إنما المكان بعُمَّاره - أحمد علي سليمان

ما المكانُ إن ودّعَ الأبرارا
بالتياع ، أو شيّع الأخيارا؟

بات قفراً رغم ازدحام البرايا
إنما الحمقى يهدمون الديارا

والرفاقُ الأبرارُ خيرٌ ، سبيلاً
واعتدالاً ومنهجاً واعتبارا

كم تواصينا بالهُدى والتسامي
ننتوي أن نرعى الحِمى والذِمارا

كم قرأنا القرآنَ سِراً وجَهراً
ودعوْنا - لله ربي - جهارا

كم بذلنا في النصح جهداً جهيداً
واصطبرنا فيما نلاقي اصطبارا

كم سهرنا - في الليل - ننشد أجراً
إذ نقصّ الآراء والأخبارا

كم طرقنا أبواب مَن خالفونا
ناشرين الإرشاد ليلاً نهارا

كم سلكنا للحق والخير درباً
جاعلين مرضاة ربي شِعارا

كم تصافينا ، وانطلقنا سِراعاً
لا نخافُ - في دربنا - الأخطارا

كم تفيأنا - في الخلاف - ظلالاً
نتحاشى أن نشْمِت الأشرارا

ثم ضمّ الخلانَ قبرٌ فخِلي
بعدَهم أمسى ينشدُ الأنصارا

دامعَ العين والحشا والحنايا
مُسدِلاً - فوق حزنه - الأستارا

باكيَ القلب مستكينَ الطوايا
ينسجُ البلوى والجوى أشعارا

نفسه في آلامها كم تلظت
واكتوت لمّا فارق الأبرارا

خلّفوه في الناس يحيا وحيداً
كالجواد إن فارق المِضمارا

ما له - في هذي الفئام - خليلٌ
يُشهرُ الحق مثله إشهارا

ويثورُ في الله مثل الضواري
كم يحب أهلَ الهُدى الثوارا

همّه نصرُ الحق في كل دار
دون خوفٍ ، والحقُ يُعْلي الدارا

أسلموه للعِير أهلِ المَخازي
يُنكرون أخلاقه إنكارا

كل وغدٍ ينالُ منه انتقاماً
بعباراتٍ تشبهُ الأحجارا

لستُ أدري فيم التجني عليهِ؟
ولماذا هم أوسعوه احتقارا؟

هل جَزاء الإحسان هذا التعدّي؟
إن في خذل الصحب قبحاً وعارا

© 2024 - موقع الشعر