نجوتُ ومات الرفاق! - أحمد علي سليمان

نجوتُ ، والصَّحبُ مَقتولٌ ومَفقودُ
وقدَّرَ النجْوَ والإفقادَ مَعبودُ

استهتروا ، ورَحَى (التفحيط) دائرة
ولم يَعُدْ ينفعُ الأمواتَ تنديد

فكم هزلنا معاً في كل مُنتجع
وتشهدُ الدَّارُ والأصقاعُ والبيد

وكم سَهرنا على فِسْق ومعصيةٍ
ولم يَغصَّ بلهو الصَّحب تنكيد

وكم رحلنا عن الدِّيار بُغيتُنا
ملءُ الفراغ ، وشغلُ النفس مَقصود

وكم لعبنا ، ولم نحسِبْ حسابَ غدٍ
كأنما المرءُ للتلعاب موجود

وكم سَمرنا على التهريج صُبحَ مَسا
ورافقتْ لهوَنا الغِيدُ الأماليد

سَل الفنادقَ عنا في بُلهنيةٍ
وليس في صَرفنا للمال ترشيد

سَل النواديَ كنا لا نفارقها
إلا وكلُّ الذي في الجيب مفقود

سل المطاراتِ ، والأسفارُ تغمُرُها
ولم تخُنا على الظعن المواعيد

حتى إذا أدركَ الغفاة مَوعدُهم
مع القضاء ، وما للأخذ تمهيد

وكابدَتْ سَكراتِ الموت مَركبة
والجَمعُ في القدر المقدور مرصود

ليرحَلَ الكلُّ في دقائق حُسِبتْ
لأنه أجَلٌ ، والعمرُ مَعدود

إلا صغيراً من الموت الزؤام نجا
واليومَ هذا الفتى المسكينُ مولود

ماتوا لأحيا حياة لا أدنسُها
فليرحل الهزلُ والتهريجُ والخُود

أتوبُ عن كل ما أتيتُ مِن نَزَق
وإنَّ عزمي على الإقلاع مَعقود

مناسبة القصيدة

(جَوقة من العابثين ، جمعتْ بينهم الخطيئة ، وألفَ بين قلوبهم الانحراف ، فمِن وكر إلى وكر ، ومن حانةٍ إلى حانة ، ومن فندق إلى فندق ، ومن فيلم إلى فيلم ، ومن أغنيةٍ إلى أغنية ، ومن سيارةٍ إلى سيارة! فلا صلاة ولا ذكر ، ولا توحيد ولا فكر ، ولا هُدى ولا رُشد! إلى أن جاءت ساعة الإفاقة! فبينما استقلتِ الجَوقة الضالة سيارة الرَّدى ، وقادها أحدُهم بسرعةٍ جنونية ، وراح يُفحِّط ويَهبط بالسيارة من أعلى قمة الجبل إلى أسفل سفحه وهو سكران ، وكانوا جميعاً على موعدٍ مع الموت! حيث انقلبتْ بهمُ السيارة عدة قلبات تقطعتْ فيها الأوصال وتكسرت العظام ، وفقئت العيون ، ونزفت الرؤوس ، وبقرت البطون ، واحترقت الجثث! ونجا أصغرهم ، وعاين الأحداث وقال: نجوتُ ومات الرفاق! لقد وعيتُ العِظة ، ووُلدتُ من جديد!)
© 2025 - موقع الشعر