رحلة شتائية في القطار - ماجد الراوي

في شِتاءٍ يَسُحُّ فيه السحابُ
وطريقٍ يجثو عليه الضبابُ

تتهادى السيولُ في جانبيهِ
زاخراتٍ كأنهنَّ عُبابُ

وجميعُ الأنامِ حلُّوا بيوتاً
مغلقاتٌ في ساحها الأبوابُ

ليس إلاّ صوتُ الرعودِ أنيساً
ونباحٌ دابَتْ عليه الكلابُ

في بروقٍ مثلِ الثلوجِ بياضاً
ودَياجٍ كأنَّهنَّ غُرابُ

بيميني حقيبتي رحتُ أمشي
وَسْطَ ليلٍ شَطَّتْ به الأسبابُ

حيثُ كان القطارُ يبدو بعيداً
يَتَمشَّى من حولِهِ الرُّكابُ

تتلالا الأنوارُ من عَرَباتٍ
قابِعاتٍ كما يُضيءُ الشهابُ

وتَمَشَّى القطارُ يفري الدياجي
بصفيرٍ كما تُغّني الرّبابُ

عند حَدِّ الشُّبَّاكِ أسندتُ رأسي
والخيالاتُ في دمي أسرابُ

وشريطُ القُرى يمرُّ سريعاً
من أمامي كأنَّهُ الدولابُ

تَتَبدَّى أضواؤها راقصاتٍ
ثم تخفى كأنَّهنَّ حَبابُ

وخيوطُ الأمطارِ تعلو الروابي
والروابي تبتلُّ منها الثيابُ

سِكَةٌ مثلُ حيَّةٍ تتلوَّى
جَدَّ فيها قطارُنا النَّهابُ

تَتَحدَّاهُ في المسيرِ فيعوي
بانفعالٍ كما تصيحُ الذئابُ

ثم يسعى مثلَ اللصوصِ بِصَمْتٍ
وَسْطَ ليلٍ فيه الدياجي حجابُ

يا قِطاري يا كُتلةً من حديدٍ
كيف تمشي والليلُ هذا يُهابُ

كيف تعدو وما لديكَ دليلٌ
غابَ نجمٌ وَشُلَّ ( الاسطرلابُ )

كيف تسعى يا حافياً في الثنايا
عَبْرَ وَحْلٍ وللغيوثِ انسكابُ

قُلْ أتقفو وَقْعَ الخُطا أمْ ترى النَّبْتَ
دليلاً كما يرى الأعرابُ

أنتَ مثلي إذا رأيتَ الصحارى
تجدُ الرَّسْمَ عافَهُ الأحبابُ

أنتَ مثلي إذا رأيتَ طلولاً
تقرأُ الطِّرْسَ فالطلولُ كتابُ

في القُرى يظهرُ الفقيرُ ويبدو
ذو الغنى والأُصولُ منهمْ ترابُ

فبيوتٌ سقوفُها من حديدٍ
وبيوتٌ سقوفُها أحطابُ

تعبرُ النَّهرَ يا قطارُ سريعاً
فوق جسرٍ كما يطيرُ العُقابُ

فتغنّي وَسْطَ الدياجيرِ روحي
فلها في الخيالِ مَعْكَ ركابُ

يا قطاري وقد قطعنا الفيافي
وتوارت بعد العناءِ الصِّعابُ

هذه رحلتي شتاءً تناهتْ
بعد جَهْدٍ ووصفها يُسْتَطابُ

وجميعُ الركَّابِ أبدوا سروراً
إذ دعتهم شهباؤهم فاستجابوا

© 2024 - موقع الشعر