الذي قد أتى قد غبر - محمد زيدان شاكر

رحَلتَ غريبا وكنتَ غريبا
فيا ويح نفسي وويحَ الحُفَرْ
تراك ستلقى أنيسا بها
فتُنسيكَ ما كان عند البشرْ
تراك تُسَرُّ بذاك الهجوعِ
وتؤنِسُ ذاك الثرى والحَجرْ
وفي القبر كونٌ بعيد المدى
تُرَى سوف يحلو لديكَ القَدَرْ
حزين العيون حزين الخُطى
ولكن أتى يومك المنتَظَرْ
رحلتَ كئيبا وكنتَ كئيبا
أحَيَّا ومَيْتا تُحِبُ الكَدَرْ
فيا صاح مالكَ لا تنتهي
شرابُكَ مُرٌّ أيغدو أَمَرْ
لماذا رحلتَ سئمتَ الورى
حياة الظلامِ فَرُمت السفرْ
أثرت شجوني بغمر الردى
ولكن رحيلك فيه العِبَرْ
لمن كان يملك قلبا يَرَى
نقيَّ الأَنا و نقيَّ الفِكَرْ
فإيّاكِ يا نفسُ أن تغفلي
ففي غفلةٍ قد غدوتِ الخبَرْ
كأنَّكِ ما ذُقتِ طعم الحياةِ
ولا عِشتِ فيها لذيذ السَّمَرْ
عليكِ قبول القضا واذكري
بأنَّ الذي قد أتى قد غَبَرْ
وأنَّ الحياةَ كعصفِ الرياحِ
وأنَّ الفنا مثلَ زخِّ المَطَرْ
وبين الوجود وبين الردى
جسورٌ عليها جميعٌ عَبَرْ
وما القبر الا الضفاف التي
اليها الرحيلُ فذاك المقرْ
فلا تشغلنَّكِ هذي القشورُ
ولا تأسِرَنَّكِ هذي الصورْ
فهذا الخداع الذي في الدنى
سيبقى ليُلهي نفوسا أُخَرْ
فلا تطمعي أن تنالي الكثيرَ
ولا تُبحري كي تنالي الوَطَرْ
وإن جاء خير إليكِ افرحي
وكوني كقلبي لضُرٍ صبرْ
وعيشي الكفافَ فقد تهنئي
فتلك خصالٌ لعبدٍ شَكَرْ
فعما قريبٍ ستندو الضفافُ
وزادك ليس كثير الثمرْ
سلي صاحبي لو له أن يجيبَ
أليس وحيدا فأين الزُمَرْ
وأين الذين قضى قربهم
جميل الحياةِ وشر العمرْ
فهل من مجيبٍ وهل من أنيسٍ!
وهل من حبيبٍ يزيلُ الضَّجَرْ
سلي صاحبي هل أجاب الفتى
وقد ناحَ حُزنا أبي ما الخبرْ
أبي من سيرعى ضعيف القوى
وموهون قلبٍ أباهُ اندثرْ
ترى قد أجاب الفتى من غدا
صريعَ المنايا رهينَ الحُفَرْ
رحلت ضليلا وكنت ضليلا
وكان الردى يقتفي للأثرْ
سمعتَ أيا صاح لحنَ الردى
وكل سيسمع ذاك الوترْ
© 2024 - موقع الشعر