يا بلبل الدوح - سعد مردف

يا بُلبُلَ الدَّوحِ، شَاقَتنَا الأغاريدُ
متَى يُشَنفُ هَذَا الغُصنَ تَغرِيدُ؟

مالِي أراكَ تجوبُ الأفقَ مبتعدًا
وَمِلءُ جَفنَيكَ يَا ابنَ الروضِ تسهِيدُ

ألستَ مَن عَلَّمَ الأطيارَ شاديَةً
أغَانِيَ الفَجرِ مَا لاَحَت مواعِيدُ؟

وَفِي جَناحَيكَ هامَ الطَّرفُ مَا خَفَقَا
وبينَ ثوبَيْكَ حُلمُ الدهرِ موجُودُ

يَا شَاعِرَ الأمَّةِ العَربَاءِ هل نضَبَتْ
تلكَ القَوافِي و خَانَتكَ الأنَاشيدُ

أم عضّكَ اليَأسُ مما هَاجَ هاتِنَنَا
مِن نَائباتٍ لهَا فِي الصَّدرِ تنهِيدُ

أم هَل ذَوت نَغَمَاتٌ منكَ ناعِمَةٌ
أم صوَّحَت في الرُّبى تلكَ العناقِيدُ

إنِّي أُعِيذُكَ يَا حَادِي قوافلِنَا
مِن عِيِّ مَن سَكَتُوا مِن هَولِ ما كيدُوا

وأنتَ أُغرودَةُ الدنيَا إذَا وَجَمَت
ورفَّةُ الطَّيرِ إمَّا مَالَ أملُودُ

وبَسمةٌ في شِفَاهِ الأرضِ حالمِةٌ
وفَرحَةٌ سَاقَهَا للأرضِ مولُودُ

أمَا لحَرفِكَ بعدَ اليَومِ حَمحَمَةٌ،
وللمعانِي اللَّواتِي صُغتَ تردِيدُ

وهَل لعذبِكَ مِن كَأسٍ نُلمُّ بِهَا،
أَو نشوَةٍ فِي حَنَايَانَا لها عُودُ؟

تطرِيبُكَ الأمسَ أحيَانَا وَأنعشَنَا
وصَمتُكَ اليَومَ منهُ القلبُ مجهُودُ

فأنهَض بِلفظِكَ فوقَ الجُرحِ ممتَشِقًا
سيفَ اليراعِ ففِي هبَّاتِهِ الجُودُ

وَقُل بِشعرِكَ مَا يَشفِي جَوانحَنَا
ففِي الحشَا كمَدٌ كالبَحرِ ممدُودُ

وامسَح على الشَّرقِ آلامًا تُسَهِّدُهُ
يا شاعِراً قلبُه للشرقِ مشدودُ

أمَا استثارَتْكَ عَينٌ منهُ باكِيَةٌ
أو دمعَةٌ جرَّهَا للأرضِ عربيدُ؟

أو صَرخةٌ تتَلظَّى فِي مَرَاجِلهِ
كأنهَا عاصِفٌ ضاقَت بِه البِيدُ

أمَا استَحثكَ أقصَانَا ومقدِسُنَا
باتَت تُعَفِرُه الصمُّ الجلاَميدُ؟

وفِي مآذنِهِ حُزنٌ ومَلهَبَةٌ
مذْ شابَ آفاقَها البيضاءَ تلمودُ

وعَن فَلسطِينَ أذكَى طُولَ غُربتِنَا،
مِنَ اليهودِ غرابِيبٌ منَا كِيدُ

فِي كُلِّ شبرٍ لنَا هَمٌّ نكَتِّمُهُ
وفيهِ تجمعُنَا نَارٌ وأُخدُودُ

حظّ البُغاةِ علينَا الشربُ مِن دَمنَا،
وحظّنَا مِنهُمُ شجبٌ وتندِيدُ

لا أرضُنا حُرّةٌ يُرجَى الأمَانُ بهَا
ولاَ حِمانَا مِنَ العَادينَ مرصُودُ

أمسَت مُنَى أُمَّتِي في كفِّ مَن غدروا
وفارسُ الفتحِ فِي الأهلِينَ مفقُودُ

يا شاعِري غَالَتِ الأهوَالُ شارِقَنَا
فأينَ أنتَ وهَاتِيكَ الأغَاريدُ

قَد فَرقَت شَملَنَا الأهواءُ وانتَصرَتْ
فنحنُ مِن بَعدهَا قَومٌ أبَاديدُ

والغَربُ مِن فَوقِنَا ضَاءَت مَنارَتُهُ
وَنحنُ مِن تَحتِهِ أيَّامُنَا سُودُ

لاَ مَن يُنَشِّرُ رايَاتٍ لنَا نُكِسَت
ولا فتًى فِي يدَيهِ النصرُ معقودُ

فأينَ حَسَّان يحدُو الركبَ منطَلِقًا
وفي لسانِهِ للإسلامِ توطِيدُ؟

ومِن قَوَافِيهِ للأعدَاءِ دَمدمَةٌ
كالنَبلِ فِي غَلَسٍ سِيمَت بهَا السِّيدُ

وأينَ كَعب عَلاَ كعبُ الجِهادِ بِهِ
وفِي مطَالِعِهِ للكفرِ تفنيدُ؟

قَرائحٌ أيقظَت فَجرَ الزمَانِ ، وفِي
راحَاتِهَا أبدًا للحقِّ تأييدُ

كم أنشَدَت فاسترَقت أنجُمًا زُهُرًا
وأذعَنَت دُونَها تِلكَ المقالِيدُ

فلم يَزَل شِعرُهَا للمدلِجينَ هُدًى
وفِي مصَابيحِه للنهجِ تسدِيدُ

ومِن مَعَانِيهِ شادَ الأولونَ لهُم
صرحًا علَى بابِهِ شمٌ صنادِيدُ

يا ابنَ العروبَةِ والإسلامِ أنتَ عَلَى
ثغرِ العُروبَةِ والإسلاَمِ معدُودُ

وفِي بيانِكَ سَيفٌ مشرَعٌ وعَلَى
حَرفَي لسَانِكَ للبَاغِينَ تهديدُ

فغَنِّ مَا نَاحَتِ الغِربَانُ فِي وطنِي
فأغنياتك في أيامنا عيدُ

واحمِل لأمتِنَا فِي ليلِهَا شعَلاً
ففِي سَنَاكَ لهذَا الدربِ تعبِيدُ

وفي قصَائِدِكَ الغَرَّاءِ، جَامِحَةً
للرُّوحِ تزكِية ٌوالصفِّ توحِيدُ

يا بُلبلَ الدوحِ يَا نَامُوسَ نهضَتِنَا
أَنشِدْ فإنّكَ في الأقطَارِ منشُودُ

© 2024 - موقع الشعر