محي الدّين عبد الحميد! - أحمد علي سليمان

(كَفرَ الحَمام) حُبيتِ أشرفَ سُؤدَدِ
وبلغتِ مَجداً نورُهُ كالفرقدِ

ورُزقتِ مِن خير الإله وجُوده
بأثيل فخر طيّبٍ ومُخَلد

لا شيئَ مثلُ العِلم يَرفعُ دُورَنا
بالعِلم نرشُدُ في الحياة ، ونهتدي

والشيخُ (مُحيي الدين) زانَ ديارَه
وأقامَ صرحَ حضارةِ لم تُعهد

بارَى وجادلَ ، لم يكنْ مستسلماً
حتى غدا في العِلم خيرَ مُجَدد

وله فتاوى أثبتتْ بأدلةٍ
نورُ السبيل لصالح مُتعبد

وله دُروسٌ في الشريعة جَمّة
تهدي الأنامَ إلى السبيل الأقصد

كم ناظرَ المُستشرقينَ مُفنّداً
آراءَ قوم – في الجهالة – عُنّد

كم حققَ الكتبَ القديمة باذلاً
جهدَ الحريص المُخبت المتفرد

كم سَهّلَ النحوَ العسيرَ لدارس
حتى غدا عذباً جميلَ المَورد

وتناولَ الصرفَ المُعقدَ نصّهُ
فإذا به في السِفر غيرُ معقد

والأجرومية كم أزالَ غموضَها
فإذا بشرح المَتن كالغصْن الندي

ومئات أسفار العظيم ثلاثة
خطتْ جميعاً باليراع وباليد

حَوتِ العلومَ أصولها وفروعَها
وأبانَ في الأسفار سُنة أحمد

وهناك في (السودان) أشرقَ نجمُهُ
فالجيلُ بالعَلم المُبَجّل يقتدي

هو طوّرَ التعليمَ تطويراً سما
بمناهج جادتْ بأعلم رُوّد

وله بأزهرنا (الفتاوى) نقحَتْ
وغدَتْ كتاباً بالغِلاف العسجدي

وله بفقه (الشافعية) نفحة
أكرمْ بشارح مَتنها ومُقعّد

و(رسالة التوحيد) أفضلُ إرثه
نِعمَ التراثُ يُفيدُ كل موحّد

رحمَ المليكُ الشيخَ أوسَعَ رحمةٍ
وحَماهُ مِن مُتحذلق أو مُلحِد

مناسبة القصيدة

(إنه لشرفٌ كبير لي أن أكتب عن أحد عمالقة تحقيق كتب اللغة العربية ، الشّيخ محمّد محي الدّين عبد الحميد رحمه الله ، وهو صفحة حافلة من تاريخ نشر التراث العربي ، قدّم وحده للمكتبة العربية ما لم تقدمه هيئة علمية مدعومة بالمال والرجال. وقد تعرض هذا العالم الجليل في حياته وبعد مماته لسيلٍ طاغٍ من التنقص والحيف. وهذه ترجمة يسيرة له – رحمه الله تعالى -! ولد سنة 1318هـ = 1900م ، بقرية كفر الحمام ، بمحافظة الشرقية ، وتلقى تعليمه بمدينة دمياط ، ثم التحق بالقسم العالي بالأزهر الشريف ، وحصل على شهادة العالمية النظامية سنة 1925م ، ودرّس بالقسم الثانوي بالأزهر ، ودرّس بالسودان أيضاً ، ثم كان أستاذاً بكلية اللغة العربيّة ، فعميداً لها ، وفي أثناء عِمادته لكليّة اللغة العربيّة ، سنّ سنّةً حسنة حيث زوّد طلاب الكلية بطائفة من أمهات كتب التراث ، تكون ملكاً خاصاً لهم ، منها: الكامل للمبرد ، وأمالي أبي علي القالي ، ومجمع الأمثال للميداني ، والكشاف للزمخشري ، وانتخب عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1964م. توفي رحمة الله عليه سنة 1393هـ = 1973م ، وكان آية في الذكاء والفطنة ، وحسن السمت ، والغيرة على الأزهر ، وتاريخه ورجاله.)
© 2024 - موقع الشعر