جمــــل غيـــــــدا - خلف علي الخلف

جمل غيدا يا حزين
 
مشلكح بذاك البطين
 
كل الجمال ترعى
 
إلاَّ جمل غيدا حزين
 
تراث شعبي
 
*
 
سبحان من أسرى بهذي الروح صوب جنونها
 
تردُ النشيد ،
 
توقد النيران ، تبصر حتفها الدموي في غبش السيوف،
 
الذابحات حضورنا السافي على وجه القصيد،
 
تتلو على الدنيا مراثي حضورها،
 
جمراً من الصبوات
 
تهمرني نبياً ،
 
يتهجى عطش الموتى،
 
ينثر على صحرائهم ظله:
 
هذا نبيّ الغارفين مداد بهجتهم بياضاً من دم الريح،
 
.
 
ألساهرين على مشارف دمعهم
 
الناطرين الروح
 
الضارعين إلى الخصوبة أن تريهم صوتها
 
طالعاً من فجر أنثى
 
يَسْتَدِرُّ سحابهم بللاً يبلُّ زمانهم
 
كي يخرج المرعى
 
ألبائتين على الطوى يتضورون ، زادهم خبز الأماني
 
ماؤهم عكر الحياة ، يحتسون وينصتون،
 
لسراج الليل يحكي عن "جمل غيدا الحزين "
 
السارجين الصرخة اتقدت هواءً في النحيب :
 
من يوحدنا
 
ويرمي روحنا للرمل كي يلد النخيل ؟
 
من يعطي السماء هوية الروح التي انسربت إلى الفلوات ؟
 
.
 
المنشدين عويل موتاهم :
 
يا كوناً من الرغبات
 
يا عذراء فجر الروح،
 
يا شمساً تزيحُ النوم عن صلواتنا ، فلترحمينا
 
من شمس ماضينا التي انطفأت وما زالت ،
 
تباهينا بميراثٍ من التمجيد يتلوه النشيد
 
خبزاً من الذكرى سيبذرنا جياعاً حول أسوار الذبول
 
ولتبهرينا بحضور النخل ينمو في أصابعنا
 
بفيضِ الماء يغمر ما تبقى
 
من تراتيل النبوةِ ،
 
.
 
نرفد الأحزان بالجرح الجديد.
 
هذا نبيهمو يرفو شتات ثغاء باطنهم ،
 
يولي وجهه صوب انتشارك ضارعاً :
 
آت إليك ظاعناً موتي وروحي ضابحهْ تشوي الأصيل ،
 
عيناي قافلتان من حمّى وخفيّ ذي القبائل،
 
أطوي المفازات التي اعتصرت لظى الأنفاس
 
أروي ذابلَ الأيام بالذكرى ، أغرق في عمى الأحقاب
 
في سرِ السلالة وهي تذوي في بحيرة الإغواء ،
 
ومبلولاً بإصباح الخليقة ، على شفى الإشراف أجهرُ :
 
( إنني الحق وأنت …
 
… ) لم ترشحي الماء علينا كي أعايرك مصير أحبابٍ
 
تفانوا في تشّهي وجهك الباري
 
منذ تموز الذي شربت دماه قوافل الموتى
 
حتى طير بهجتنا الذي نزفَ سلالات الأسى
 
على ذرى الإنشاد :
 
(جناحي يا جناحي(
 
.
 
لم أعايرك …..
 
كي تورثي أرحامنا محل السنين
 
تجعلي الموتى يسنون الحياة ويذبحونا
 
…)استري لي ما بدا من سر هذي الروح،
 
هاكلّ الملوك قد احتشدوا لذبحي،
 
ها خطاّب أمي يجاهرون بموتِ حادينا الفقيد
 
وها كلّ الجهات تخون خطوي ،
 
من شرق هذي الروح يفجؤنا النواح
 
ومن غربٍ تداهمنا الرياح،
 
ريحُ السموم الأذبلتنا ، ريح الجراد ، عجاج الذبح ، ملوك العاج
 
شامتين بخيبةِ القرآن والبدو القدامى ، ومازلنا
 
نشاطر الليل تلويحاً لطلّتك ، كاشفين مطالع
 
الخوفِ البهيج،
 
مبطنين الشمس كي ننجو من السيّاف .
 
.
 
استصرختنا صيحة الأعمى البصير:
 
من يرى شمساً تهلل للسواد يرميها برمح
 
الماء.. يطفؤها ، كي لا ترينا الفجر ينضو سيفه
 
يهوى علينا .
 
.
 
ناشدنا الهواجر :
 
هل نحن قربانٌ لمجد الموتِ ، ينذبح البياض
 
على خطانا لكي توفى النذور ؟
 
أم نحن جرح طاعن في الأبجدية منذ هابيل الشهيد ؟
 
(… مجدنا ثراك
 
صلينا ليوم قدومك العالي قدّام الخرائب،
 
ساءلنا انتباهك :
 
يا تاجَ السواد يا ضوءاً لرقص الظل في عري الخرافة
 
.
 
هلّي علينا
 
هلّي
 
بأبّهة الهبوبِ ، بمجده العاتي ، ببسالة الريح
 
التي تعوي على قبر الأفول ، ارمي على شبق
 
الظهيرةِ ظلكِ ، وانثري وردَ المسرّة
 
على قبورِ الغائبين
 
بللي بالشجو أقدام الحفاة، وارقصي في حفل تتويج التراب سلطاناً
 
على عرش الرياح ،
 
سنفرق الخيلَ على مرمى من الأسلاف ، نحدو بأعراس الرعاة،
 
نشرب قهوة الروح التي هبت على الأيتام ،
 
نذبحُ بالصدى جوهرَ المعنى الحزين.
 
.
 
هلّي علينا
 
كهلالِ الهاجرة
 
كوني للشمس التي انطفأت سراجا
 
كوني بذاراً للصهيل ، ينمو جموح الخيل فينا
 
نهذي بالجلالة ، نسأل لوحه المحفوظ :
 
هل نحن شوقاً للحنين البكر للغة الفصيحة
 
أم أننا أشلاء آياتٍ من البرهان أذبلها
 
النشورُ .
 
هلّي علينا
 
استنجد بأطرافِ النشيد
 
يفضح الوشمَ في لوعة الكاهنات
 
هلول الماء من رحم السراب ،
 
سبايانا لسبي الخيل من فرس المديح،
 
غموض الموتِ ، رهبة الندب، أصوات العذارى
 
النائحات على ملائكة الصباح الذابلين ،
 
.
 
بخور الحرمل المنسيِّ ننثره على العصر اليباس
 
سرائر الماء التي يبست على شفةِ البليخ،
 
أستنجد بأمي أن تعيد رضاعتي عري التباهي بالذكورة
 
وأبي الحادي حداء البدو أيام الفزع :
 
سنزوج الصحراء للخيل الجياع ولن تمرّوا
 
من دموع الحافيات الباكيات الدالعات صدورهن نجلو
 
يماني البريق ، منافحين عن هبوب الريح في ميعادها ،
 
أستنجد بأطفالٍ عراة يمارسون الجنس في الوحل،
 
(ولم تنجب أراضيهم سوى موت نعناع السواقي والقرنفل(
 
.
 
ونستنجد
 
بعشاقٍ يحفرون الصمتَ في ليل القرى ناطرين البدر أن يهفو لتبزغ
 
شمسهم،
 
بنات آوى يبشرّن بليل الخوف في الريف الحزين
 
هبوب الريح تشربه الأرامل ، وتضاجعه العوانس
 
كي تخامرهن ظنون الحيضِ
 
خصب ربات الحجول ، مجد أزواج الأرامل حين تنبحهم كلابُ
 
رغبتهن
 
وأستنجد العرّاف يفض بكارةَ
 
الرؤيا :
 
(جثةٌ تثوي على الخنجر ، تمشي وتلتهم الضحايا
 
تجفل امرأة حُبلى ، فتجهض طفلها ،
 
ظلمة تفني النهار ، ترتدي النار ، وتعلو سحباً
 
تمطر الموت ، وتخمد ، ثم يكسونا الرماد ).
 
.
 
ما ترى يا ظل آدم ؟
 
أرى الناس يمضون خفافاً في السواد ، على تقبيل أيدي
 
الماء يقتتلون ، يكفون ازدهار الذبح بالتمجيد،
 
أرى الماء تواباً عمّا جناه من إثم التدفق
 
أرى أرحامكم في الشمس ، قد هالت عليها الريح
 
صفو نطافهم
 
أفعى الجلالة قد شربت خطاكم
 
أرى سهيلَ يطفو في لياليكم
 
أرى أرضاً تسامر بالحراب ، شمساً تذوبُ
 
ظلاً فاجعاً يزهو ويختطف البصائرَ
 
أراكم ، لا أراكم ، لا أرى ،
 
طوبى لمن آمن ..
 
أنه أعمى
 
وطوبى للنشيد.
 
*
 
حلب 1991
© 2024 - موقع الشعر