ابني صلاح الدين هذه تحيتك! - أحمد علي سليمان

الحمدُ لله ربّي الخالق المُبدي
فهْو الجديرُ بكل الشكر والحمدِ

فأحمد الله من قلبي وأشكرهُ
وشكرُ رب البرايا منتهِيَ قصدي

وأستعينُ مليكَ الخلق قاطبة
وليس لي مِن ذُرى الإذعان مِن بُد

فاللهُ مِن صولة الطغيان منقذنا
واللهَ في لُجج الديْجور أستهدي

أستغفر الله من ذنبي ومعصيتي
فهْو المُعين على الإخلاص والهَوْد

إني أعوذ به من كل ما اجترحتْ
نفسي اللجوجُ من العِصيان والصد

فإن مَن قد هداه الله مغتبطٌ
ومَن أضل فقُل: مَن ذا الذي يهدي؟

وإن ربي إلهٌ واحدٌ أحدٌ
برا الأنام وأحيا الأرض بالجَود

وأن (أحمد) خيرُ الرسْل أجمعهم
دعا الخلائق للإيمان والرُّشد

وبعدُ يا أمة الإسلام آلمني
ما أنت فيه من الإذلال والكَمد

وأدمع القلبَ ما تشكين مِن كُربٍ
وأحزنَ الروحَ شرّ النيل والحَصد

وقرّح الجُرحَ أنْ هان الرجالُ وما
ثاروا على المستبد الغاضب القِرد

إني أتابع أخباراً تسربلني
ولا أفرّق بين العُرْب والكُرد

لأن دين الهُدى بالأمس علمني
أن الهُداة لهم في دارنا أيدي

وأن أهل الهُدى أهلي وإن بعُدوا
فهل تغير هذا الشرعُ من بعدي؟

وهل تدنس أقصانا وصخرته
والقدسُ هل آذنت يا أهلُ بالبَيْد؟

وهل صحيحٌ: رحَى صهيونَ دائرةٌ
على الديار بلا رفقٍ ولا تَيد

وهل صحيحٌ: شِراكُ الكفر ماثلة
تجتثّ داري بكل العزم والحَفد

وأن أهل الصليب اليوم قد برجوا
وآلة الحرب في أرحابنا تُردي؟

تُدمّر الكل لا تنوي مهادنة
والأرضُ ترعد مِن تكشيرة الجُند؟

وأن دين النصارى الآن زاحمكم
وأن صلبانهم في الدار كالبند؟

وأن صوت بني إسريل أخرسكم
حتى عَمدتُم إلى الإخلاد والرَّقد؟

أهلُ الكتاب نعم لكنهم كفروا
وحاربوا كل مَن بالسلم مُستهد

بالأمس أعطوْا بكل الذل جزيتهم
لأن سادتنا في الدار كالأسْد

ما بالنا اليوم نستجدي أصاغرهم؟
ولا يُعيرون آذاناً لمُستجد

هذي الدغاول مَن في الدار أوجدها
ومَن أقام حضيض الذل في البُلد؟

ومَن أزال سياجاً كان ملجأنا
عند الشدائد شرعَ الخالق المُبدي؟

ومَن رمى أمة الإسلام فانقسمتْ
حتى انزوتْ في لظى التشتيت والبُد؟

ومَن تفرعن حتى اجتاح بيضتها
ومَن تسلح بالتمييع والحَود؟

ومَن تطاول لم يرحم تضعضُعها؟
وبعدُ أسلمَها للسير واللُّورد؟

ومَن تمكّن مِن أعناق مَن ركلوا
هذا الهوان فسلوا السيف مِن غَمد؟

وكيف عادت بلا نصر كتائبُها
واحلولكتْ حالها بالغُل والقَيد؟

وكيف عطل طاغوتٌ شريعتها
فما أقيم على الجانِين مِن حَد؟

فلم تُحَدّ بما نالته مذنبةٌ
بالرجم أو بلظى التغريب والجلد

والشرعُ يشمل دين الله أجمعَه
فهل أقيم ليحيا الناس في وُجد؟

وكيف تسمو إلى العليا رجالتها
وهم على الحق مثلُ الصارم الهندي؟

وكيف ترجو جنانَ الله جوقتها
وهم عباقرة في الإفك والكيد؟

وكيف تأمُلُ نصر الله سُوقتها
وهم يعانون بأس الضعف واللد؟

وكيف تدحر غاراتٍ تلمّ بها
في لجة الخِزي والتشريد واللمد؟

وكيف تحيا وقد حاكُوا هزيمتها
إذ أحضروا كفناً يمتد للحْد؟

وكيف تسمو بذي الدنيا وقد عدمتْ
مَن نصحُه العفّ في صدقٍ لها يُسْدي؟

يا أمة السلم والتوحيد لا تهني
فاليوم دَوْرُكُ فيهم بالغُ الفيد

أسَطِرُ اليومَ شعراً ما أحس به
فهل يروقك ما أحكي مِن النقد؟

صُفي الجحافل لا عليا لمن ركنوا
عمداً لدنيا فمَن للبأس والقود؟

ضدان ما اجتمعا: ظلمٌ ومَعْدلة
شتان يا قوم بين التمر والهبد

وأعلمي الكفر أن الحق منتصرٌ
وأن جُرح الهُدى يتوق للضمد

(حِطينُ) عنا ورب الناس ما بَعِدتْ
والجندُ تزحف نحو الفوز والخلد

والخيلُ ضابحة تزينُ ملحمة
تختالُ تحملُ تاج العز والمَجد

وتقدح النار في الهيجا سنابكُها
تمور لا تشتهي عيشاً لمُرتد

تعطر الأرض بالمسك الطهور دماً
شذاه أطيبُ عندي مِن شذى الرند

إن الجهاد عُلوٌ لا يُطاوله
جيلٌ تثاقل للدينار والوهد

فينا القراْنُ ولم تنسخ شريعته
فذا كتابٌ إلى درب التقى يَهدي

وسُنة خيرُ خلق الله فصّلها
أنقى مِن النور بل أحلى مِن الشهد

يا أمة الخير مِن هذا المعين خُذي
معالمَ الدرب نحو الأمنِ والنجد

تمسّكي بعُرى القرآن واعتصمي
بحبل ربك لا عمروٍ ولا زيد

بالأمس خضنا بلا خوفٍ معاركَنا
فالخوفُ عند لقا الأعداء لا يُجدي

وجندُنا دفعوا أثمان عِزتهم
مِن أنّ ما قد مضى لا بُد يَستبدي

جندُ العقيدة لا تلوى عزائمُهم
وغيرهم يُشترى بالصك والنقد

جندٌ تذيق العِدا سُوآى تطاولِهم
بالسيف يَهدر لا بالقول والسرد

وتلقِمُ الكفر أحجاراً تؤدبه
وتقذفُ النار في أحراش مُحْتد

وسائلوا الشام إن الشام شاهدة
مَن رد كيد العِدا في الساحل الجرد؟

مَن حرر القدس مِن صُلبان مَن كفروا
ومَن تسلح بالإيمان والذود؟

همُ الجنودُ ورب الناس ناصرُهم
إن حققوا النصر باتوا في سَنا الحَمد

يا أمة النور إن الأرض مُظلمة
فنوّري شُعلة المصباح بالوقد

وأسرجي الخيلَ خلف الحاملين له
ولا تخافي مِن التوهين والرصد

وأشهدي الله مَن سواه ينصرهم
سُبحانه مِن نصير قاهر فرد

هيَ العقيدة تحمي مَن يعيشُ لها
والله يحرسُ مَن بالشرع يَستهدي

والدينُ طوقُ نجاة لا يلوذ به
مَن أمعن السير في الإفلاس والجحد

لا يستوي مَن هَدى المَوْلى سريرته
ومَن تمرّغ في الكُفران والحَيد

لا يستوي مَن رسولُ الله أسوتُه
ومَن تقفي خطا النمرود والجَعد

يا أمة النصر هذا الليلُ حُلكَتُه
طالت عليكِ أمَا لليل مِن حَد؟

تجمعتْ زمرُ العادين يَقدُمُها
ثأرٌ تلوّث بالإرجاف والحِقد

أهلُ الصليب وأهلُ السبْت غايتُهم
مَحقُ الحنيفية السمحاء عن عمْد

وحربة السيخ والهندوس ما فتئتْ
تجتثّ أهل التقى في السند والهند

وسائلي الصرب في البلقان ما فعلوا
ما بين مُخفٍ لمَا دكّوه أو مُبد

مقابرٌ جَمعتْ أجساد إخوتنا
والنارُ تبحث عبر الحرْق عن خمد

واستنطقي كتبَ التاريخ كم حفظتْ
مما حوتْ مُهجُ الباغين مِن حَرد

واستقرئي واقعَ الكفار إذ جعلوا
مِن دُورنا هدفاً للدَّك والحصد

واستشهدي في ديار الكفر مَن عقلوا
فإنهم أظهروا حقيقة اللد

واستكتبي شعراءَ القوم إذ جهروا
وشعرُهم في بيان الحق كالوَرد

تلونت في جوى أبياتهم صورٌ
مِن الدموع تُسلي مُسكَة اللَّمد

أقلامُ صدقٍ لها في الصدع مَلحمة
ما بين مُدّرعٍ بالنصح أو مُسد

حادوا عن الحق لكنْ شعرُهم بعُدتْ
به الحقائقُ عن زُور وعن مَيد

لم أمتدحْ قط ما دانوا وما اعتقدوا
لكنْ أقولُ بما في الشعر مِن جَود

يا أمة الجهر بالتوحيد فاعتبري
وخل عنكِ دموعَ الحزنِ والوَجد

هو الجهادُ يردّ اليوم هيبتنا
فمَن يضحّي لأجل الدين أو يَفدي؟

ومَن يُجَرّد سيفاً كي يؤمننا؟
شتان شتان بين الأمن والزؤد

ومَن يردّ ديار السلم إذ غُضبتْ؟
ومَن يقود خُطا المَحزون للسعد؟

ومَن يصد بسيف الحق مَن نهبوا
يرمى به رمية (المِقداد) أو (سعد)؟

ومن يُقوّم بالتقوى مَن انحرفوا
ومَن يُقيل عَثار الحال بالأيد؟

ومَن يؤسلم أوضاعاً مضللة؟
ومَن يُعيد صِبا المُلتاعة الخَوْد؟

ومَن يكون لهذا الدين مَعدلة؟
فإنه اليوم مُحتاجٌ إلى العضد

ومَن يقود له في التيه خندمة
تعيد حق الورى مِن ظالم وغد؟

تصطاد جهراً رؤوسَ الكفر خاضعة
ونعم هذا الذي تجنيه مِن صَيد

سيلاً تُريقُ دمَ المستعمرين بلا
رفق وتُردي بسيفٍ قاصلٍ صَلد

تردُّ هجمة مَن نالوا كرامتنا
وجرّعونا كؤوس الذل والوّأد

رداً يؤدّبُ مَن حادوا ومَن فجروا
أجملْ بما شاده الأبطالُ مِن رد

رداً تُغنّيه للدنيا حمائمُنا
نشيدَ صِدقٍ حلا من جَوْقةٍ غُرد

لا يستوي هائمٌ في الأرض يعبدها
ومَن يتوق إلى العلياء بالجُهد

ضدان ما اتحدا كلا وما التقيا
شتان شتان بين الفرث والزُّبد

يا أمة الحق أرواحُ الألى سَبقوا
تختال في عبقٍ أنقى مِن الورد

موتُ الفتى خطه الرحمنُ خالقُه
لا يَفرِقُ الموتُ بين الحُرّ والعَبد

فيمَ التعلق بالدنيا وزينتها؟
لا يَجمع الفذ بين الضد والضد

أينشد الفذ في الدنيا سلامته؟
أبئسْ بما يدّعي المَفتونُ مِن نُشد

هل يأمن المسلمُ الدنيا إذا ابتسمتْ
واللحدُ يرقبُ مَن يَصيحُ في المَهد؟

أواه كم يعبدُ الدنيا دهاقنةٌ
ويُمعِنون حِيالَ المال في صَّمد

وعندما تمحق الدنيا سعادتهم
وتبتليهم بفقد المال والوُلد

وتستبدّ بهم في غير مرحمةٍ
ويُصبح الحالُ في مُستنقعٍ نَكْد

تلقى لهم نُدَباً في الناس جامحةً
وليلُهم يشتكي مِن وطأة السُّهد

لا يقنعون بعيش دونَ ما ألفوا
والعيشُ كالبحر بين الجزر والمد

حياتهم خبثت: قلباً وقولبة
لأنها حُبستْ في الأكل والنقد

هل يستوي عيشُهم يوماً ومَن صلحوا
شتان يا خلق بين الظل والصَّهد

هل تستوي عيشة التقوى بزخرفها
وعيشةٌ سفلتْ في وهدة الأود؟

يا أمة الظفر الموعودِ فابتشري
وودّعي ما اعتراكِ اليومَ مِن رَجد

وإن رأيتِ رحى الأعداء فاصطبري
يوماً تكُف عن الإحباط والعَصد

ورابطي أملاً في نيل مَكرُمةٍ
وصابري إن تمادى الكفر في الرعد

إن الجهاد له بذلٌ وتضحية
كيلا يكون لمولى الخلق مِن نِد

كي يُشرق الشرعُ في أرضٍ تموجُ بنا
وكي يعود السنا مِن عالم الفَقد

وكي يكون كتابُ الله مَوردَنا
والسنة النورُ خيرَ الزادِ والوِرد

وكي تصير حدود الله نافذة
فلا يُعطلها شيء مِن الرَّود

والمستهينُ بها فالسيفُ موعدُهُ
وإن تناءى بأرض الصين والسند

فالعُود يبقى إذا كان اللحاءُ له
دِرعاً ويَذهب بالتقشير والجَرد

هل يستوى القش في عصف الرياح إذا
هبت تزمجر تذروه مع الرَّيد؟

والصخرُ يَجْمُد إن طاف الزمانُ به
وبالغت قسماتُ الصخر في الجَمد

يا أمة باءَ بالخسران شانئُها
فلتحصدي مُهَجَ الهتافة الحُرد

إني أعيذكِ أن تأوي لبسمتهم
كيلا تعيشي دهوراً في لظى الكَمد

توحّد اليومَ حزبُ الكفر في وضح
وهُم يُعانون بأس الضعف والثرد

حزبٌ يُريق دماء الصَّيد إخوتنا
في كل صُقعٍ ويبغي ضفوة الزيد

لا بد للأمة العصماء مِن رجلٍ
يَهدي الأنامَ به المُهيمنُ المُبدي

يوماً سيأتي وإن غابت ولادتُه
جادت به (مُضرٌ) أو جاء من (مَعْد)

يوماً يسود وإن غصَّ المخاضُ به
وكل طفل له قِسْط مِن السَّخد

لا بد للبُسْر أن تسود خِلعته
كي يَطعم الناسُ أكواماً مِن الثَّعد

لا بد للحُصرم المخضرّ مَنظرُهُ
مِن مُهلةٍ لتُرى طلاوةُ العَجد

لا بد لليل مِن فجر يُبدّدُهُ
والليثُ لا بد ماحٍ صولة السَّبد

لا بد للمؤمن المأسور مِن فرَج
يحظى به مِن مليكٍ ناصر فرد

لا بد للحق مِن نصر يَتيهُ بهِ
وأهلُه في شجىً شادٍ وفي وُد

شتان بين حزين القلب مضطرب
وبين منشرح الإحساس والكِبد

لا يستوي مَن غزا في الله محتسباً
ومَن يُقضّي زُهاءَ العمر في النِرد

لا يستوي مَن بكى أحوال أمته
ومَن يَسحّ دموعَ العين في الخُلد

وبين مَن سَرقتْ (ليلى) عواطفه
أو والهٍ بات مصروعاً على (دعد)

أو عاشق منتهِيَ آمالهِ نظرٌ
في وجهِ مائسةٍ مَمْشوقة القد

وثالثٍ يرتدي لُبس النساء له
قُرط وأسورةٌ تدور في الزِّند

وقد تلون بالمكياج في ختر
أما الخضاب فزادت صفرة الجِلد

ورابع ليّنٌ كأنه امرأة
تباً له مِن رقيع ساقطٍ مَغد

أمسى يُردد أشعاراً منغمة
تُزري بآهتها قصائد (الفَند)

وخامس قلبُه يرنو لآنسةٍ
كحيلة الطرف أو مملوءة اللُّغد

وسادس روحُه هامتْ مُرفرفة
بغادةٍ خجلتْ مِن سيئ اللبد

وسابع نفسُه لا شيء يَشغلُها
سوى التغزل بالأهداب والخد

وثامن قد ثوى إحساسُه ثملاً
في نشوة القُرط أو في لمعة الخد

وتاسع قد هوى وجدانُه جزلاً
في حب عاشقةٍ تهواه عن بُعد

وعاشر قد سبا شعورَه قدمٌ
مِن بعد أن غاص في إرهاصة النهد

هل يستوي مَن تردى في رذالته
فكان في الناس مثل الكلب والعرد؟

ومَن تسامى عن الزلات يركبُها
ورتل الآي مثل البُلبل الغَرد؟

شتان بين تُقىً سامٍ ومعصيةٍ
شتان شتان بين المُرّ والقندِ

هل الصقيعُ يُساوي الحَرّ منزلة؟
شتان شتان بين الدفءِ والبَرد

يا أمة العز يشدو في مَدارجه
وإن قلاك فمَن هذا الذي يُبدي؟

كنا جهابذة الدنيا وقادتها
حتى طُردْنا وذقنا غُصة الطَّرد

كيف انزوتْ في الثرى آفاقُ سؤدَدِنا
حتى غدوْنا بوجهٍ جِدّ مُسود؟

كان الشباب كأسْد الغاب مَلهبة
ما باله اليوم كالغادات والمُرد؟

أرخى العِنان لأهواءٍ تحطمه
وبات يهزأ بالأخلاق والزُّهد

رمى حِبال الهُدى في حِجر غانية
حتى انثنى فغوى بالكأس والسَّمد

شدته نحو الردى أحبالُ فتنتهِ
والغِر أمعنَ في الإعجاب والشد

قادته للمنتهِيَ سوآى دجاجلةٍ
حتى استكان لذل القيد والقود

وقد أرادوه مفتوناً فطاوعهم
أبئسْ بما رغبوا للغِر مِن رود

أواه كم تقتل المقبوح شهوته
فلا يُميّز بين الهزل والجِد

بل يرعوي لدعاة العُهر مشتغلاً
بلوثة الدُّعر عن بُحبوحة الرُّشد

ولم يُرع سمعَه يوماً لمنتهج
نهج الرسول فأمضى العمر في العند

وكان أحرى به أن يستجيب لمَن
يُريده فرحاً في جَنة الخُلد

ليس التشدق بالإيمان منقبة
كلا ولا بادعاء الخير والهَوْد

وإنما النطقُ والأعمالُ في دأب
وفق الشريعة لا بالأخذ والرد

يا أمة الرشْد جدي السير عازمة
وضاعفي خطوات السعي والوخد

أواه لو لمحتْ عيناك جحفلنا
يطوي الفيافيْ إلى أن قر بالجد

لم يعط أهل صليب الكفر مُهلتهم
لا خير عند جهاد الكفر في الرود

وقد أقام خيام النصر مرتصداً
جُندَ العدو وأرخى حفرة القتد

والخيلُ تصهل ترجو دكّ باطلهم
تحرّض الجند بالإرعاد والزغد

والأرضُ تبسُم للأجناد ضاحكة
والرملُ يسطع في وهدٍ وفي نجد

والبحر يُرسلُ أنساماً معطرة
في شاطئ عبر هذا البحر ممتد

والطيرُ تصدح بالأنغام شادية
تزيل ما في شغاف القلب مِن هَيد

والموجُ قد حمَل البشرى يهنئنا
بخاطر مِن صَدى الأفراح مشتد

حتى السيوفُ بأيدينا تكلمنا
أن العِدا حالهم عند اللقا مُرد

وكل درع له جَرْسٌ وهمهمة
ولمعة تذهِب الأبصارَ كالقلد

أما الرماحُ فجدّتْ في تحيّتنا
وبشّرتنا بعيش وارفٍ رغد

وكل سهم له وَقعٌ وأغنية
تكيل للجند عزم القلب بالمد

وكل طِرسٍ رمى طيفاً لحامله
وقد تصبّغ بالترياق والهَرد

حتى إذا التحم الجيشان كان لنا
نصرٌ مِن الناصر المهيمن الفرد

حتى رأيت صليب الشرك منجدلاً
أوهِيَ من الطين أو أخزى مِن القد

وجرّ (ريتشاردُ) أذيالَ الشقا أسِفاً
ونحن ندأب في الشكران والحمد

وفرْقُ ما بيننا لا لفظ ينعتُه
كالفرق بين سُكون القلب والكد

كأنه لم يكن يوماً بمتبع
(محمدَ) السلم لكنْ عابد (الوَد)

حتى إذا رفعتْ حِطين ناصية
بيضاءَ تنظر للغادين في الهرد

حِطينُ في عرسها والناس في شغل
والعرسُ يحفل بالأنغام والإد

هيَ العروسُ شدا بالفخر موكبُها
فأنشأت تغمر الشادين بالورد

والشامُ أهدتْ لها مِن كل باديةٍ
أرجى الخيول شِدادَ الباس بالبجد

فأشرق العرسُ عِرفاناً بما بذلتْ
هذي العروسُ وجاء الناسُ بالوفد

أما الوليمة فالألفاظ عاجزة
عن وصفها ومذاقُ الأكل كالشهد

والناس تنهب في عشق وفي شرهٍ
وأكملوا ليلهم في العَب والخضد

وفي دلال أتت (حطين) باسمة
تدْلي بدلو السخا والجود في البود

تسقي الأنام وتهدي للقرى كرَماً
يفوق ما بذل الأسلاف مِن أزد

وزوجُ (حطين) صدقاً كلُ ذي شرفٍ
وكلُ شهم جسور مُسلم قمد

حتى إذا وُلد الفجر الضحوك مَضوْا
وسار آخرُهم في أول الرأد

وسجلتْ كتبُ التاريخ ملحمة
كانت عروس الدنا كأسَ المُنى تسدي

واليوم أمست ترى آثارها خبراً
وما لأحداثها الشمّاءِ مِن عد

وكفكفتْ دمعها (حطينُ) ثاوية
تبكي على الدار والتمكين والحشد

يا ليت شعري فمن يأسى لكربتها؟
ومَن يُخفف وقع العار والثأد؟

ومَن يعيد لها شأناً يليق بها؟
ومَن يُفتش في الأصقاع عن رد؟

ترهلتْ أمة الإسلام وانحدرتْ
وأصبحتْ تشتكي مِن وطأة الوبد

وذكْرُ (حطين) أمسى لا يروق لها
وفي لظى التيه ذاقت غصّة الهبد

كأنّ (حطين) في تاريخها شبحٌ
أعطافه لفِحَتْ مِن شِدة الرثد

هزي إليك بجذع الحق أمتنا
واستحلبي النور في بُحبوحة الرفد

ودعّمي بعُرى الإسلام أدؤرنا
فالسلم يعلو ببذل الوُسع والوَطد

وخل عنك أبيت اللعن صَعلكة
يعوقكِ الهزلُ عن طلاوة المجد

والآن أختم ما صدقت مبتهلاً
إلى المليك بنصر مُغنِم الفيد

وصل رب على المختار أسوتنا
هدى الأنام لدين المُنعم المبدي

وصل رب على آل له نخَب
كانوا على الأرض بين الناس كالبند

وصل رب على صحب له نجُب
كانوا لقائدهم مِن خِيرة الجند

وصل رب على قوم له اتبعوا
وأخلصوا الدين بالإحسان والحمد

وصل رب على قوم لهم تبع
حتى قيام الورى للواحد الفرد

© 2024 - موقع الشعر