الحياةُ الهارِبَة.. - محمد عبد الحفيظ القصّاب

4-
الحياةُ الهارِبَة..
************
لو أنّ بيدي صولجانُ النهايةِ لحملتهُ على نفسي! .. فتنتهكْ حُرُماتُ الحياة ....!
إقراري بما سيأتي لعنةٌ واختيال .. تجربةٌ ستضطربُ في المواجهة .. وسيبلغُ حدّها الفاصلَ ما بينَ صمتِ النزيفِ وضجّة الجُرْح ..
ما بينَ هذي الحياةِ وتلكَ الهاربةُ من وعاءِ الروح ................
الهاربةُ على شاكلةِ الحياءِ من الموت..
وعلى أنّها ستهبني تلكَ الحياةَ لأنّها فقطْ كذلك ... سأكون في حياء! .
إنني أضعفُ في عيونٍ تحدّقُ في قوتي.. إنّها تطلبُ الحياة! .وتعشقُ فيَّ الجمالَ , عندما ترى...... ترى قُرى الموتِ مُشعَّةً أحلى من ومْضها تحتَ سِنّ الفرح .
هذي الحياةُ هاربةٌ.. لنْ تنتظرنا كي نقفَ معَ أنفسنا وقفةَ الباحثِ والمقتنصِ من لحظاتِ الاختيار ..
ما هو أكثرُ بُعْدًا .. مِنْ هذا المدى في اصطلاحِ الموت! .
كلّ اللحظاتِ ستهربُ من أناملِ سطوتنا ....
لمْ تنفعِ القيودُ التي أوثقَ بها العِلْمُ حركةَ الكونِ في حُكْمِ عالِم ....
ولا نفعتِ الرؤيا بلا حدودِها، والمشاعرُ بلا نضوبِها، والصورُ بلا تأطّرِها الفارغِ نحوَ العمقِ ... في قلبِ شاعر ..!
كلّما تقدَّمَ الزمنُ نحوَ نهايتهِ أورثنا مزيدًا من ضعفنا ...
وكلّما تقدَّمَ يستأثرُ فينا تخلّينا عنْ قوّتنا الهاربة ..
إذا لمْ نمتلكْ قوّةَ اللحظةِ السابقةِ ..أفْنَتْها اللحظةُ اللاحقة .......
إذا لمْ نمتزِجْ معًا كي نختبرَ أنفسنَا أمامَ قوّةِ الهروبِ سنلتقي معًا ممتزجينَ في الرؤيا ؛ تلكَ المسؤولةُ عنّا عندما نمعنُ في رفضِ أنفسنِا مِنْ كونِها ....ستكونُ التطلّعَ الواحدَ إلى الزمنِ الواحد ؛ إلى عشقنا كيفَ لهُ أنْ يتدبّر فيضانَهُ الهائلَ في ثقوبٍ واهنةِ الجدرانِ , يسبّبها مخرزُ الضعفِ الناشيءِ عَنْ فقدانِ القوّة ....
من تلكَ الحياةِ الهاربة ......
*********************
طفلُ الحرف(18)
محمد عبد الحفيظ القصاب
 
السبت 21 أغسطس1993
© 2024 - موقع الشعر