الهارِِبَة

لـ محمد الزهراوي، ، في غير مصنف، آخر تحديث

الهارِِبَة - محمد الزهراوي

الهارِبَة
 
ياوَجْهَها!..
إنّها جِرارُ خَمْرتِي.
تعالَى اللّهُ !..
يبْدو أنّ لِي
معَها شأْنٌ آخَرُ!
ما الّذي يَحْدُثُ ؟
عانَقَتْني وَغابَتْ.
ابْتَعَدتْ
عنّي كالْهِلالِ
إلَى الّلاقَرار.
وَلا آفاقَ تَليقُ
بِكِبْرياءِ الْقاتِلَةِ
غيْر كُنْهيَ فِي
هذا القَفْرِ وَحيداً
حيْثُ نتَبادَلُ
فِي هذا الْمَدى
حُرِّيّةَ عَراءَيْنا
حتّى الأعْماقِ.
إذْ نحْنُ صِنْوانِ
فِي الفَقْدِ..
ولكِن يَبْدو أنّها
تتَسلّى أوْ تلْهو
بِنَرْدِ حُزْنِيَ الشّرِسِ.
فكَمْ أنا أنْتِ
فِي هذِه الْغُرْبَةِ !
وصَوْتي
مُدَوٍّ يالْهاربَةُ
فِي قِطارِ لَيْل.
أنا أتكَبَّدُكِ
كمَأْسوورٍ..
أُلاحِقُ فيكِ
شَهَواتِ شَجَنِي !
وَلكِنْ لِكَوْنِكِ كالْعنْقاءِ
وصعْبَةُ الْمِراسِ..
يلْتَهِمُني الْخِذْلانُ.
وَما غابَ عَنّي
وجْهُكِ الغائِمُ النّظراتِ.
أنا ثَمِلٌ بِها
كما بِالْجمالِ..
بِكَمالِ البَهاءِ
وَبِصورَتِها البَعيدَةِ.
أُدنْدِنُها فِي الغَيْبِ
سَكْرى كَمُقَدّمَةِ اللّحْنِ.
هِيَ فِي خاطِري
مَحْضُ خُطوطٍ لِشَيْءٍ
غامِضِ البُعْدِ..
كنَصِّها الشِّعْريّ.
وقَد تغَرّبْتُ معَها فِي
حُقولِ قمْحِ الْجَسَدِ
وجَزائِرِ الظّلامِ.
كُنْتُ عِنْدَها ضيْفاً
عَلى التّكْوينِ..
وعِثْتُ فَساداً فِي
الذّهَبِ والفَيْروزِ
وكِتابِها النّبَوِيّ..
تَبادَلْنا حُبّاً وَحرْباً
أثْناءَ الصّلاةِ كَما
فِي مَعْبَدِ پينوسَ..
وكانَ لا لَيْلٌ
يَكْفينا وَلا خوْفَ
مِنّي عَلى الْمِزْهَرِيّةِ
ونَهْدِها الْمُقدّس.
هلْ تَمادَيْنا حتىّ
التّهْلُكَةِ فِي هذا
النّصِّ كَما فِي
حِكاياتِي كَسُلَيْمان
معَ طُغاةِ النِّساءِ ؟
كانَ لا مفَرّ..
وقَدِ ادّخَرْتُ كُلّ
العُمْرِ لِهذا التّهَتُّكِ
حتّى أُحافِظَ على
وحْدَةِ الْموْضوعِ
وسُلْطَةِ النّصِّ.
هذا هُوَ الْهَديلُ..
إنّها زِنْزانَتي تَغْمُرُنِي
حُبّاً كَغَريبٍ منْذوراً
لِلرّيحِ ووَحْشَةِ الْجِهاتِ
وامْرأَةٍ مّا والْمُكابَداتِ.
الْفاتِكَةُ بِيَ تَهْرُبُ
حافِيةَ القَدَميْنِ..
إذْ فاجَأَها لَغَطي!
هِيَ تبْتَعِدُ..
وَتعْتَرينِيَ مِثْل نَهارٍ.
تبْتَعِدُ وتسْتُرُ
نَهَمَ عُرْيِها
بِالأغانيِ والآهاتِ.
دَعوها تتَبَذّلُ..
تَعيشُ مَعي كُلَّ
هذا الْوُجودِ !
أنا ثَمِلٌ بِها وهِيَ
فِي التّيهِ كوَطَني!
هِيَ تبْتَعِدُ وأنا
الْمنْذورُ لَها أناديها
تعالَيْ ولا شِراعَ
غيْرُ يَدِها تُلَوِّحُ ..
وَلا أدْري لِمنْ فِي
الأفُقِ وَدُوارِ البَجْرِ
شاهِقَة الشُّموخِ..
بِعُلُوِّ الجِبالِ.
© 2024 - موقع الشعر