وقفة في دار المتنبي

لـ ماجد الراوي، ، في غير مُحدد، 983، آخر تحديث

وقفة في دار المتنبي - ماجد الراوي

وقفتُ في الدارِ لكنْ لم أجدْ فيها
من كان بالفكرِ والأمجادِ يبنيها

ولا دواةً تحوكُ الحُسْنَ ريشتُها
ولا روائعَ تسبينا معانيها

مضيتُ أسألُ كلَّ العابرينَ بها
عنهُ وكلَّ جدارٍ في نواحيها

فثارَ صوتُ حنينٍ وسْطَ باحتها
كأنما رجّعتْ أصواتَ أهليها

مشيتُ في الدارِ أقفو للأبيِّ خُطاً
راح التقادمُ عن عيني يُواريها

وأرفع السترَ عن وجه الزمانِ بها
فيرجعُ الدهرُ للأنظارِ يُبديها

كأنما صوتُهُ قد رنَّ في أُذُني
ونبَّهَ القلبَ قبلَ السمعِ تنبيها

سرتْ إلى مسمعي أصداءُ قافيةٍ
راحت تردّدُها الأزمانُ في فيها

جاء البيانُ بها يزهو بتوريةٍ
وراقني بخيالٍ ضمَّ تشبيها

فكم لهُ حكمة أعيتْ مقلّدَها
مثل الربيع قِفارَ الروحِ تُحْييها

وكمْ شمائلَ أرساها بمنطقِهِ
تبيتُ ألسنةُ الأزمانِ ترويها

يا باحةَ الدارِ روحي فيكِ قبَّرةٌ
تظلُّ تهتفُ والتذكارُ يُشجيها

تُسائلُ النجمَ عنهُ فوق منزلِهِ
والشمس غائبة والبدرُ يبكيها

تبيتُ تنسجُ أبراداً مذهّبَةً
من البيانِ موشّاةً حواشيها

إنّ البيانَ لسحرٌ قَلَّ مدركُهُ
وحكمةُ القولِ ما شيءٌ يُضاهيها

الشعرُ ديوانُنا المعروفُ من قِدَمٍ
وكم وقائعَ أبداها لقاريها

فلا تلُمْني إذا ما زرتُ دارَ (أبي
مُحَسّدٍ ) أتغنّى في نواحيها (1)

كم عُجْتُ فيها وأشواقي تُناديها
والروحُ صارتْ فراشاتٍ تناغيها

أحجارُ جدرانها كالسِفْر أقرؤُهُ
حتّى يعودَ من الأيّام خاليها

ظلّتْ على دورة الأيام واجمةً
إذْ ماتَ مُنشِئُها قِدْما وبانيها

فإنْ أردتَ وجوها منهمُ غربتْ
رأيتَ في وجهِها أشخاصَ أهليها

مشيتُ في ( حَلبَ ) الشهباءَ أسألُها
عمّنْ شخوصهُمُ ضمّتْ روابيها

كأنّ قلعَتَها في الأفقِ باخرةٌ
في البحر والريحُ همسَ الحُبِّ تُهديها

أو أنّها في رياضِ الحُسْن غانيةٌ
والطيرُ من حولِها صُبحاً تناجيها

فإن سجا الليلُ لاحت كالعروس وقد
تخفى ولكنْ عقودُ الماسِ تُبديها

يا أرضَ قومي لقد أطربتِنا زمناً
برائعاتِ الليالي أو شواديها

يا واحةً بهُدى الإيمان عامرةً
الخُلْدُ أعطتْكِ شيئاً من معانيها

مناسبة القصيدة

شعر : ماجد الراوي من ديوان ( شموس القوافي ) ومجلة منارة الفراتاكتشف الباحثون وبعد دراسات دقيقة موقع دار الشاعر المتنبي في مدينة حلب قرب قلعتها الشهيرة ورغم أنه في موقع الدار سكن أشخاص كثيرون وأصبح الموقع مقرا لدوائر حكومية على مر الزمن إلا أنه لم يعرف ساكنوه المتعاقبون أنه دار الشاعر المتنبي حتى أثبت ذلك أحد الباحثين وبدلائله الدقيقةوكان الشاعر من أول القادمين لزيارة الدار بعد اكتشافها والتي يشغلها الآن مركز الرعاية الأسرية في حلب وحين وقف فيها وتأمل ترجم مشاعره في هذه القصيدة
© 2024 - موقع الشعر