الحي القديم

لـ رضوان الحزواني، ، بواسطة رضوان الحزواني، في غير مُحدد، آخر تحديث

الحي القديم - رضوان الحزواني

طيوفٌ مِنَ الماضي كأُضْمومةِ الوَرْدِ
 
خَطَرْنَ بلا وعدٍ كأنّا على وعْدِ
 
فأيقظنَ ما قَدْ جرّحَتْهُ يدُ النّوى
 
وهِجْنَ تباريحَ الصَّبابةِ، والصَّدِّ
 
فَطِرْتُ إلى الحيِّ القديم مُشوَّقاً
 
ومِثلُ خَفايا السّحرِ تأخذُ بالرُّشْدِ
 
أعودُ سنونوّاً إلى شُرُفاتِهِ
 
فأطلالُهُ- والله- أغلى الدُّنى عندي
 
أمرّغُ مِنْقاري عَلى عَتَباتِهِ
 
وفي زُرْقةِ الفَيْروزِ أسمو بِلا حَدِّ
 
أراني وأصْحابي بكُلِّ ثنيَّةٍ
 
مِهاراً بساحاتٍ، لآلئَ في عِقْدِ
 
ولا نعبأُ الدُّنيا تدورُ بنا أمْ لا
 
وسيّان في لهْوٍ تقَلَّبُ أمْ جِدِّ
 
تعانقُني أمّي، ويا دفْءَ صدرِها
 
ويا حبَّذا نُعماهُ في الحرِّ والبردِ
 
وتهتزُّ دورُ الطِّينِ حين أتيتُها
 
وتضْحكُ، تبكي منْ حنينٍ ومنْ وجْدِ
 
وترنو شبابيكٌ، وتغضي ستائرٌ
 
وتفضي سُلَيْمى بالشَّكاةِ إلى هندِ
 
وتُصغي إلى خَطْوي دروبٌ وساحَةٌ
 
ويَرْكضُ طِفلُ الأمسِ في الأكمِ والوهْدِ
 
أحيّي رسومَ الدّار، تهفو ضلوعُها
 
وتَرقصُ أشياءُ الطُّفولةِ في مَهْدي
 
 
وأبْسُطُ أهدابي عَلى ياسمينَةٍ
 
فتَنْتَثِرُ الأزهارُ في الدّار كالنَّرْدِ
 
وليمونةُ الجيرانِ تبسُطُ راحَةً
 
تفيضُ بعُرْبونِ المودَّةِ والسَّعْدِ
 
وفي كوّةٍ ترنو إليَّ يمامةٌ
 
تسبّحُ بالنُّعْمى وتَلْهَجُ بالحَمْدِ
 
تردّدُ: عُشّي آمنٌ في جوارِكمْ
 
أقاسِمُكمْ كأسَ المرارةِ والرَّغْدِ
 
فراخي ذراريكم حَناناً ورَحْمةً
 
ومِنْ خُبزِكمْ زادي ومِنْ مائكم وِردي
 
أنا ههنا منكمْ وهاتيك دورُكمْ
 
رِحابٌ على ضيقٍ، مَراحٌ على جهدِ
 
تلفَّتَ منّي القلبُ، طارَ مُرَفْرِفاً
 
وناجاهُ عصفورٌ: هُنا جَنّة الخلدِ
 
فَمَن أنتَ؟ يا للهِ!.. حَيْرَةُ هائمٍ
 
يَروحُ على هَمٍّ ويغْدو عَلى سُهْدِ
 
تنهَّدَ طفلُ الأمسِ لوْ تذكرونَني
 
هَرِمْتُ ولمْ يهْرَمْ هَوايَ على البُعدِ
 
بإبْريقِ أمّي كُنْتُ زَهْرةَ فُلّةٍ
 
تذوبُ بهِ وجْداً، أأكتمُ أمْ أُبْدي؟
 
على بابِكم علّقْتُ قلبي تميمةً
 
سَلُوا حلَقاتِ الباب: هلْ مِلْتُ عنْ عهْدي؟
 
فتمنحُني بيضُ الوجوهِ ابتسامةً
 
تشعُّ بحَجْمِ القلْبِ، تَنْبُضُ بالوُدِّ
 
وما زادَهمْ فقرٌ سِوى أريحيَّةٍ
 
وغيرَ ائتلاقِ الرُّوحِ والعين والخدِّ
 
بهِمْ تُشْرِقُ الدُّنيا إذا جنّ ليلُها
 
فتَحْسَبُ مُرَّ العيْشِ أحْلى من الشّهْدِ
 
وها أنْتَ في حيٍّ تشامخَ باذخٍ
 
وفي شارعٍ فخْمِ البهارجِ ممْتَدِّ
 
يحاصرُني الإسمنتُ منْ كلِّ جانبٍ
 
وأكداسُ عُمرانٍ منَ الحجرِ الصَّلْدِ
 
وناسٌ منَ الشّمعِ المزيّفِ والدُّمى
 
وحشْدٌ منَ الإسْفَنْجِ أوْغلَ في حشْدِ
 
حديثُهُمُ رمْزٌ كشِعرِ هَجانةٍ
 
تقاصرَ عَنْ معنى، وأبهمَ في قصْدِ
 
فأنّى أُلام إنْ ألحّ بيَ الهَوى
 
فألثمُ في الحيِّ القديم ثرى جَدّي
 
فخلّوا سَبيلَ القلْبِ يمضي سَحابةً
 
يباكرُ أحلامَ البنفسَجِ والوَرْدِ
 
تغنَّوا كما شئتمْ بغَثِّ هجينِكمْ
 
فعَنْ وقْفَةِ الأطْلالِ ما لِيَ مِنْ بُدِّ
 
"وقوفاً بها صَحْبي علَيَّ مَطيّكم"
 
أردّ ديونَ الأمسِ أبْسُطُ ما عِنْدي
 
سوايَ هوَ الأشواكُ يبترُ جَذرَهُ
 
ويخمشُ أقدامَ الأصالةِ منْ حِقْدِ
 
حنيني إلى الدَّوْحِ الأصيلِ كنخْلَةٍ
 
تشبّثُ بالماضي وتصبو إلى المَجْدِ
© 2024 - موقع الشعر