتى الصور

لماذا تحاربُ مَن خصّها
بكل الخيور ، ولم يدّخر؟

وعانى ليغمرها بالهنا
وقاسى ليدفع عنها الضجر

وكابد في العيش ، لم يستكنْ
وجابَهَ بالعدل جَوْر البَشر

ومازال ينسجُ آمالهُ
لكي يتحقق ما ينتظر

ومازال يدفع عن نفسهِ
ولا بد للحق أن ينتصر

أما قلتِ يوماً: سنحيا معاً
وكلُ القيود بنا تنكسر؟

أما قلتِ: نعملُ وفق الهُدى
وإن الرقيب هو المقتدر؟

أما قلتِ: أعمل ما ترتجي
إذا أمكنتني القوى والقدر؟

أما قلتِ: نبني الحياة معاً
ونصنعُ مَجداً بنا يزدهر؟

أما قلتِ: نجني الثمار معاً
ليبزغ فجرُ الرخاء الأغر؟

أما قلت: نقمع أعداءنا
ونلقمُ حيفَ العدو الحجر؟

أما قلت: مِن غيرنا نستقي
رصيد التجارب ، بل والعبر؟

أما قلتِ: أسرتنا أولاً
ومن بعدُ ننظر ما في الأسر؟

أما قلتِ: نغزلُ مستقبلاً
نقيّ المبادئ كي نستقر؟

أما قلتِ: نأخذ مِن أمسنا
دروسَ الحياة لكي نستمر؟

فماذا تغيّر في أمرنا؟
لماذا تمكّنَ منك البطر؟

لماذا أراكِ هجرتِ الهُدى
ودمعُك - في الكرب - لم ينهمر؟

لماذا تلومين أقدارنا؟
وما ذنب أمر القضا والقدر؟

لماذا اتهمتِ البريء الذي
إليكِ يزف الهنا والبُشُر؟

لماذا تبرأتِ مِن عَيشنا؟
فهل طال – بالراحلين - السفر؟

لماذا تدُكَين ما شاده
من الذكريات كمثل الدُرر؟

لماذا التندرُ عن شَيبهِ؟
وهل يومَ عُرسِك حل الكِبَر؟

لماذا انقلبتِ عليه ضحىً؟
فوالله - خلفَ انقلابك - سر

لماذا تنازلت عن حبه
وقد كان - منكِ إليك - يفر؟

لماذا تلوكين عرض الفتى؟
لقد أوشك الحبُ أن ينتحر

لماذا تهبين مثل اللظى؟
وعُقبى هبوبك والله شر

فهل - بالطلاق - يعودُ الهنا
ويبزغ - في الظلمات - القمر؟

ويرتاح قلبك من همّه
ويهطلُ - فوق القفار - المطر؟

ويهنأ قومُك في عيشهم
ويذهبُ – عنك - الجدال العكر؟

ويسعدُ أطفالنا ، يا ترى
وترحلُ - عنك - صنوف الغِيَر؟

ويهدا ضميرُك مِن ثورةٍ
ويمضي التوجّس بعد الحذر؟

أنا قد نصحتكِ ، فاسترشدي
يكنْ لك - في نصحنا - معتبر

سأبقيكِ ، لكنْ لأولادنا
وإني - على ودهم - أقتصر

وأهجر أهلك مستبصراً
فلستُ أرى الخير في ذي الزمَر

وأدحر ظلماً إليه سعَوْا
وأدعو المليكَ على من فجر

وأرضى بما تأمرين به
وأرضى بما قد قضاه عمر

أخاف سؤالَ الإلهِ غداً
وأخشى من الفذ بعض الدِّرر

أحاول أن أستسيغ الذي
يُخالفُ كل الرؤى والفِطر

وأنصحُ غيري لكيلا أرى
وليداً يُعاني انحطاط البشر

فوالدُه قد رمى أمّهُ
بما قدّمتْ من فرىً كالإبر

وتلك تزوّجها غيره
فعانى المضيَّعُ منذ الصغر

حنانيكِ يا زوجتي ، أبصري
فكم من بصير عديم البصر

ورقّي ، وصوني لِوا حُبنا
لكيلا نري للجفا من أثر

ألا واحذري فتنة بيننا
فمبدأ نار الفراق الشرر

نصحتكِ ، واللهِ لم أستطلْ
عليكِ بنصحي ، ولن أعتذر

تأمّلت عمري ، وساءلته
ألم تنتصفْ بعدُ يا ذا العُمُر؟

ألا فاتقي الله ، لا تطلبي
طلاقكِ ، هيّا أعيدي النظر

© 2024 - موقع الشعر