ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب - أحمد علي سليمان

جاوزت سبعين تحيا غيرَ ذي قِيَمِ
والشيبُ غالَ التصابيَ غيرَ محترمِ

لم تستفدْ مِن سِنيّ العمر حين مضتْ
وعِشت ما عشت بين الهزل والغشم

وكم وُعِظتَ ، فلم تُنصِتْ لمن وعظوا
والوعظ يَصقلُ وعيَ الحاذق الفهم

وكم نُصِحتَ ، فلم تعبأ بمن نصحوا
وانصعت للهُزء في جدٍ وفي نهم

وكم دُلِلت على الخيور واضحة
تنيرُ دربَك كالأقمار والنجُم

وكم أمِرت بمعروفٍ وتبصرةٍ
فكِلت سبّك بالبُهتان والتهم

وكم نُهيت عن السفول أنت به
تبوءُ بالإثم والعِصيان والجرُم

يا أشيباً غربلَ المشيبُ قوته
شتان بين قوَى كهل ومحتلم

أما استبنت دروب الغيّ كالحة
حتى تعالجَ غيّ الشيب بالقِيم؟

أما استحيت من الشرور تركبُها
بين الأنام بعزمٍ باردٍ شبم؟

أما احترمت وقارَ الشيب مُجترئاً
على الفسوق بدا في كل مُصطدم؟

أراك تحيا بلا تقوى ولا رَشَدٍ
تأبى الرشادَ كمثل الشاء والنعم

وإن سُئلت أجبت: اللعْبُ راودني
فخضتُ كالمهر إذ يجري بلا لجُم

فهل بما حرَّم المولى تُبارزهُ
لا خيرَ في العبد يغشى موئلَ الحُرُم

يا ليت شِعري إذا قبضت مُشتغلاً
عن الهداية والإيمان والسلم

أم ليت شعري إذا فضحت في ملأ
وسط الصحاب وبعض الأهل والِلمم

أم ليت شعري إذا ما غسّلوك وقد
أسلمت روحك للمهيمن الحكم

أم ليت شعري إذا ما كفنوك وفي
أيديهمُ الثوبُ ، والدمعُ الشجينُ همي

أم ليت شعري إذا استقبلت قِبلتهم
ميتاً ، وصلوا على الجُثمان في وصم

أم ليت شعري إذا ما شيعوك إلى
مثواك بين الثرى والدود في الرَجَم

أم ليت شعري إذا الملكان قد نزلا
وأقعداك وحيداً في دُجى الظلم

أم ليت شعري إذا أسمِعت أسئلة
ثلاثة حُصرتْ في عَدّها التمم

يا عبدُ مَن ربك الذي تؤلهه؟
ما دينك؟ اصدقْ جواب السؤل واستقم

وما تقول؟ ألم يُبعث لكم رجلٌ؟
ماذا تقول بشأن المصطفى الهشم؟

يا ليت شعري إذا لم تُحرِ أجوبة
تُنجيك من شِدة الأهوال والقحَم

أم ليت شعري إذا ما قلت: قلتُ كما
يقول قومي من الألفاظ والكلم

فيضربانك بالمِزربّة انفصمتْ
منها الدماغ على الرمال والأكم

يا ليت شعري إذا ما ضُيِّق القبرُ من
هول المُصاب ، وعانى من لظى النقم

أم ليت شعري إذا أضلاعُك اختلفتْ
وصرت فرداً وحيداً خُصّ بالإزم

وصار قبرُك روضاً تستريحُ به
مِن البلاء طغى في المَرتع الوَخِم

أم بات قبرُك والنيرانُ تلفحُه
لمّا غدا حفرة قدّتْ مِن الجَحم؟

وصرت طعماً لدود الأرض يأكله
إن لم يجد في الثرى شيئاً مِن الطعُم

ولم تعدْ أزرٌ تحمي ، ولا كفنٌ
فالدودُ لمّا يزلْ بالثوب يأتدم

وعاد مَن شيعوا إلى مَرابعهم
كأنما فرغوا مِن واجب الخِدَم

وعافسوا الأهلَ والزوجاتِ يَسبقهم
شوقٌ إلى العيش في بُحبوحة النعم

وصرت صفحة ماض بالردى طويتْ
ولن تعود لنا مِن رَقدة العدم

تجاهلَ الكل إسماً كنت تحمله
والذكرُ دِيسَ ببطن النعل والقدم

ألم تعشْ بينهم سبعين كاملة؟
أما عُرفت بنعت الشائب الهرم؟

والذكرياتُ عفتْ من بعد ما دُرسَتْ
ولم يعدْ لفقيد الشيب مِن سِيَم

أمّا النكاتُ التي كم عشت تنشرُها
بين الأنام بهزل بالغ العِظم

فتلك باقية ، والناسُ تذكرُها
حتى هُراؤك فيهم غيرُ مُنكتم

والسخرياتُ التي ردّدت زبدتها
في الناس قد بقيتْ ناراً على علم

والهُزءُ والسخفُ جابا أنفساً وقرىً
وجرحُ هزلِك فينا غيرُ مُنثلم

لم يذكروا الخير فيهم كنت تبذله
لكنهم ذكروا ما جئت مِن لمم

لم يذكروا طيّبَ الأقوال بُحت بها
تردّ ما روّجوا بالزور مِن تهم

لم يذكروا الأمرَ بالمعروف جُدت به
على العُصاة ببعض الوعظ والحِكَم

لم يذكروا الكهلَ لم يبخلْ بعارفةٍ
يرجو بها جنة المهيمن الحكم

لم يذكروا أشيباً وافى بدمعته
في جوف ليل بلا كلٍ ولا سأم

لم يذكروا درهماً أنفقته وجلاً
على يتيم هنا يحيا بلا حشم

يا ليت شعري إذا لقيت ربك لم
تُطعه ، مَن يلتزمْ تقواهُ يَستقم

أم ليت شعري إذا تطايرتْ صُحفٌ
وقِيلَ هذا كتابُ العبد فاستلم

اقرأ كتابك ، وانظرْ ما عملت به
اليوم تلقاه نصبَ العين مِن أمَم

كفى بنفسك حَسّاباً له نظرٌ
إذ لا يُفوِّتُ مِن عَدٍ ولا رَقم

اليومَ تنطق أعضاءٌ بما اكتسبتْ
أما اللسانُ فيشكو وطأة البَكَم

اليوم لا ظلمَ يأتيه الألى ظلموا
فالحكمُ بين الورى للواحد الحكم

فتبْ إلى الله أنت اليومَ في سَعةٍ
وإن ربك ذو عفو وذو رُحُم

وإن تعاندْ ستحيا العمرَ في مِحن
ومَن يحاربْ مَليك الناس ينهزم

© 2024 - موقع الشعر