الأندلس

لـ ماجد الراوي، ، في غير مُحدد، 506

الأندلس - ماجد الراوي

كَفى حَنينُكَ بعدَ الظّاعِنينَ كَفى
مازِلتَ إثْرَهُمُ ذا عَبرَةٍ دَنِفا
يا أهلَ أنْدَلُسٍ مِنْ بَعدِ هَجْرِكُمُ
غابَ الصَّفاءُ وأمْسى أُنْسُها انْصَرَفا
يا منْ وقَفْتَ على الآثارِ تَرْقُبُها
لا تَحْبِسَنَّ دُمُوعَ العَينِ أنْ تَكِفا
 
ليسَ الغَمامُ الذي رَوَّى دِيارَهُمُ
إلاّ دُمُوعَ مَشُوقٍ دَمْعَهُ ذَرَفا
أهْوى رُبُوعاً وراءَ البَحرِ سادِرَةً
أقْوَتْ وكانتْ لأهْلِ العِلْمِ مُغْتَرَفا
وحَدَّثَتْنيَ عنْ أخبارِ مَنْ سَلَفُوا
والدّارُ تَحكي لِمَنْ في رَسْمِها وَقَفا
كمْ شاعِرٍ أظْهَرَتْ حُسْناً قَصائِدُهُ
مِثل النُّجُومِ ضِياها بدَّدَ السُّدَفا
وعالِمٍ مدركٍ يُهدي الوَرى فِكَراً
داوَى النُّفُوسَ بِعلْمٍ صادِقٍ وشَفى
كمْ ساهِرٍ عاشِقٍ شاكٍ صَبابَتَهُ
سَرى بهِ الشَّوقُ لمّا لَيْلُهُ انْتَصَفا
كمْ صَرْحِ مَجْدٍ سَما في الأُفْقِ تَحسَبُه
لمّا بَدا لكَ طَوداً شامِخاً صَلِفا
يا مَنْ رأى المَسْجِدَ الباهيْ بِقُرطُبَةٍ
فيهِ مَفاخِرُنا قدْ سُطِّرَتْ صُحُفا
 
كأنَّهُ زاهِدٌ للّهِ مُعْتَكِفٌ
أوْ أنَّهُ دَنِفٌ مِنْ وَجْدِهِ نَحَفا
كأنَّ صَقْرَ قُرَيشٍ في جَوانِبِهِ
يَطُوفُ يَسْتَنْطِقُ السّاحاتِ والغُرَفا
 
يمضي ومِنْ خَلْفِهِ أبناؤُهُ انْتَظَمُوا
سارُوا وقدْ عَبَرُوا القَرْنَينِ والألِفا
 
يَلُوحُ مَجْدُ مَعَدٍّ في مَطالِعِهِمْ
نُوراً وأَأْنُفُهُمْ مَرفُوعَةٌ أنَفا
 
في مَسجِدٍ أفْيَحٍ كالبَحرِ مُتَّسِعٍ
فَلَسْتَ تَلقى لهُ حَدّاً ولا طَرَفا
 
بَنَوْهُ صَرْحاً على مَرِّ القُرُونِ سَما
وتُحْفَةً غالَبَتْ في حُسْنِها التُّحَفا
 
تَبْدُو مَنارَتُهُ في الأُفْقِ شامِخَةً
تَزهُو بِمَجدِ رَسُولِ اللّهِ والخُلَفا
والظّافِرينَ مِنَ الأفذاذِ مَنْ صَنَعُوا
نَصراً فَكانَ لدى التّاريخِ مُنْعَطَفا
صَقرٌ وأبناؤُهُ الشَّمّاءُ هِمَّتُهُمْ
والنّاصِرُ الشَّهْمُ والمَنصُورُ والشُّرَفا
مِنْ كُلِّ شَهمٍ جَوادٍ في الحِباءِ وإنْ
علا هديرُ الوَغى بالمُعتَديْ عَصَفا
حَلاّلُ مُعْضِلَةٍ قَوَّالُ مُعْجِبَةٍ
ولا تَراهُ غَداةَ الطَّعنِ مُنحَرِفا
يبقى لنا عَلَماً في أرضِ أنْدَلُسٍ
يسمو لمجد قريش في العُلا وكَفى
 
تَبدُو قُصُورُهُمُ في الأُفْقِ شامِخَةً
عُنوانَ مَجدٍ لنا لا يَعْتَريهِ خَفا
 
لوْ عادَ طارِقُ أوْ صَقرٌ فَحَدَّثَنا
لَقالَ بالسَّيفِ نِلْتُ العِزَّ والشَّرَفا
يا ثائِرَ الشَّوقِ في الأطلالِ تَرْقُبُها
أمْسى فُؤادُكَ بالأشْواقِ قدْ تَلِفا
غُرناطَةٌ رَبْعُها يَحْكي بَلَنْسيّةً
تَرويْ قُصُورُهُما العَهْدَ الذي سَلَفا
إذا تَبَصَّرَ فيها مَنْ يُراقبها
يَرى الحدائِقَ والطَّيرَ الذي هَتَفا
حَدائِقاً لوْ رأتْها الجِنُّ ما بَرِحَتْ
إلاّ أميرُهُمُ مِنْ زَهْرِها قَطَفا
تَسبي المَشُوقَ إذا هَبَّتْ نَسائِمُها
مَمزوجةً بِشَذىً مِنْ قَبلُ ما عُرِفا
زِدْني بِتذكارِ جَنّاتِ العَرِيفِ هَوًى
فالقَلْبُ فيها غَدا بالحُسْنِ مُنْشَغِفا
إذا بَدا الصُّبحُ واخْتالَتْ طَلائِعُهُ
كأنَّهُ خَفِرٌ عنْ وجهِهِ كَشَفا
تَبدُو بِباحاتِها الأطيارُ مُرسِلَةً
أنْغامَ سِحْرٍ إليها ذُو الهُيامِ هَفا
كأنَّ أصْواتَها في الرَّوضِ قائِلَةٌ
الرَّبْعُ غَيْرَ بني عَدنانَ ما ألِفا
يا آلَ رَبْعِ العُلا إنِّي أسِيرُكُمُ
عَطْفاً على عاشِقٍ في قَيْدِهِ رِسَفا
كانتْ ليالِيكُمُ بيضاءَ مُقْمِرَةً
نَجْمٌ يدورُ وبَدرٌ في السَّما قُذِفا
وماؤُكُمْ مُزِجَتْ بالمِسْكِ جَرْعَتُهُ
يَشفي العَليلَ إذا ما عَبَّ أوْ رَشَفا
ماءٌ زُلالٌ يُريْ الوُرّادَ صُورَتَهُمْ
يَزيْنُهُ الدُّرُّ والرَّيْحانُ فيهِ طَفا
في كُلِّ ساقِيَةٍ زَرقاءَ رائِقَةٍ
تَصْفُو النُّفُوسُ لها مِنْ رِقَّةٍ وصَفا
يَهوى بُرُدَتَها الحَرَّانُ هاجِرَةً
حتّى إذا خاضَ في أمواهِها رَجَفا
كمْ لابْنِ زَيدُونَ مِنْ شِعرٍ يُخَلِّدُها
ولابنِ زُهرٍ قَريضٌ حُسْنَها وَصَفا
هذي الصُّرُوحُ التي قامَتْ دعائِمُها
قامَتْ بِعزْمِ أُباةٍ للوَغى حُلَفا
أبناءُ عدنانَ أوْ قَحطانَ تَعْرِفُهُمْ
أهلُ الحَميَّةِ ماضي مَجْدِهِمْ عُرِفا
هُمُ الكُماةُ فلَوْ غابَتْ مكارِمُهُمْ
كأنَّما الشَّمسُ أمْسى ضَوؤُها كُسِفا
تَبقى الدِّيارُ طَوالَ الدَّهرِ تَذكُرُهُمْ
إنْ كانتْ الدَّارُ فيها عِزَّةٌ وَوَفا
© 2024 - موقع الشعر