أسَّسْتَ بالتَّوحيدِ أعظمَ أمَّةٍ - حسن الحضري

أمُّ القُرَى تُزْجي أجلَّ سَلَامِ
يَهدي بِهَدْيِ الواحدِ العلَّامِ

النُّورُ أشرقَ في البقاعِ وعمَّها
بِشْرٌ تألَّقَ بعد طولِ ظلامِ

خيرُ البريَّةِ جاءها بشريعةٍ
غرَّاءَ تنطقُ عن بديعِ نظامِ

بالعدلِ والشُّورَى وفَيْضِ سماحةٍ
وجميلِ عفوٍ عن صنيعِ لئامِ

وسِدادِ رأيٍ كان منكَ وحكمةٍ
تبقَى عوارفُها على الأيامِ

لا أنتَ بالفظِّ الغليظ ولا الذي
تَنْبُو به الزَّلَّاتُ للآثامِ

بل أنتَ نُورٌ قد سرَى يهدِي به
ربُّ الورى مَن رامَ خيرَ مقامِ

يا رحمةً للخلقِ قد جادتْ بها
آلاءُ ربِّ الناسِ ذي الإنعامِ

أسَّسْتَ بالتَّوحيدِ أعظمَ أمَّةٍ
قامتْ بأمرِ اللهِ خيرَ قيامِ

وهدَمتَ صَرْحَ الشِّركِ في أغلاله
زفراتُه تُنْبِي عن الآلامِ

ماذا يقولُ الشِّعرُ في أوصافِه
أمْ ما يخطُّ النَّاسُ بالأقلامِ

زكَّاه ربُّ النَّاسِ في قرآنِه
فَعَدَاهُ عن مَدحٍ وعن إعظامِ

هذِي بِقاعُ الأرضِ تحسدُ بقعةً
قد سِرْتَ فيها، مِن ثَرًى وسِلَامِ

جاهدتَ في الرَّحمنِ حقَّ جهادِه
ما كنتَ تَحْذَرُ مِن رَدًى أو سامِ

بعقيدةٍ جَمَعَتْ شتاتَ فصائلٍ
هَبُّوا لِنُورِ الحقِّ غيرَ نِيامِ

خطَّ الإلهُ لهم طريقًا واضحًا
مَن ضلَّ عنه دَعاه شرُّ حِمامِ

يا أيها البَرُّ التَّقيُّ وشأنُه
فوق الذُّرَا يعلو أجلَّ سَنامِ

وحَّدتَ بين الخزرَجِينَ فأصبحوا
جَسَدًا تَمَاسَكَ بعد طولِ سَقَامِ

النُّورُ أنتَ وجئتَ بالنُّورِ الذي
قد حطَّ كلَّ ضلالةٍ وظلامِ

لو أنهم نهجوا سبيلَكَ لارتَقَوْا
دَرَجَ العُلا مِن خلفِ خيرِ إمامِ

لكنهم شطَّتْ بهم أحلامُهم
فهَوَتْ بهم أقدامُهم بِسخامِ

لم تَسْعَ لِلدُّنيا فكنتَ مُنَزَّهًا
مِن كلِّ شائبةٍ وكلِّ قتَامِ

لو شئتَ لانهالتْ عليكَ كُنوزُها
تسعى مُخَنَّعَةً على الأقدامِ

لكنْ علمتَ بأنَّ ذلك زائلٌ
فَصَدَدْتَ عنه النَّفسَ غيرَ فصامِ

قُلْ للَّذين تَقَاتَلوا في دربِها
ما كان صَفوُ العيشِ غيرَ حُطامِ

تَهدي إلى الرَّحمنِ خيرَ هدايةٍ
والقَولُ يُغْنِي عن قنًا وحُسامِ

تدعو بقولِ الفصلِ مِن آياتِه
والحُجَّةُ الغرَّاءُ خيرُ قِوامِ

هتفَ الحصى بِيَدَيْكَ للرَّحمنِ قد
علموا وحَنَّ الجذعُ بعد غرامِ

آياتُ ربِّكَ قد تجلَّتْ شمسُها
لِمَنِ استضاءَ وشدَّ للإقدامِ

قد خابَ مَن جعلَ الغَوايةَ نَهْجَهُ
يا سُوءَ ما يَسعى وسُوءَ مرامِ

بالمُحْكَمَاتِ من الكتابِ ودُونَها
متشابهاتٌ هُنَّ في الأحكامِ

يَرضَى بها ذو الفِطرةِ البيضاءِ لا
يرتدُّ بالكفرانِ والإحجامِ

أنتَ المشفَّعُ يومَ يذهلُ كلُّ ذي
لُبٍّ ويخنَسُ كلُّ ذي إبرامِ

يا خاتَمَ النُّبآء يا خيرَ الورى
يا سيِّدَ الثَّقَلَيْن أنتَ إمامي

لا يُطمِعُ الأدْنَينَ منكَ تعصُّبٌ
أو يُقْنِطُ القاصِينَ خَفْرُ ذمامِ

وإذا غضبتَ فليس إلا للذي
قد منَّ بالأنفالِ والأنعامِ

وإذا أمَرتَ فأنتَ خيرُ معلِّمٍ
وإذا نَهَيْتَ فأنتَ خيرُ محامِ

وتجودُ بالحسنَى على ذي سوأةٍ
فيعودُ متَّشحًا بخيرِ وئامِ

عَجَبًا لقومٍ كذَّبوكَ وحالفوا
أهواءهم في غفلةِ النُّوَّامِ

ما كذَّبوكَ وإنما جَحَدوا بما
أوتيتَ مِن فضلٍ وِمن إكرامِ

فَلْيَدْعُ داعيهم إلى ما أزمَعوا
وجُنودُ ربِّكَ فوقهم بالسَّامِ

سبحان ربِّ العرشِ في عليائه
عمَّا بدا مِن خسَّةِ الأقوامِ

لِيَضِلَّ مَن ضَلُّوا، ومَن شاءَ الهُدَى
فاللهُ ذو عفوٍ وذو إنعامِ

© 2024 - موقع الشعر