الزائر الغريب - جليلة رضا

مع اللَّيلِ أُصْغي إليه يحومُ حَوْل الدِّيارِ ويغْزو الحديقَهْ
 
ومن ثُقْبِ بابي أراه يسيرُ عَلى العشْبِ في خطواتٍ رقيقهْ
 
ويُبعدُ عنه أَكُفَّ الغصونِ وقد طَوَّقَتْ في عنادٍ طريقَهْ
 
ويقرصُ خدَّاً لزنبقةٍ . . ويُغمضُ أعينَها المستفيقَهْ
 
ويَحنو على الفُلِّ في فرحةٍ ، ويعبثُ حيناً بصدرِ الشقيقَهْ
 
ويحضن أذْرُعَ لبْلابةٍ .. تَمطَّت أمام الفضاءِ ، طليقهْ
 
* * *
 
هناكَ على مقعدٍ من رخامٍ ، أرى الضيف تحت ظِلالِ الشجر
 
ولا شيء يؤْنس وحدته .. سوى الليل في صمته ، والقمرْ
 
ونبْشة طيرٍ عصَاه الرّقاد ، وأنّات عُودٍ هوى ، يحتضر
 
ويعلو النداء عميقاً رهيباً ، كصوت السماء ، كصوت القدَرْ
 
تعالي إليّ لكي تسْعدي .. فإني الحياة لكل البشَرْ
 
وإن لم تَجيئي سآتي أنا .. وفي كُلِّ ليلٍ هنا .. أنتظرْ
 
* * *
 
وأنسى السِّنين وعبء السنين ، وأنشُد لحنِي وأشْعَاريا
 
وألبس ما عَزّ عندي وراقَ ، وأعقص شَعْرِي بِمرآتيا
 
وأملأُ كأسَ الغريب بشَوْقِي ، وأملأُ كأسي بأحلاميا
 
ومن ثُقْبِ بابي أرَاهُ أَمامي .. فيهْبطُ قلْبي لأقداميا
 
وتبدأُ حربُ الصِّراع الرهيبِ ، وَأُحكم إغلاق أبْوَابيا
 
ويرجعُ ضيْفي بغيرِ لقاءٍ .. حزيناً ، ويهجر بستَانيا
 
* * *
 
وفى الصُّبْحِ أفتحُ بابي الكبير ، وعبْرَ الحديقةِ أقفو خُطاهْ
 
فيَهمس غصنٌ إلى جارِهِ ، وترنو الخمائلُ لي في انْتباهْ
 
وتبدُو الحديقة في زَهْوِها ، قد اسْتَقبلتْ في الظَّلامِ إلهْ
 
فمن كلِّ ركْنٍ تَهادى عليه ، وفي كلِّ وجه نباتٍ رآه
 
يشعُّ ضياءٌ .. ويسري عبيرٌ ، وتدفقُ من جانبيهِ المياهْ
 
فأذكر أني سمعتُ الغريبَ ، ينادي " أنا الحب.. إنِّي الحياهْ"
© 2024 - موقع الشعر