الغريب.. الغريب:ماتناثر من سيرة الهجر - خلف علي الخلف

أجارتنا إنّا غريبان ههنا
 
وكلُّ غريب للغريب نسيب
 
امرؤ القيس
 
*
 
يابسة شمس أمي
 
مطفئ وجهها مثل حجر يتوسد النسيان
 
شاحبة روحها مثل نهار يرتهنه العجاج ،
 
يابسة شمس أمي ،
 
وروحي (حرمل الشوق) ملّتها السوافي بعدما
 
دثرت أطفالها الميتين بالعمى
 
ونامت لتنطر صباح البليخ *
 
.
 
يا البليخ
 
طفولة النسيان أنت
 
ماء من مرّوا ولم يرثوا التراب
 
مجرى الأرامل،
 
أرامل الماء اليهلن من أعالي المرارة مكللات برجفة
 
الأيتام والريح الفقيد
 
نتوجهن أميرات عمر يمر كوقت السكارى
 
.
 
رميتَ نسلك فيَّ ، وانسللتَ خارج الأرض،
 
جثة مكفنة بسراج الحكايا
 
تناسلتُ المآتم ساعية في ليالي النواح،
 
ناثراً أيتام روحي شجراً للضفاف اليتيمة
 
يالأبوة الأيتام يالشمسي الأرملة
 
يالخطوة الروح حينما تخرج قاصدة ليل "جدعان"
 
ويا لوحشة الدنيا
 
حينما رياح الهجر تخطف عباءة
 
الخلاّن مني ثم ترميني غريباً
 
في برِّ أسئلتي أناشد ما تبقى من سراب
 
العزيمة :
 
ألا أحد يؤانس جثتي ؟!
 
.
 
يا البليخ /
 
نمت على عشب نعشك يوم ولدتُ
 
صحوت مبصراً سراج الحكايا
 
حاملاً وزر دمٍ سال منك
 
يوم جفَّ الهوى في عيون العذارى ،
 
صَمَتُّ
 
ناهشاً كبد ندامتي طفل السؤال:
 
من علم الخلان "سيرة الهجر" لأرمى يابساً/
 
لابساً بصر الحيارى،
 
في التراب الغريبِ ؟
 
.
 
تناديني الأراملُ :
 
مرَّ بنا
 
وارمِ بأرحامنا شمساً صغيرة ، بازغة من نشيدك
 
نفيض بالضنى صوب البليخ اليجفُّ ،
 
رافدات تربة تترمّدُ كعيون العمر،
 
تترمل كأجساد نباهي بها الله
 
نباهي بها الله أو عيون المرارة
 
وريح الفقيد
 
مرّ بنا
 
نذبح عليك "أيتامنا،
 
أيامنا،
 
ما ترك الفقيد من جمره في موقد البيت
 
نار التشهي الأوقدت أجسادنا
 
ملهوفة الروحِ راكضة وراك ، ضارعة لريحك:
 
دعنا نشم ريح نسلك ، نحبل بالشمس بازغة من نشيدك.
 
.
 
أركض في ظهيرة الربِّ سراباً أثخنته الأرامل بعطش أجسادهن
 
مرسلاً في أمة الدمع ، صوتاً بللته الشجون
 
منذراً أيتام روحي :
 
بأرض تفرُّ من أصابع جوعهم
 
بشمسٍ تناط الرؤوس شاويةً ما تبقى من حنين الجسد
 
.
 
بسماءٍ تختلط بالأرض / تخبزنا أيادي الله
 
ترمينا على جمر الفجيعة ،
 
تأكلنا أمنا
 
بطيرٍ يحط على هامة الروح،
 
يخطفها من نشيدي.
 
.
 
أفتح "سيرة الهجر" بأصابعٍ هي الروح مبتلة بالحنين
 
- غريبٌ
 
يقرأ خلانه طيراً إثر طير،
 
أتجرعكم مثل دفلى ، لأشفى من دمٍ عالقٍ
 
بين الخطى والحنين
 
لتنهزم القبائل عن تخوم العمر
 
لأصرخ :
 
عادتِ الروح مهزومة من حرب البراري
 
أنجبت شجراً يابساً يحط عليه غراب الندامة ينعب :
 
هنا مر الغريب
 
تاركاً أيتامه سورةً
 
في سيرة الهجرة
 
.
 
• غريبٌ تهجى أمه ماءً إثرَ ماء
 
لفي الغريبَ بشمس الهباري،
 
احفني له بيديك حفنة من سنين الهوى ،فقد يبس فجره
 
مثل حمري البليخ ، لريح طافت حول
 
صوتٍ ضابحٍ في تربة النسيان :
 
إنّ الغريب …
 
مرَّ هنا
 
ناثراً أيامه
 
خاتماً
 
"سيرة الهجر "
 
*
 
الرياض 1994
© 2024 - موقع الشعر