المـــــــــــــلعون - خلف علي الخلف

الشاعر راءٍ وملعون
 
آرثر رامبو
 
*
 
هامساً مثل نعناعةٍ فاجأتها المواسمُ:
 
يا امرأةً باغتتها العذوبةُ ، ادخلي تربتي
 
واصعدي في نشيجي
 
سيلي على زمني برهةً من رذاذ .
 
سيلي على هدْي الجنائزِ ،
 
ستشرع الروح أبوابها للذهول ، تطلق ريح النداء:
 
اختلي في هبوبي
 
وارضعيني حليب ضحكتكِ الرؤوم .
 
يا يمام الهديل الرجولي ال .. ما غفى في هديلي،
 
حوّمي في فضائي ،
 
أُهطلي من جانحيك مطراً أعمى،
 
يخضّلُني ابتهاجي،
 
خذي قلبي الطفلي يشدو بالرفيف ،
 
.
 
يفتح الدنيا،
 
يوم الخطى في جانحيكِ تشيخُ ..
 
صحتُكِ - حين التغرّب هاض فيّ - أوحشتني النهاياتُ ،
 
رفرفتِ .. وغبتِ ،
 
ظللتُ يذبحني حنيني حين أهمسُ مثل نعناع الخواء :
 
(يانسلَ العذابات ، أجيريني من تصدفك الرهيف) .
 
.
 
يجتاحك طقس العويل، يهب الوجيبُ بأصغريك،
 
استفضْ.. استفضْ يا عويل التّسقي، لاقح الشيح النؤوم،
 
اعتلي يا قلب شهقات الجماع، حمّى الرجيف المشتهى،
 
(هبت النخوة في رحم العشائر)
 
لُجّ يا قلبُ دعاءً أشهبَ القسماتِ:
 
يا ربَّ الشهامةِ إن العشائر تنتخي بإناثها ، مُنّ بالأنثى عليهم
 
يا ربَّ المهج الذبيحة مثل ظلكَ في الملوك ،
 
من مالك ال .. عند الخلائقِ ، أعطني أنثى
 
لها قلب بياضيُّ المذاق ، كي تقاسمني هبوبي
 
( ويح ربك من نوح قلبي المعرّى لم يستجب للتسقّي)
 
.
 
تسطع شمس أحزانك، تشوي قلبك الضاري،
 
فتعوي .. ي.. ،
 
مثل كلبٍ شريدٍ رأى غضب السماء في مساءٍ مكسور الجبين،
 
يُهرع إليك الصبية الجاهليون ، يرجمونك
 
بالحجر الجنوني
 
من أفواههم زاعقين بالبهجة الخائفة :
 
"ند أيها المعلون … ند … د … "
 
تستنهض الشبق الحياتي، تطلع من روحك البابلية،
 
بتلوعٍ طاغٍ تسائلُ :
 
ما لهم لايرون السماء كاشرة النيوب، تنحني لتعض أبصار الحقيقةِ؟
 
ما للحقيقة ترتدي جسدي ويهجرني النهار … ؟
 
( آه … زرقاء اليمامة كم عانيت من وجع البصيرة ؟ )
 
.
 
لائذاً بالخلاء النواحي
 
تلقي السلام عليك حورية طالعة من نشيج الرمال
 
ينتظيك الدبيبُ الفرح ، تخرجُ عن طورِك الدنيوي،
 
تسبحُ في الرؤى ، كاتباً على سرة الريح
 
(أهوى الحواري)
 
ثم تشربها ،
 
ترتعد فرائص السماء ، ترغي وتزبد :
 
كأنك مجدت صوت الحياة في دفقه العذب ؟
 
كأنك لم تومن بذبح المهج التي لمّا تزل تهوى لوجه
 
الهوى ..؟
 
فليحل بك الغضب السماوي : تطرد من ملكوت شهوتك الحالمة.
 
.
 
هي ذي السماء
 
تكره بوح لهفتك للحواري اليشبهن "مأرب"
 
تكره حُداء عينيك لسرة الريح ، كي لا ترى في طي شهوتها امرأة من توهج
 
خاتلتك وفرت
 
وظلت تنام على غيمةٍ من صراخٍ
 
تشعب بين السماء وبين الونين.
 
( يا لحريتي كم ضاجعتها الحراب،
 
يا لموتي كم ساورته المآتم ؟! ).
 
.
 
خارجاً من مهاب الجلالة
 
كاتباً على عصاك الموسوية ، حسّك العويلي
 
تغرسها في جبين الرهافةِ
 
تنتشي كالغصون وتحيا ( يا لك من نابذٍ للنعاس ! )
 
( يا للعذاب الوداعي من جور صرختك النافرة)
 
تشخبُ كدمٍ فاصدٍ من شرايين الطلاقة، ترشح بالهذيان:
 
من أين لي أن أبدد وحشتي الحاشدة كجيش توثب للنصر..؟
 
من أين لي أن أقلم شهوتي للبراري ..؟
 
(هذا بكاءُ فرائصي ، ذاك اشتعال الدم)
 
.
 
شاهراً ما تيسر من شهوةٍ ومسير طويل
 
تبتدع المنشد الأزلي:
 
هل الأرض أوسع من كائني ؟
 
هل الأرض أوسع من شهوتي للمسير ؟
 
فلماذا كلما أسرجت روحي صهوتها للرحيل،
 
هبتْ رمال الليل وانكسرتْ ظهور الخيل ،
 
وصارت الأرض أضيق من دمعة واجفه ؟
 
.
 
تنتظر زمناً خرافي الخطى فيدهمك النشيجُ ،
 
تطلع من روحكَ الفراتيةِ ، تبعثر الزمن
 
مثل مسبحةٍ تقطع خيطها،
 
تلهو به ، وتمتد احتضاراً حافي الخلجات.
 
يا حاملاً عبء الخطى ، أين تمضي في الخواء ؟
 
إن الدروب مآتمٌ شتّى ، وهذا البرُّ أضيق من خطاك.
 
.
 
ترتدي العري وتخرج للنهار ،
 
هذا حصان الوقت يجفلُ ،
 
الصبابا التبرجن بالشمس والتحفن سمرة البرِّ الوديع،
 
الرجال الذين أشربوا الأرض لوعاتهم
 
وجادت بالجفاف
 
الحقيقة الأيبست عشبها،
 
الحروف الماحنتك النصاعه ،
 
كلهم يجفلون
 
.
 
تلهثُ نحو أمك ( يا ابن الصحراء النعاس)
 
يا أمُّ : أنا ابنك العذب ، امنحيني سعفةً
 
للتفيؤ بين مفاتنكِ
 
أكرع من خاصريك حليب الأسى لا حليب الرغائب
 
فما ساعدتني الخطى لأنهل من سربك المنتمي
 
للغمام وأقول :
 
ارتويتُ،
 
.
 
يا أمُّ : إن الظما شرّش في الروح
 
أتحفيني بندى من لهاث لأتلو وصاياي
 
كربّ شغوفٍ بعرشه :
 
• فلتحيا نسور الدم
 
• ولتعلو السماء .
 
*
 
حلب 1989
© 2024 - موقع الشعر