مشهد من حياة

كُنتُ أَطيرُ إليها بغيرِ جناحين
أُحلق في سماءِ الكون بغير جناحين
أُعانِقُ النجمةَ في عُلاها ....
وأحضنُ الشمس و القمر،
قالوا:
إذا كُنتَ تنوي الرحيلَ .... إنتظِر
و إذا كنت تنوي الإقامة .... إنتظر
و إذا لم تعجِبْكَ أفكارُنا .... إنفَجِر
قُلتُ:
لقدْ أدمَنْتُ السفَرْ ....
و مَلَلْتُ طولَ الإنتظار ....
و كان موعِدي معَ القِطارْ !
قالوا:
أنتَ جازَفْتَ، و لا مفرَّ من القدَرْ ....
إنتَظِرْ ! أو لا تَنتَظِر ....
أزِفتْ ساعَةُ الرَّحيلِ إلى القَمَرْ ....!
 
جاءوا يرفَعونَ على أكتافِهِمْ صورَتَها
نورُها يَسْطَعُ من جبينِها ....
كَأَنَّهُ لَوحَةٌ بِكُلِّ ألوانِ الطيفِ تَزَيَّنَتْ
و لوَّحتْ لي بِيَدَيْها ....
فصَفَّقتْ لي جُموعٌ إصْطَفَّتْ فَوْقَ الضِّفتين
فطِرْتُ إليها بِغَيرِ جناحين ....
و حَلَّقْتُ في سماءِ الكونِ بِغَيْرِ جَناحَيْن،
و عانَقْتُ النَّجْمَةَ في عُلاها
و احْتَضَنْتُ الشَّمْسَ و القَمَرْ
هكَذا كانت رحلتي الأولى فوقَ أرضِها
أرسُمُ للكَونِ خريطةً
هي في قلبِها نجمةٌ زاهيةُ الألوانْ،
ليسَ كَمِثلِها شَيءٌ عَرَفَهُ البَشَرْ ....!
 
جاؤوا يحمِلونَ نَعْشاً ....
قالوا:
هذا نَعْشُها ....
قُلتُ:
من أرداها قتيلَةً؛ هُوَ عَدُوِّي ....
مهما طالَ الزَّمنْ
من أزهقَ روحَها، وَهْيَ روحي
كيفَ ينجوا من يَدَيَّ أو عِقابيْ
سوف أثأرُ لِحياتي ....
و إن طال بِيَ السَّفَرْ
ما ضاغَ حقٌّ و صاحِبُهُ حَيٌّ ينتَظِرْ ....!
 
هاهُم يلهُونَ عنْها وَهِيَ في خَطَرْ
و كُلُّ قصائِدِ الشِّعرِ لم تُجْدِ في صَونِ عِرضِها المُغتَصَبْ
أوسَعوها كلاماً و خِطاباتٍ مُزَخْرَفةً
لا حياةَ فيها و لا تُغني مِنَ الأذى
و الليلُ أرخى سُدولَهُ حَولَها ....
و بنى فوق أرضِها أسواراً من الغضَبْ،
أين الغضب ؟!
أين الغضب ؟!
قد ماتت فيهم كلُّ نخوةٍ
كما ماتت أحلام العصافيرِِ من التَّعبْ ....!
 
ألا هُبِّي فاصبِحيني يا مزَيَّنةً بالذَهَب
قد استَباحَ حِمايَ الهَمُّ ....
و أغوتني الجواري في شارع الهرم
ما عُدْتُ أنوي الرَّحيلَ ....
و قد كرهتُ السَّفَرْ،
و استحالَ الشَّوقُ في خاطري .... رماداً
و جَمرُ الهوى بينَ جَنْبَيَّ غدا سقماً،
و النَّارُ الَّتي كانت تُضيءُ طريقي .... أُخمِدَتْ،
و استحالَتْ ظلاماً، فوقَهُ ظلامٌ .... فوقَهُ ظلامٌ .... و عَتْمَةٌ،
لا تكادُ ترى إصْبَعَيْكَ في نَومِ الْرَبْ ....!