حَيِّ الرِفاقَ وَطُف بِكَأسِ الراحِ - صفي الدين الحلي

حَيِّ الرِفاقَ وَطُف بِكَأسِ الراحِ
وَاِطرِز بِكَأسٍ حُلَّةَ الأَفراحِ

حُثَّ الكُؤوسَ إِلى جُسومٍ أَصبَحَت
فيها المُدامِ شَريكَةَ الأَرواحِ

حاشِ المُدامَ وَعاطِني مَشمولَةً
ظَلَّت فَسادي وَهيَ عَينُ صَلاحي

حَمراءُ لَو تَرَكَ السُقاةُ مِزاجَها
أَمسَت لَنا عِوَضاً عَنِ المِصباحِ

حَجَبَ الحَبابُ شُعاعَها فَكَأَنَّهُ
شَفَقٌ تَلَهَّبَ تَحتَ ذَيلِ صَباحِ

حَبَبٌ تَظَلُّ بِهِ الكُؤوسُ كَأَنَّها
خَصرُ الفَتاةِ مُمَنطَقاً بِوِشاحِ

حَكَمَ الزَمانُ وَغَضَّ عَنّا طَرفُهُ
يا صاحِ لا تَقنَع بِأَنَّكَ صاحِ

حَقُّ الصِبا دَينٌ عَلَيكَ فَأَدِّهِ
بِالشُربِ بَينَ خَمائِلٍ وَرَداحِ

حاكَ الحَيا حُلَلَ الرَبيعِ فَعَطَّرَت
نَشرَ الصَبا بِأَريجِها الفَيّاحِ

حُلَلٌ إِذا بَكَتِ السَحائِبُ أَشرَقَت
بِخُدودِ وَردٍ أَو ثُغورِ أَقاحِ

حَيّا الحَيا بِأَريجِها فَتَرَنَّحَت
أَعطافُها مِن غَيرِ نَشوَةِ راحِ

حَمَلَت فَأَشرَقَ زَهرُها فَكَأَنَّما
ضَرَبَت مَعاصِمَها يَدُ القَدّاحِ

حَبَكَ الهَنا بِسَمائِهِنَّ خَمائِلاً
تَنقَضُّ فيها أَنجُمُ الأَقداحِ

حُزنا السُرورَ بِها وَبِتنا نَجتَلي
بِنتَ الكُرومِ بِغَيرِ عَقدِ نِكاحِ

حَلّى الزَمانُ بِجودِهِ أَجيادَنا
وَسَخا فَأَلبَسَنا ثِيابَ مِراحِ

حَتّى اِنتَهَبنا العَيشَ حَتّى كَأَنَّهُ
مالُ اِبنِ أُرتُقَ في يَدِ المُدّاحِ

حامي النَزيلِ إِذا أَلَمَّ بِرَبعِهِ
مُحيي الأَنامِ بِجودِهِ السَحّاحِ

حَسُنَت بِهِ الدُنيا فَكانَ أَديمُها
عُطلاً مِنَ التَجميلِ وَالأَوضاحِ

حُكمٌ رَضيتُ بِهِ فَمَدَّ سَماحَهُ
ضيقي وَحَيّا جودُهُ بِفَلاحي

حَلَّت مَكارِمُهُ عِقالَ خَصاصَتي
إِذ راشَ مِن بَعدِ الخُمولِ جَناحي

حارَبتُ دَهري مُذ حَلَلتُ بِرَبعِهِ
وَجَعَلتُهُ عِندَ المَضيقِ سِلاحي

حَسبي إِذا رُمتُ الفَخارَ مِنَ الوَرى
مَغدايَ في أَكنافِهِ وَرَواحي

حَمَّلتَ نَجمَ الدينِ أَعناقَ الوَرى
مِنَناً جِساماً مِن نَدىً وَسَماحِ

حَكَّمتَ في الأَموالِ آمالَ العِدى
وَجَعَلتَ شُربَ المَجدِ غَيرَ صَباحِ

حازَ العُلى فَسَرى بِصارِمِ عَزمِهِ
يُغنيكَ عَن خَطِّيَّةٍ وَصِفاحِ

حَزمٌ فَتَحتَ بِهِ الأُمورَ وَإِنَّها
كَالقُفلِ مُحتاجُ إِلى المِفتاحِ

حَجَّت إِلَيكَ بَنو الرَحيلِ لِعِلمِهِم
حَقّاً بِأَنَّكَ كَعبَةُ المُدّاحِ

حَرَمٌ إِذا حَلَّ الوُفودُ بِرَبعِهِ
قُرِنَت عَواقِبُ سَعيِهِم بِنَجاحِ

حَمِدوكَ جُهدَ المُستَطيعِ وَأَثبَتوا
لِعُلاكَ شُكراً ما لَهُ مِن ماحِ

© 2024 - موقع الشعر