بوح المشاعر! (الأسيرات قِبلته) - أحمد علي سليمان

هاجَ السُعارُ به ، فقاده الأملُ
وردَّهُ خاطرٌ في القلب يعتملُ

طالت به شقوة أودتْ بعزمتهِ
وهاجرُ الوحي بين الناس مُختبل

وتاركُ الشرع مقتولٌ بحسرته
وعابدُ الهزل لا تزهو به المُثل

وشهوة الفرج أعيتْ مَن يُطاوعُها
ومَن يَزِلَ لقد يُودي به الزلل

تيسرَ الفسقُ بين الناس فانحدروا
وأغلبُ الخلق في قعر الهوى نزلوا

بيعَ النساءُ فكانت فتنة عظمتْ
بيْعَ الرقيق فعمّ الدعرُ والسفل

وعمّتِ الأرض فوضى لا نظير لها
وشبتِ النار يُزكي وهجَها الهمل

وأصبح القوم لا أخلاق تحكمُهم
وإنما جوقة للدعر تبتهل

وأسلموا لبريق المال عزتهم
وكل غايتهم بين الورى هُبَل

يُصفقون إذ ناحت مُغنية
ويحزنون إذا الأستارُ تنسدل

وإن تلا قارئُ القرآن سُورته
يُصفقون ، وفي تصفيقهم زجل

ضاع الشبابُ لأن الشيْب ضيعَه
بالموبقات ، وإنّ النار تشتعل

وعربدَ الدعرُ في الأمصار منتشياً
وكل وغد ببعض الدعر منشغل

والعلم فوق رفوف المكتبات غفا
وصاحبُ العلم مكبوتٌ ومُعتقل

والفن أفسد دنيا الخلق قاطبة
بشؤمه ضاعتِ الأخلاق والمُثل

في دارنا كل ألوان الخنا برجتْ
رموزه فوقنا كأنها ظلل

ومَن يُعارضْ فقعر الجب مَوعدُهُ
وللمكائد في أرحابنا وُسُل

ومَن يوافق فإن الخير مورده
والسعد والحب والتيسيير والرفل

تناقضٌ ما له في الأرض من شبهٍ
وخيبة زادُها الإفلاسُ والفشل

هذا الفصامُ ، وأقوامي ضحيتهُ
تزامنتْ بعده الأوجاع والعِلل

وغاصبُ الحق تحميهِ بطانتهُ
وصاحبُ الحق أدمى قلبه الوَجَل

وأصبح الغربُ للأقوام قبلتهم
حيث الفجورُ ، ومَن يهواه فالبطل

وحيث قومٌ يُباعُ العِرضُ بينهم
بيع النخاسة ، والإنسان يُبتذل

همُ السباع إذا مُست مبادئهم
وهم عدوٌ لمَا جاءت به الرسل

وضيفهم في مهاوي الدعر مُنحدرٌ
وزائرُ الغي في اللذاتِ مُنجدل

قومٌ أعدوا لمن يغشى ديارهمُ
كل اللذائذ ، ما أعيتهمُ الحِيَل

خمرٌ وعُهرٌ وتضليلٌ لمن وفدوا
شعبٌ بكل صنوف الهزل يحتفل

وابنُ اليعارب في أصقاعهم شبقٌ
يغشى الحرام ، وفي أهوائه رجل

شدّ الرحال إلى أعفانهم غرداً
ومسحة الخير قد أودى بها الفشل

واستصحب المالَ في إشباع رغبته
بئسَ الدنانير في إنفاقها الخلل

مِن الحرام أتتْ ، وفي الحرام مضتْ
فما لها قيمة في العقل أو ثِقل

هانتْ عليه لأن الحِل مُفتقدٌ
وللحرام عدوُ الدين يرتحل

بضاعة بين أهل الفسق قد رجحتْ
وجرحُ أهل المخازي ليس يندمل

في رحلة سفلتْ ، والعُهر ديدنها
والقلبُ غصّتْ به في المِحنة النحل

أمسى يقضّي على الأرجاس سهرته
بين العواهر مجنوز له شغل

وفي النوادي على الأنغام سامرُه
وخطبُ خيبته - بين الورى - جَلل

وزادَه المالُ - بين القوم - منزلة
وقوت أم الفتى - في بيتها - الدقل

أما أبوه ففي أمراضه وجلٌ
والشيبُ مزقه والحالُ والعِلل

وأخته في حِياض الجهل قد رتعتْ
ورجّها العِز والتِلفاز والغزل

في بيئةٍ لفظتْ شرْعَ الهُدى أبداً
وحاربتْ مَن لأمر الله يَمتثل

وكرّمتْ كل خوان ومُرتزق
ومَن إذا جاءتِ الأعداءُ يعتزل

وابن اليعارب عند الغرب دُميَتهم
في كل حانوتِ خمر دائماً ثمل

وفي الفنادق كم للصقر ملحمة
وفي النوادي حلتْ للمُعتدي النقل

في كل دار له لونٌ وتجربة
ولهجة ترتدى حيناً وتفتعَل

ومَنطقٌ في خِداع الغِيد مُصطنعٌ
ولبسة العُرب حلتْ دونها الحُلل

طريقة منطقُ التاريخ فاضحُها
وإنما الدهرُ يا أعرابنا دُوَل

أتقصدون ربوع الدعر دون حيا؟
وسوحُكم بفنون العُهر تشتغل؟

ويسأل الغِر عن أنثى يلوذ بها
ليست (مؤيدزة) ، وما لها سُبُل

لم تتخذ عاشقاً فحلاً يُهربزها
شريفة سَمتها الإحصانُ والنبَل

وغادة حُسنها غضٌ ومُؤتلقٌ
شقراءُ تسرقها مِن ثوبها المُقل

تزجي الجمال لمَن يبغيه مُغتبطاً
وفي المُقابل دينارٌ له نفل

فابنُ اليعارب لم يبخلْ بنخوته
إذ فوق ديناره العِرفان والقبل

فدلهُ صاحبٌ يبغي سلامته
على مُعسكر غاداتٍ فينذهل

لا يعرف الإيدزُ ، لا ، منهن واحدة
هن الطهارة والمَرجان والأمل

حورٌ بلغن مِن الإحصان ذروته
وإن رآها (زهيرٌ) سوف يرتجل

لا تخش إيدزاً ، فجندُ الصرب ما هتكوا
منهن عِرضاً وكم نالوا وكم قتلوا

فهؤلاء لأهل الضاد مَن وفدوا
كرواتيا ثم في (أوتيلها) نزلوا

وسائل السيخَ والهندوسَ كم سفكوا؟
وسائل الصرب والكروات كم سحلوا؟

كيف اغتصابُ رضيع عمرُه سنة؟
وكيف تؤتى عجوزٌ عودُها طلل؟

وكيف تؤتى فتاة في رضاعتها
حتى يُفارقها في مهدها الأجل؟

وكيف يُحرقُ طفل في لفافته؟
أمام عيني أب ، والدمعُ ينهطل؟

وكيف يلعب بالرأس الشريف ضُحىً؟
كأنها كرة ، و(الماتش) مُكتمل

وكيف يوضع في الأرحام ما اقترحوا
ماءُ الكلاب وماءُ الهر ، يا جُعَل؟

وكيف يُحقن بالمِيكروب مَن وقفوا
في صد هجمتهم ، ما ردّهم كلل؟

أمّا المعسكر ما فيه ملوثة
وإنما عفة ما شابها دغل

فاعمدْ إليه ، وصدقْ ذاك منتجعٌ
عن كل دنيا الوباء اليوم مُنفصل

ولا عليك فآلافٌ مؤلفة
منكم أتوْا ، وبهذا العَرض قد قبلوا

فجرحتْ لكنة الإغراء نزوته
حتى بكى ، وأنينُ العين مُكتحل

فقال: أختي ، وإني اليوم مُنقذها
وقد تكالبتِ الذؤبان والمِلل

واليوم تبتُ ، فلا عوْدٌ لمَعصيةٍ
إني - على ربيَ الغفار - أتكل

رُدّوا عليّ دنانيري وأمتعتي
واليوم فارقني الإفلاسُ والخبل

إني إلى شِرعة التوحيد مُنتسبٌ
فيم التحلل والكفران والخطل؟

عرفتكم ، يا وحوشَ العصر يا همجاً
والظلم مذهبُكم ، والكيد ، والغِيَل

لا ، لن يدوم لكم ما تفعلون بنا
في القلب منكم لظىً كأنه جبل

وسوف أفضحكم ما قد حييتُ هنا
يا صرب يا أيها الأوغادُ ، يا سَفل

لا يفعل الذئب ما أجنادُكم فعلوا
وليس يفعله كلبٌ ولا جمل

للهم عجلّْ بيوم فيه نقمتهم
أنتَ القديرُ ، ونحن الخلقُ نبتهل

أرسلْ جنودك للكفار تحصدُهم
إن الأماجد بالأرواح ما بخلوا

لكنهم عُزل ، والكفرُ مُحتشدٌ
عليك بالصرب والكروات مَن سفلوا

هم قد عصوْك ، فدمّرْ بأس دولتهم
أنت العليم بما في أهلنا فعلوا

عليك بالسيخ والهندوس مَن كفروا
ومَن دمَ المِلة العصماء كم نهلوا

ثم اليهود ، ومَن أمسى يُهاودُهم
ومَن برب الورى في الناس قد عدلوا

ثم النصارى ومَن أضحى يناصرهم
ومَن لآلآمهم بكاؤه هطل

الأمرُ أمرُك ، فانصرْ زمرة ظلِمتْ
وأمْرُ ربك لا يسعى له العَجَل

قد أمهل الكفر والكفار خالقنا
فغرهم - ويحهم - بين الورى المَهل

وسوف لن يفلتوا مِن أخذه أبداً
واللهُ ماحقهم جزاءَ ما فعلوا

إنا زللنا ، ورب الناس مُنقذنا
هو المَلاذ ، إذا ضلت بنا السبل

ونحن يا رب أخطأنا مقاصدنا
وزاد من سوئنا جيل الهوى الدحل

ففي حضيض الخنا غارت عزائمه
وغاية العيش في تفكيره الحِيَل

فأشبعَ البطنَ مِن حِل ومِن حُرم
فضلّ عن هديه ، لم يدر ما الخلل

وأشبع الفرج مما طال مشتهياً
وأمتعَ النفس مما ألقتِ الدول

ضحية فوق هذي الدار غارقة
في غيها خالفتْ ما قالتِ الرسل

وشبتِ اليوم فوق الأرض شرذمة
تناوئ الفسق لم يلعب بها الخبل

وتقمعُ الدعر لا ترضى بفاعله
طليعة بين أهل العُهر تعتدل

تشيع بين الورى هدياً وتضحية
فيها رشاد ، وفي أشبالها نبل

رغم الخلاف الذي صهيون يقذفه
بين الطوائف لم يُفن العُرى الجدل

يا رب فاجمعْ على التوحيد عزمتهم
ووحّد الصفّ ، كم أودى بنا الزلل

© 2024 - موقع الشعر