صرخة في ضمير الأمة! (معارضة للنحوي) - أحمد علي سليمان

يا أمة الحق ، إن الحق يستعرُ
والجيلُ يدهمُه التدميرُ والخطرُ

حتى متى – في اللظى – نجترّ حسرتنا
حزناً ، ويقمعنا – في المحنة – الكدر؟

حتى متى لججُ البأساء تسحقنا
ويستبيح دمانا الجوقة الفجُر؟

حتى متى ألمٌ يُودي بفرحتنا؟
حتى متى الدمعُ في الأحداق منهمر؟

حتى متى تأكلُ الزلات عزمتنا
ويستبد - بنا - الإفلاسُ والخوَر؟

حتى متى تذهب الطاقاتُ ثاوية
في الوهم ، والأملُ المنشود يندثر؟

حتى متى يُطفئ الأعداءُ جذوتنا
والجيلُ – من خمرة الأعداء – مغتمر؟

حتى متى يقتل الباغون عزتنا
ويُصبح الأمر ما أعداؤنا أمروا؟

حتى متى أرضنا تغتال مُعلنة
فينا الضياعَ ، وفيها الكفرُ يتجر؟

حتى متى الدار في أوحال خيبتها
تهذي ويصدح - في أصقاعها - الغجر؟

حتى متى يئد العادون هِمتنا
وجُرحُنا من أسى تخميشهم بثر؟

حتى متى نشرب المأساة في شرهٍ
وبعدُ - بالخِزي والتغرير - نفتخر؟

حتى متى نقتدي بالكفر في عمهٍ
وفي دروب الخنا يحلو لنا السفر؟

حتى متى نجعل الضلاّل أسوتنا
وفي زرائبهم يحلو لنا السمر؟

حتى متى خفرُ الطاغين ترقبُنا؟
ومن عيونهمُ تقطرَ الشرر

حتى متى القيدُ ، والأغلالُ جاثمة؟
وكم أذل الورى الطاغوتُ والخفر

حتى متى الدمعُ في الأكباد مُحتبسٌ؟
متى يجف؟ متى تعنو له البُشُر؟

حتى متى النوحُ يفري بأسَنا بطراً؟
هذا النشيجُ متى يُزوى ، وينجذر؟

حتى متى الآهة الثكلى تُجَرّعنا
كأسَ الهوان؟ وهل في ذاك مزدجر؟

حتى متى لوعة الأشجان تقهرُنا؟
هذا النحيبُ متى يُطوى ، ويندثر؟

حتى متى البؤسُ يسري في ترائبنا؟
وفي الترائب ماءُ العيش ينصهر

حتى متى الموتُ يسعى خلفنا قدُماً
كيلا يكون - لنا في دارنا - أثر؟

حتى متى زمَرُ الباغين تحكُمنا
كأننا – عند هذي الطغمة – الحُمُر؟

حتى متى الضيمُ يستشري ، فيخنقنا
ونحن - في قضمِه بين الورى - صُبُر؟

يا أمّة الحق ، بات الحق منجذلاً
وإن قلبي لمَا عانيتِ ينفطر

آسى على الدار باتت في انتكاستها
وقومُنا - في عيون المُعتدي - صغروا

أبكي على سُؤدَدٍ - بالطين - مُلتصق
وأهله – في دجى أهوائهم - زمَروا

أين الممالك: من ريفٍ ومن حضر؟
واليوم سُلمَ ريفُ الدار ، والحضر

وأين (قرطبة) ، والعلمُ رائدها؟
وكسرُها – اليوم - لا ألقاه ينجبر

وأين (بغدادُ) ، والمنصورُ يحكمها؟
ومدّها نشط ، وليس ينحسر

وأين ولت - بلا عَوْدٍ – (طليطلة)؟
وكان - من حُسنها - الجمالُ ينبهر

وأين - في جوها الحاني – بلنسية
يزجي الأريجَ بها الزيتونُ والشجر؟

وأين (جيّانُ) ، زانَ العلمُ زائرَها؟
فتلك بالعلم والتعليم تشتهر

وأين (مَرسِيّة) في أوْج زينتها
يفوحُ منها الصِبا والنور والعُطر؟

وأين (قرطاجُ) لم تصدحْ مآذنها
بواعظ الحق ، في تذكيره الثمر؟

و(إشبلية) أين – اليوم - رونقها
يُهدي الحياة لمن - في قلبه - بصر؟

و(القيروانُ) خبا نجمٌ ينوّرها
واليوم عربد فيها العَيرُ والتتر

فكيف غابت - عن الأنظار - وحدتنا؟
وهل يُعيد العُرى والأرضَ مؤتمر؟

وكيف حطمنا أهلُ الصليب ضحىً
حتى غدَوْنا - إلى الحضيض - ننحدر؟

ثم انطلقنا - من الأعماق - نشكرهم
ووجُهنا - من لظى الإطراء - منضمر

لذاك ماتت - لما نأتي - ضمائرُنا
ولا يحالفنا - في عيشنا - الظفر

لم نمتثلُ أمر قرآن ، فيرشدَنا
حتى ترهلتِ الآمالُ والأصُر

ومالنا - لمعاصي الله - مدخرٌ
وليس - في طاعة الرحمن - يدخر

وخيرُنا - لكلاب الأرض - مرتصدٌ
وليس - للصِيد أهل الحق - يُحتكر

ودُورُنا - لنصارى الأرض - منتجعٌ
وهْي السجونُ لمن – للدين - ينتصر

تقاسموا أرضنا في كل خندمةٍ
ونحن - عن حربهم - ننأى ، ونعتذر

ولم نحاول ، لأن الفن ثبّطنا
وكيف ينهض من أودى – به - العَهر؟

وما تبقى - من التفكير - زلزلهُ
فينا التهتكُ ، والأفلامُ ، والسكَر

وما تبقى - من الأخلاق - خردلة
إذ المُجونُ لها الأرماسَ يفتحر

إني لأعجبُ كيف الأمة انحدرتْ؟
وكيف باتت - من الآلام - تحتضَر؟

وهل سبيلٌ إلى عِز يُقرّبها
من المليك ، فتحيا ثم تزدهر؟

وهل يعود لها ما كان يرفعها
فوق البرايا؟ فنعم المأملُ العطر

وهل ستمضي ذئابٌ أهدرتْ غدها
من الذين – على تدميرها – سَهروا؟

وهل ستدحَرُ غاراتٍ تنوء بها؟
وهل تحاسبُ مَن مِن دينها سخروا؟

وهل تعاقب من باعوا شهامتها
من الذين – لها الأجداث – كم حفروا؟

وهل تؤدب من صدوا كتائبها
عن الجهاد ، وبالخيرات كم ظفروا؟

وهل تحاسبُ من دكّوا كرامتها
من الأسافل مَن في عَظمها نخروا؟

وهل تحاكم – بالقرآن – من فسقوا
ومن على بأسها المغوار كم حجروا؟

وهل تجاهد باسم الله من ظلموا
ومن برب الورى في الأرض قد كفروا؟

وهل ستوقف سيلاً في حواضرها
من الجحيم أتى ، كأنه السُعُر؟

سيلاً يُحَرّق سُكناها ويابسها
فهل سيوقظها – في المحنة – الضرر؟

سيلاً أراذلُ أهل الفن قادته
من الذين - إلى قعر الخنا - انحدروا

فهل ستقمع من شادوا هزائمها
من الذين - بدين الأمة - اتجروا؟

وهل ستعلن - في الدنيا - براءتها
من الذين عليها النارَ كم نثروا؟

وهل ستخرجُ من أدغال محنتها
يوماً ، لتوقف مَن عاثوا ومن فجروا؟

وهل ستعزل مَن – بالكفر - قد حكموا
ومن بقانونهم – على المَلا – جهروا؟

وهل سترجع – من أعدائها - مُدُناً
شب الضياعُ بها ، والذلُ والقتر؟

وهل تعود لهدي الله مُعلنة
توباً إليه جميعُ الخلق تفتقر؟

وهل تطبّق شرع الله راضية؟
ولا تبالي بمن ضلوا ومن عهروا؟

وهل تعطر بالتقوى صنائعها
لكي تُخللها الخيراتُ واليُسُر؟

وهل ستشنق (شايلوك) الذي اندلعتْ
نارُ الربا من جنى كفيه تفتحر؟

وهل ستعدم (مارلينَ) التي سقطتْ
وبعدُ تعدم مَن مِن أجلها سَكِروا؟

وهل ستسحق (فرعونَ) الذي شقيتْ
به الممالكُ والأصقاعُ والبَشَر؟

وهل ستذبحُ (قارونَ) الذي خسفتْ
به البلادُ ، وعمّ الخسفُ من بطِروا؟

وهل ستمحو الربا من كل حاضرةٍ
مهما توعّدها – بالفقر – من قهروا؟

وهل تبيدُ الزنا ، تنْجي رعيتها
من الهلاكِ؟ أما عنّتْ لها النذر؟

إني أسائلُ تاريخ الألى سبقوا
من الذين - بكل الخير - كم ظفروا

كنا أسوداً يخاف الخلق صولتنا
والأرضُ تشهد ، والتاريخ ، والعُصُر

كنا الميامينَ في سِلم وملحمةٍ
لم يلو همتنا جُبنٌ ، ولا ختَر

كنا المغاويرَ لا تُطوى عزائمنا
ودوننا الناسُ - في أناتهم - عثروا

كنا الأساطينَ في طب ، وفي فلكٍ
والعلمُ - في دارنا - يزهو ، وينتشر

كنا جهابذة في كل معتركٍ
كنا نظِل الورى ، إن طفتِ الهُجُر

كنا عباقرة الدنيا وصفوتها
ونحن فيها الشذى ، والخيرُ ، والمطر

كنا المصابيحَ ، إن عم الدجى بلداً
نجلو الظلام ، ومن يبغي هو الأشر

كنا غِياث الورى من بعد خالقهم
نقتص ممن طغى ، فالظلمُ منقعر

كنا الكِرامَ إذا أضيافنا نزلوا
فنبذل الخير إن أضيافنا حضروا

واليوم بؤنا بأوجاع تُشتتنا
فيها تنوعتِ الأدواءُ والصور

نحن الليوث على إخواننا ، وعلى
أعداء ملتنا – يا ويلنا - هِرر

نقلد الغربَ حتى صار قِبلتنا
كأننا إذ نحاكي هزله بقر

يا أمة الحق: خافي الله ، وامتثلي
أمر النبي ، فعُقبى المفتري سقر

إني أعيذكِ – بالرحمن - أمتنا
نحن الضعافُ ، وربُ الخلق مقتدر

وأصرخ – اليوم – في تقوى ضمائرنا
والشعرُ غيثٌ – على أفيائنا - جؤَر

وأجعل – اليوم – من (عدنان) لي مثلاً
مَن لم يعقه – عن التفعيلة - الكِبَر

ومَن تعقب ذؤباناً تحيط بنا
لها المخالبُ والأنيابُ والظفُر

وأشهر السيف لمّا يكترثْ بهمُ
هو الوحيدُ ، وهم في الساح قد كثروا

ولم يُبال بما صاغوه من قرفٍ
أبئسْ بما كتبوا ، وبئس ذي الزمر

وقاد (عدنان) بالأشعار ملحمة
له جوادٌ بها – على العدا ضبر

(عدنانُ) ينشُد (عدْناً) عند خالقه
وإن ذلك أمرٌ شائكٌ وعِر

يُجاهد – الآن – بالأشعار يُخرسهم
لكي يُفيق – مِن العدوان – مَن سَكِروا

فمرة يكشف (النحويّ) عَورتهم
ومرة يفضح (النحويّ) مَن غدروا

ومرة يُهدر (النحويّ) باطلهم
ومرة - بعصا التبيان - ينتهر

ومرة يحرق (النحوي) جوقتهم
وبوركت – في البرايا – هذه المِرر

همُ الرمادُ و(عدنانٌ) مبعثرهُ
وذات يوم سيُطوى العارضُ الغبِر

وبارك الله في (عدنان) ما كتبتْ
يمينه ما الذي – في القلب - يعتور

قصائدُ الشعر نمّتْ عن مؤلفها
وفي مباسمها الأنغامُ والذكَر

وسوف تنفخ في الأجيال روحَ هدى
وسوف تذكُرها الأيامُ والعُصُر

لأن (عدنان) فيها شدّ مئزرهُ
فلانَ للعدن شعرٌ جلمدٌ عَسِر

يا ذي القصائد أنتِ اليوم صحوتنا
إني لأشهد أن (العدن) مبتكر

هزي إليك بجذع الشعر ، وارتقبي
تساقط الشعر – فوق الجيل - ينهمر

إني أعارض (عدناناً) ، أؤيدهُ
أطيلُ شعر الوفا ، كأنه الغمَر

وأسكبُ الصدق في القرطاس ما نقشتْ
يراعة الشعر ، حتى يعلم البشر

أني أدُل - على المعروف - أمتنا
أريدها – بهُدى الإسلام - تفتخر

وأستبينُ الذي كتبتُ مُقتفياً
آثار مَن - في لظى أشعارنا - انصهروا

وأبذر الشعر في صحراء أزمتنا
وليس يصرفني - عن بذره - الحذر

وأسْطرُ الآن – للتاريخ - سِيرتنا
لو كان تنفعنا يا أمتي السِير

ديوانيَ (الأملُ الفوّاحُ) يشهد لي
وشِعره – في دياجي أمتي - قمر

وإن قرأتِ (عزيز النفس) فادّكِري
فشعرُه من لظى الآلام يعتصر

إني رسمتُ (نهايات الطريق) ، ولي
بعضُ اجتهادٍ ورأيٌ فيك معتبر

وفوق قارعة الأحزان قوقعتي
أدمى عواطفها – في ليلكِ - السهر

لأن مثلي عفيفُ الشعر في زمن
بالمؤمن العف كل الظلم يأتمر

واستشهدي من (سويعات الغروب) سنا
من عاطر الشعر فيه النورُ والعِبَر

وبعدُ (ترنيمة للحب) قد نقشتْ
فيها اليواقيتُ والغاياتُ والفِكَر

ومن معين (ظلال الذكريات) بدتْ
بشائر النصر منها الشر يندحر

وقد كتبتُ عن (الحسان) شاعرنا
جواهراً لمعتْ كأنها الدُرر

وقد قرأتُ شذىً في شعر عنترةٍ
مآثرٌ شمختْ ، كأنها الغرر

هذي الدواوين أهديها لأمتنا
وقد يكون لها – في جُعبتي - أخر

أذكّر الأمة الفضلى رسالتها
لعلها تُبصِر الماضيْ وتفتكر

لعلها تذكر الأسلافَ مَن سبقوا
ومَن رقابَ العِدا في دارهم نحروا

مَن أدبوا الكفر لم يخشَوْا ضراوته
ولم يكنْ بأسهم – في الحرب - يُقتصر

ومن إذا ذكروا دفتْ مطامحُنا
وتستريحُ نفوسُ الصِيد إن ذكروا

كانوا إذا خرجوا صفوا جحافلهم
حتى إذا أثخنوا عادُوا ، وقد ظهروا

وإن عفوْا بالغوا - في العفو - تكرمة
وإن أسِئ لهم ، فالذنبَ قد غفروا

ومن إذا فتحوا البلاد ما نهبوا
خير العِباد ، وما من أهلها ثأروا

ومن إذا ملكوا عفّوا ، فما رتعوا
وما استبدوا بأموال ، ولا احتكروا

ومن إذا وضعوا أغلالهم بيدٍ
كانت قيودهمُ سلوى لمن أسروا

ومن إذا غصِبتْ أصقاعُهم ركبوا
خيل الحتوف ، وفي نار الوغى نفروا

ومن إذا غلِبوا قامت قيامتهم
في الحق ، ثم إذا ما زلزلوا زأروا

ومن إذا قهروا اختاروا مصارعَهم
فالموتُ أفضلُ كيلا تكبر الغِيَر

وكم وصفتُ غطاريفاً أتيه بهم
رأيتهم قمماً – بالدين - تبتشر

همُ الصناديدُ من (تيم) وخثعمةٍ
وتلك (دَوْسٌ) ، وذي في عزها مُضَر

همُ العباقرة الأفذاذ سادتنا
ومَن بذور التقى في الناس قد بذروا

ومن نباهي بهم في الأرض عامرَها
لأنهم خيرُ من سادوا ، ومن عمروا

وخير من أسلموا – لله - واتبعوا
نبيه ، ولذا هم خيرُ من أجروا

وخيرُ من أخلصوا لله دينهمُ
ومن يَزينهمُ الإيمانُ والأزر

وخير من وقروا – في الناس - كعبته
وخير من طوّفوا بالبيت ، واعتمروا

وخير ما كانت الأشعار راويَهم
وكل شعر سِوى أشعارهم هذر

همُ البلاغة إن قالوا ، وإن صمتوا
وإن تحدَوْا فما - في قِيلهم - وطر

همُ الفصاحة ، فالتبيانُ يغبطهم
وشعرُهم - في سنا الديوان - منسجر

كأنه الشمسُ في دنيا الورى طلعتْ
يفوحُ منها الضِيا والعِطر والوَهَر

كأنه النورُ ، إن ساد الدجى وطغى
شعرٌ بضاعته القرآن والأثر

شعرٌ يُسجّل أمجاداً لهم كثرتْ
شعرٌ يطير له التاريخ والخبر

شعرٌ يُحيّر من – في فلكه - ركبوا
وقد تنوء به الرُكبان والدُسر

في السلم كان ارتجالُ الشعر رائدهم
وفي الحروب قريضٌ بعده الوتَر

وفي الحديث لهم فهمٌ وتبصرة
وفي مُجاهدة السوآى لهم نظر

أسلافنا عزفوا عن كل منقصةٍ
ومن مصارع أهل الباطل ازدجروا

همُ الأماجدُ - في الإسلام - قد رغبوا
فعمّهم خيرُه المستكثرُ النضِر

يا أمة الخير أحيي مجدهم ، وثقي
فالله ناصر مَن دينَ الهُدى نصروا

وجففي عَبرة أدمتْ مدامعنا
وحققي النصر ، إن القلبَ يستعر

وطبّقي الشرع ، هذا ليس نافلة
بل واجبٌ حدّه القرآنُ والأثر

وشرط صِحة إسلام ندينُ به
وللحنيفة توحيدٌ له أسَر

فاستمسكي بعُرى التقوى ، ولا تهني
ولا يغرنْكِ - في دنيا الورى - الهَدَر

يا قوم كُفوا عن التخذيل ، وارتفعوا
عن الدنايا ، وفعلَ المنكرات ذرُوا

إني أناشد من في قلبه ورعٌ
مِن الذين - بما أدعو له - شعروا

أن ننشد السِلم ، لا نبغي به بدلاً
فلا يكونُ لنا - عن نصره - وَزَر

وأن تكون فِدا القرآن أنفسنا
لأن نصرته – رغم العِدا - قدر

وأن نؤسلم عيشاً نحن عُدتهُ
ما أجمل الدينَ ، إذ تحيا به الفِطر

وأن نجدّ لقبر سوف نسكنه
ومِن تذكّره اللبيبُ يزدجر

يسعى الفتى ، وظلالُ الموت تلحقه
وكل فذٍ - بذكر الموت - ينزجر

يوماً يموتُ ، ويلقى اللهَ خالقه
هل مثلُ ذلك أمرٌ – في الورى – عسِر؟

من أجل ذلك فليُخلصْ سريرته
ولا يُعرقله - إما سعي - الحَصَر

وبعد ذلك فليُصلحْ مسيرته
إن اللبيب الذي يسعى ، ويبتدر

شتان بين كسول سعيُه كسلٌ
وإن يُذكّرْ فلا تلقاه يعتبر

وبين آخرَ فلّ السعيُ قدرته
فصار صلباً – على الأهوال – يقتدر

شتان بين سليم القلب طيبه
وبين فظٍ سقيم قلبُه حجر

لن يستجيب لنصحي غيرُ مشترع
بشِرعة الحق ، نعم المُخبتُ النضِر

يهيم في جنة المأوى ، وينشدها
وغيرُه منتهى آماله الحُفَر

لذاك يعمل أعمالاً تقرِّبه
وغيره سعيُه – في الخلق - يُحتقر

هل يستوي مَن رضاء الله غايته
ومَن عبادته الجلبابُ والغتر؟

لا يستوي مؤمنٌ يحيا لشرعته
وفاسقٌ غارقٌ في فسقه دَعِر

لا يستوي مسلمٌ حقٌ ، ومجترمٌ
وحبلُ طاعته لله مندجر

لا يستوي صابرٌ والحِلمُ طابعُه
ومَن ذخيرته التهويلُ والضجر

وكل قلب له بلوى تكشّفه
ولا يغورُ به سِرٌ ، فيستتر

يا أمة الحق شِعري جُله ألمٌ
على مصابك ، حتى كاد ينفطر

هذي الدواوينُ أولادي وعائلتي
تسقيكِ شعر الوفا ، كأنها النهَر

نفحْتها - بدمي المُلتاع - تجربتي
حتى رأيتُ دموع الشعر تنعفر

ثم استعرتُ لها من كل قافيةٍ
حتى تنوعتِ الأوزان والفِقَر

وكم عرضتُ على القرآن ما نقشتْ
يراعة الشعر حتى سُرتِ السور

وكم قصدتُ لهذا الشعر جمهرة
من الأساطين مَن تنوره سجروا

وكم عمدتُ إلى من فيه قد برعوا
من العماليق مَن أغواره سبروا

وكم تلظيتُ في نيرانه فرحاً
وكم وقفتُ – على الأبواب – أنتظر

ليخرج الشعرُ مزهوّاً بقوته
كأنه أسدٌ – في غابتي – زئِر

في كل بيتٍ نجومُ الليل ثاقبة
وكل لفظٍ عليه الورد والزهر

حن القريضُ ، فكانت روضة سمقتْ
فيها النخيلُ ضحىً ، والدومُ والسِدَر

وحرّك الشعرُ أشجاناً بذاكرتي
فأصبحتْ حُمماً تغلي وتنفجر

وهيّجَ الشعرُ آفاقي ، وحلق بي
في عالم الطهر ، نعمَ العالمُ الخضِر

وجنّد اللهُ أعواناً تؤيده
وتستجيبُ له ، فنعم ذا النفر

ثم ابتليتُ بمَن أردى نضارته
من الذين إذا عنوا له ضجروا

قالوا: (ضعيفٌ) ، فلم أحفلْ بفِريتهم
وليس يُوهنُ مثلي الكيدُ والسخر

قالوا: (يُسَكّن) عمداً كل قافيةٍ
وفوق هامة شعري انهالتِ الدِرر

وأهدروا قيمة الأشعار ، وامتشقوا
سيف العداء ، ألا خابوا ألا خسروا

وآخرين على ما قلته حقدوا
وآخرين بما أنشدته زَفَروا

وآخرين عيونَ الشعر كم فقأوا
ونصّبوا مَن له الأحداثَ يحتجر

وآخرين لهم وخزٌ ومحرقة
مثل الثعابين في أفواهها الإبر

تكوي وتلدغ مَن يجتث خدعتها
وقد تثور ، فتفري كيدها الثؤر

يا أمة الحق أنشدتُ القريض ، ولم
أعبأ بمن حقدوا ، فحقدُهم بَعَر

وقد غدتْ صفحة الديوان راويتي
أمست معاطفها بالشعر تعتجر

أهديتها مِن معيني كل أمنيتي
بأن أرى أمتي بالخير تبتشر

وأن تعود لها الأمجادُ باسمة
وأن يُغنيها الشحرورُ ، والقُبَر

وأن تعود لها آفاق هيبتها
وأن يُلازمها التوفيقُ واليُسُر

© 2024 - موقع الشعر