ابني عمر هذه تحيتك! - أحمد علي سليمان

سَعد اليَرَاعُ ، وقد بدا يترنمُ
ولمحتُ في عينيه نوراً يبسُمُ

والبُشريات - اليوم - زُفتْ والهنا
وتكاد - من فرط الهَنَا - تَتَكَلم

والقلب تَغمُرُهُ السعادةُ ، والهوى
والروح داعبها الجمالُ الجَيلَم

والنفسُ في الأفراح تقضي عُمرها
ولها أريجٌ بالحفاوة مُؤدم

وغزا القريضُ طويتي وقريحتي
أما الضمير ، ففي صداهُ مُتيّم

ذي بهجةٌ سادت ، ودارٌ أُسرجتْ
بسنا الحُبور ، وعزمتي تَتَنَسَّم

اللهُ أكبرُ يا يراعةُ صوّري
فصغيرنا الفاروق مَن يتقدم

هاتي القريضَ ، رطيبة نغماتُه
إن الفؤاد - على الصَّفا - يتنغم

واستنشقي الأوزان عبر بُحورها
إن اللحُون على الرويّ تُخيم

وتَعَطري بالشعر ، إن أريجهُ
ذهبٌ سبيكُ الحُسنِ ، أو هُوَ أقوم

وضعي- على الألفاظِ - أنقى بهجةٍ
إن الطُيُوف لوقعها تستسلم

من كُل طيفٍ ، فاستعيري نفحةً
فالشوق - فوق رحيقها - يتهينم

وعلى بريق الحُب طيري للمُنى
واستمطري الأطيار دُراً يُقدم

أنا يا عُيُون الشعر ثاوٍ دائماً
واليوم يَغمرني السرورُ الحندم

وأُمازح الأطياف في شعر الهَنا
وأدللُ الآفاق ، لا أَتَكتم

هذا الوَليدُ وديعةٌ أودعتها
عنها سيسألني المَليكُ المُنعم

جاءت فغرّد خاطري ، وجوانحي
إن السُّرور بها لنعم المَغنم

وتخَلَّلتْ رُوحي بكل لطيفةٍ
كان الفؤادُ بمثل هذا يحلُم

حتى إذا أضحَى خياليَ واقعاً
نقشتْ قراطيسي ، وفاض المَرقَم

عُمريةٌ زَهراءُ ، يلمعُ وجهُها
وجبينُها ، والشعرُ أسودُ فُسحُم

والعِطرُ فيها شهدُها ورضَابُها
والثغرُ من أعماقه يتبسم

مَعسُولةٌ ألفاظُها ، ورموزها
ويُزيلُ حُزن النفس رَمزٌ مُبهم

هي غُصَّةٌ في حلق كل مُخذل
من عاشر الحَمقى إذن لا يسلم

والمرءُ يشكو لِلمُهيمن مَن طغى
إني أقُولُ الحق لا أتوهم

ولكل مظلوم ستأتي ساعةً
يتجرع الظُلمَ البغيضُ الأظلم

يا أيها الفاروقُ تِلك تحيتي
سَطرتُها شِعراً ، يجود ُ ويُكرِمُ

يا باسماً في المهد تشرح خاطري
والصَّوت أبلجُ ، والفتى يترنم

دُنياك قد مُلئتْ بشر قاصلٍ
وعلى جَحيم ضلالها تتجهم

وهُدى الإله فغائبٌ ، ومُغيبٌ
والشرُّ مقرورٌ ، وعاش الخُوم

ومضت - على رغم الأنوفِ - بَداوةٌ
ومضت (قُريشٌ) ، ثُم زالت (جُرهُم)

وشريعةٌ من عالم الدُنيا مَضتْ
والباطلُ الممقوتُ بعدُ مُحَكّم

والدارُ تشكو حالها ، ومرارها
وجحيمها ، والعيشُ فيها علقم

فرش الشقاءُ عباءةً دمويةً
فوق الأنام بها ، وقد جف الدم

والمُخلص المِعطاء أمسى خائناً
والخائن الغدارُ ، ها هو قيّم

يا ليت شِعري ، والحياة كئيبةٌ
وبكل نارِ عذابها تتضرم

كيف السبيلُ إلى إعادة شأنها؟
إن الخطوبَ بها غدت تتضخّم

عجباً أيسمو الهرُّ في هذي الدنا
في حين ينتحر الأبيّ الضيغم؟

عجباً ، أيبتسم الخليعُ حياتهُ
والحُرُّ - في آلامهِ – يتحطم؟

عجباً ، أيغدو العَبد فيها سيداً
والحُرُّ - في رق العُبُودةِ – يُقحَم؟

عجباً ، ينامُ الوغدُ فيها آمناً
وترى المُوحّد - في الشقا – يتحمحم؟

ويُدانُ مَن والاهُ ، رغم براءةٍ
ويُبرئُ العادين فيها المُجرم؟

وغدت حياةُ العِز فيها مُرةً
أما حياةُ الذُّل ، فهْي الأعظم

يا أيها الفاروق ، هذي فِتنةٌ
وفئامُنا - في نارها - تتبرَّم

وأبُوكَ - في هذي الدنا - مُتحيرٌ
وكما ترى في ضيقه يتألم

ويَبيتُ - في أسقامهِ - مُتململاً
وتراه في أناته يتلعثم

يبكي الفضيلةَ والهداية والتُقى
والعزم أبكمُ ، والعُرَى تتأزم

لكنني في يومِ مَولدك انبري
تُ لكُربتي ، فلك المقامُ الأعظم

وفلقتُ هامةَ مِحنتي بضراوةٍ
واستبشرَ القلبُ الذي لا يسأم

وطفِقتُ أشكرُ ربنا ، ثمُ التي
حملتك في الأحشاء يا ذا الهيثم

أمٌ وربِّ الناس لم أر مِثلها
تحنو على الأطفال ، لا تتجمجم

أمٌ ، وربك فيك عانت ، واشتكتْ
ولكم رأيت طُيوفها تتهشم

ورأيتُ من آلامها ، ما لم يدُرْ
بخيال مَن يدري ومَن يتفهم

أسميتُك (الفاروق) بعد ترددٍ
وبرغم أنك في فِراشك أعجم

لكنما لُغةٌ على شفتيك نش
وى ، أنتَ فيها مُفصحٌ مُتكلم

مِن أنك المِغوار مذهبُك التقى
ولكَ الحُسام ، كذا الجوادُ الأدهم

والعزُّ فيك سَجيةٌ عُمريةٌ
والدِّرةُ العَصماء ، لا تتحلم

لكنها تقتص دُون تشاور
وبها يَزول تَظَلمٌ وتبرم

ويمينُك الفُضلى تُزخرف دِرةً
ووراءها (الفاروقُ) راع أحزم

إنْ يُذكر الفاروقُ يُذكرْ عدلُه
فالعدلُ - في أفعاله - يتجسم

إنْ كنت أنسى لَست أنسى يوم ع
زّ الحَق بالفاروق ذاك القَيِّم

نصرَ الحنيفةَ ، لم يكُن مُتخوفاً
وتحققتْ للمُسلمين مهابة وتغنم

وكذا أُريدك للحنيفة نصْرَها
كُن مثلهُ ، يا أيها المُتبسم

لا يصرفنْك اللينُ عن نصر الهُدى
واحمل حُساماً ، قد كواني المِرقمُ

إن كنتَ يا ولدى لبيباً ، فانتبه
فالسيفُ يرهبهُ المُضلُّ الأرقم

يا أيها الفاروق عِزكُّ مأملى
وصلاح أمركَ ذاك عندي المَغنم

وحّدْ إلهكَ ، كُن حنيفاً مُسلماً
لا ألفينكَ - في الورى - تتمسلم

وادرُس حنيفتكَ العظيمةَ ، إنها
زادُ الفتى ، إن حل يومٌ أيْوم

وأراك بالتوحيد في الدنيا الفتى
وإن اعتراك الفقر إنك أحلم

فاصبر على فقر يُريدك مُشركاً
أو جاهلاً هو في الضلالةِ قشعم

واصمُد إذا ضل الورى دربَ الهُدى
واربأ بنفسك أن يُذلك درهم

واشمخْ بأنفك عن تنفس باطل
فتنفُسُ التضليل بِئس المَعلم

إن الحياةَ رخيصةٌ ، لا تُغلها
وغنيّها ماض ، ويمضي المُعدم

يا مَعقد الآمال ، يا عُمر الفدا
إني الحروفُ ، وأنتَ شعراً تنظم

والشعر هذا ، أنت قد فجرتهُ
عبر اليراع ، فداعبتْهُ الأنجُم

فتهللتْ أعطافُه بِشراً ، وأحيا
صحوتي ، بوركت يا ذا البُرعم

أفدي أبا حفص بروحي قانعاً
بصراحتي وعزيمتي نطق الفم

ولهُ أُحبّرُ في القريض محبتي
حتى يَهيم بما كتبت الهُوم

واللهَ أسأل أن يُعز الدين بال
فاروق ، هذي دعوةٌ تتنسم

إني أُعيذك أن تكون مع الغُثا
لقد اشترى دين الغُثاء الديلم

وأذاقَهم في الأرض ألوان الشقا
وكذا العَذابُ على الغُثا يتردم

لك مَوتةٌ - بالرغم - سوف تموتُها
فاعمل لآخرةٍ تَسودُ ، وتسلم

أنا يا بُني أُريد مِنكَ ترفُّعاً
عن هذه الدُّنيا ، فدربكَ أعظم

مُت في سبيل الله تلك وصِيتي
وكن الأبيَ إذا الأنام استلأموا

أرخصْ حَيَاتَكَ للإلهِ تقرُّباً
وكن البصيرَ ، وإنْ رفاقُك قد عمُوا

لا تكتمن الحَقَّ خشيةً ظالم
فالحقُ عند رجاله لا يُكتم

والموتُ أفضلُ من حياةِ مذلةٍ
وعلى فوات الفِلس نذلٌ يندم

لا تصحبن الغِرَّ تلك بَليةٌ
لا يُخرب الإنسانَ إلا الخُوم

إن لم تجد في الناس إلا مُعرضاً
أبداً ، وعمّ الكونَ جهلٌ أسحم

وقد استحل القومُ كل مُحرّم
واستعذبوا السوآى ، فعَمّ المأثم

وترنح الشيطانُ في دنيا الورى
والناسُ عن هَدْي المُهيمن أحجموا

وتنكر الأقوام حتى للحيا
وإذا نذيرٌ دلهُم ، لم يندموا

وتمرغوا في الوحل دون غضاضةٍ
وأعِدّ في وجه التقاة الصيلم

فارحلْ عن الأرض التي فيها الأذى
فالذلُّ والموتُ المُحقق توأم

فإذا مُنعت من الرحيل فلا تهن
فالكرب يُفرجه القوىُّ المُنعم

دارُ المُقامة ، يا بني عزيزةٌ
ولمن تقاعس في الحضيض جهنم

عِش للحنيفة ، أنت ضيفٌ راحلٌ
يدعوكَ للأخرى الكِتابُ المُحكم

أنا قد نصحتك ، والمُهيمن شاهدٌ
والقدوة المثلى النبيُ الأكرم

صَلَّى عليه اللهُ مادامتْ سَما
وأبوك بالتذكير هذا يَختم

وإلى لقاء عند ربك ، يا فتىً
والله يحفظُنا به ، ويُسلم

واللهَ أسأل أن يعُيذك فِتنةً
عمّت بقاع الأرض ليست تَرحم

© 2024 - موقع الشعر