عربون الرحيل! (عبد الله محيي الدين) - أحمد علي سليمان

لحظة التوديع هذي مُرّة
ورحيلُ الخل مثل الجمرة

تارة يهذي الفؤاد ، وأخرى
تطرح الحزنَ عليه الفكرة

طالما أبكيتموني صحبي
واحتواني الكربُ بعد العثرة

دامع العينين ، قلبي ثاوٍ
واعتلاني الوجدُ هذي المرة

وفؤادي في دموعي جاثٍ
فإذا جفتْ أعاد الكَرّة

كم على الآهات ماتت شكوى
وعلى الضيم استكانت زمرة

كم على الأنات قلبٌ يحيا
شجبتْ عينَ الفؤاد العَبرة

يا طيوف الشعر عزي الذكرى
واسكبي الوجد على ذي الفترة

يا رموز الطيف خبي الفحوى
واحفري في جوف قلبي الحفرة

وادفني الإحساس فيها ، وابكي
أهدر الحزنُ دمي ، والنبرة

مرتِ الأنسام دوني حيرى
ثم قال القلب: فيم الحيرة؟

قلتُ: هذي من فراق ماضٍ
فاعل بالنفس فعل الخمرة

هيّجَ الآه التي في نفسي
ثم زادت في فؤادي الثورة

ثائرٌ ، والروح باتت لهفي
والورى - بالله - مثلُ الصخرة

أرقب الفجر المعنّى دوماً
لا أبالى من هجير الكُدرة

ساهرٌ ، والليل أضحى خِلي
والورى - في الهزل - عاشوا السهرة

ضمّنا في الجد ماض ساج
في معين الفكر كانت نظرة

نقرأ الحق ، ونزْكِي المَثوى
ونزيد النفس منه العِبرة

نسكب الأنوار ، نسمو شوقاً
ولنا في كل وادٍ غيْرة

نحن بالعلم ارتفعنا حقاً
ولنا من كل فقهٍ فقرة

قدِّم الخبز لنا لم نقبلْ
لم نذقْ بالدين حتى القشرة

جنّب الله الفؤاد العدوى
إنما الإسلام نعم الطهرة

يا صحابي أمِّروا أزكاكم
ثم أعطيناك هذي الإمرة

ثم بتنا في امتحان قاس
فإذا بالبحر أمسى قطرة

وإذا بالناس باتوا صرعى
وإذا الطوفان يمحو الخضرة

ضُربوا في مقتل أصحابي؟
أم أرادوا العيش مثل الزهرة؟

وإذ الأفكار أضحت ناراً
وإذا التوحيد أمسى عورة

وإذ الخوف احتواهم ، فعلاً
وإذا بالصقر أضحى هِرة

وإذا هم - في الدياجي - هلكى
ينشدون العز في ذي السكرة

آهٍ من قوم أتوْني موتى
وإذا في كل رأس نعرة

ثم أحيا الله قوماً قتلى
وغدت للقوم - حيناً - شهرة

وإذا الفكرة ضوءٌ يسري
وإذا في كل وجهٍ نضرة

وإذا التوحيد فيهم يحيا
وإذا الدنيا ، كمثل البعرة

ثم بالتمحيص باتوا غرقى
في بحار التيه ، بئس الطفرة

وإذا الكل سرابٌ سار
بُذرتْ - في الصف - أشقى بذرة

ألغيري الحب نهر يجري؟
وله الدنيا؟ وما لي شعرة؟

وله الأوقات ، تمضي نشوى
وعلى رأسي تؤز الدِرة؟

أعلى الأعداء أمٌ لهفي؟
وعلى مثلي تدور الدورة؟

آهِ من كيلين ، كيل يطغي
ثم كيلٌ مستريبُ المِرّة

لم تكن بالحق - يوماً - تلهو
يا صديقي ، كُف هذي التجرة

وفق اللهم عبداً يسعى
وامنح القلب الأسيف القدرة

لا تشتت شمل عبدٍ يمضي
في البرايا يمنة ، أو يسرة

واجبر اللهم كسراً أودى
بأريج الصف ، بل والسُّرة

واغفر اللهم ذنباً يغشى
واعتق اللهم روحاً حُرة

من حضيض الأرض حَرّرْ نفساً
ومن الدنيا ، فبئس الضرة

ثم وفقْ صاحبي ، والأخرى
ثم أولاداً كمثل الغرة

وبظهر الغيب دوماً أدعو
وفّقْ اللهم هذي الأسرة

يا (ابن محيي الدين) سافر شهماً
والمَضا يحدوك في ذي الهجرة

فارحم اللهم عبداً يرجو
مِن إله الكون - دوماً - نصرة

© 2024 - موقع الشعر