الزائر والأسئلة - محمد الفيتوري

أبطأت وهي وراء الباب تنتظر
هل جئت تحيي الهوى أم جئت تعتذر؟
تكاثرت أوجه العشاق واختلطت
عليك أصوات من غابوا ومن حضروا
ومن قضوا في منافيهم ومن شربوا
خمر النخيل ومن في صحوهم سكروا
ومن إذا ذكروا لبنان أغرقهم
في حب لبنان أن الحب ينتصر
ومن هم الآن في النسيان، حيث نأت
أيامهم، ونأوا عنه فما قدروا
أبطأت، واختطفتك الريح،
والزمن المخبوء تحت جناح الريح والسفر
***
والآن بعد انتصاف الشمس فيك..
وقد سالت على الأفق الأشباح والصور
وقد تضرجت الألوان وانهتكت
تلك المسوخ الخرافيات والأطر
الآن هل لم تزل نار الطقوس كما كانت
وهل ظل في تحليه الشجر؟
والطير هل هي ذات الطير، تحفر
مسراها على الشفق الساري وتنحفر؟
والحب هل هو كأس الشعر، نكسر
في رحيقه بعض ما فينا وننكسر؟
والناس؟ هل أبصرت عيناك غير
أسى يمشي على قدميه ثم ينهمر؟
***
وتسأل العرب الأقحاح عن وطن
فتضمحل معانيهم وإن كثروا
وتلمس الموت في أرواحهم فإذا
مسست أجسادهم مستنكراً نفروا
وتسأل العصر هل كانوا؟ وهل غرقت
وجوههم في بحار الرمال واحتضروا
وأيهم خان رايات النضال؟ ومن هذا
الذي حاصر الأبطال فانحصروا
وتسأل القادة الفانين، كيف نسوا
والضعف ينخر فيهم أنهم بشر!
وأن مقبرة الطغيان موحشة
من فوقها حجر، من تحتها حجر
***
ويسألونك عن لبنان، يسألك
الفجر السماوي والأصداف والدرر
وجوقة من ملوك الشعر، ترسم
في بلور بيروت رؤياها وتبتكر
وفوضيون من أقصى الزمان، إلى
أقصى الزمان فلا ناموا ولا سهروا
وعاشقون إذا طاف الجمال بهم
تناسخوا فيه مبهورين وانحسروا
وحالمون كأن لم يولدوا أبدا
ولم يمر بهم رعد ولا مطر
فأمنوا بالجمال المحض، وانفجرت
أشلاؤهم في رماد الكون وانفجروا
***
ويسألونك عن لبنان، كيف صحا
الفينيق والنار في التابوت تستعر
كأنهم صادروا حق الحياة، فلا حياة
تنبض إلا حيثما أمروا
كأنما استصغروا لبنان فاحتسبوا
ما تبصر العين لا ما يدرك البصر
كأنهم جهلوا أن الألى حملوا سر
الحضارة يوماً من هنا عبروا
وزهرة الماء فاضت من هنا، وهنا
استوى على عرشه الإنسان، والقدر
***
ويسألونك، قل للسائين بلى..
لم يحصدوا القمح إلا أنهم بذروا
توسدوا نجمة، أو قاع هوية،
لكنهم في فضاءات الغد انتشروا
غاموا قليلاً، فغامت بين أعينهم
دنيا، وأظلمت الحيطان والستر
ويخرجون من الأمس الحزين كما
الأشواق تنبت، والأحلام تزدهر
ويكتبون وهم موتى، صحائف من
داسوا على حرمات الشعب واحتقروا
***
لبنان والشعر موسيقى الالإه، وبعض
الشعر من كرمة في الغيب يعتصر
لو كان لي لغفرت الإثم معتذراً
عن من أساءوا ومن هانوا ومن غدروا
ولانكفأت على ذاتي كما انفكأوا
ولانكسرت على ضعفي كما انكسروا
لكن تلك العذابات التي ارتسمت
على وجوه الضحايا كيف تغتفر؟
© 2024 - موقع الشعر