المتنبي - محمد الفيتوري

يمر غيرك فيها وهو محتضر
لا برق يخطف عينيه ولا مطر
وأنت.. لا أسأل التاريخ عن هرم
في ظلة قمم التاريخ تنتظر
عن عاشق في الذرى...
لم تكتمل أبدا
إلا على صدره الآيات والسور
عن الذي كان عصرا شامخا
ويدا تشد عصرا إليها..
وهو ينحدر
يمر غيرك..
يعض العابرين على بطونهم
يثقلون الأرض إن عبروا
كمثل من أبصرت عيناك..
ثم نأت عيناك عنهم..
فلا غابوا.. ولا حضروا..
وبعضهم أنت تدري..
ان شعرك لو لم يلق ضوءا
على أيامهم غبروا
كانوا ملوكا على أرض ممزقة
يجوع فوق ثراها النبت والبشر
كانوا ملوكا مماليكا..
وأعظمهم تحت السماوات
من في ظلك استتروا
***
ورحت تنفخ فيهم منك
ترفعهم، فيسقط البعض
أو تبنى.. فينكسر
أردت تخلق أبطالا، تعيد بهم
عصر النبوة والرؤيا، فما قدروا
هتفت: يا عمر
مكتوب لك العمر
وليس ينقص فيك الجهد والسهر
وإنما تنقص الأعمار في وطن
يغتاله القهر، أو يغتاله الخطر
وقلت.!
والشاهدان، الليل والسفر
وشعلة في مدار الكون تستعر
هذي الطيور التي احمرت مخاليبها
فوق الصخور لنا..
ولتستح الحفر
وسرت غضبان في التاريخ
لا عنق إلا ومنك على طياته أثر
تصفو، وتجفو
وتستعلي، وتبتدر
وتستفز، وتستثني، وتحتقر
هذا زمانك..
لا هذا زمانهم
فإنت معنى وجود ليس ينحصر
" في كل أرض وطئتها أمم
ترعى بعيد كأنها غنم
وإنما الناس بالملوك..
وما تصلح عرب ملوكها عجم"
وتكفهر على مرآتك الصور
"أتعقم الأرض؟ هذي الأم..!
أي دجى هذا الذي في عيون الناس ينتشر
وينحني شجر الأيام..
والغضب القدسي يغدو انكسارات
وينحسر
***
فلتستمع النصب الجوفاء والأطر
هذي الأغاني البواكي في فمي نذر
إذا تساقط في أيامهم علم
فإن أعلام من يأتي ستنتصر
وإن يخن خائن فالأرض واحدة
برغم من خان.. والآلام مختبر
***
وقلت بغداد
يا بغداد أي فتى كان الفتى..
وهو في عينيك يزدهر
أنت التي اخترته للعشق..
كان إذا رآك في لهب الأحداث
ينفجر
ويحرث الأرض كالمجنون..
يحرثها براحتين هما الإحباط والظفر
أقل مجدك أن الفاتحين وقد
جاءوا غزاة على أبوابك انكسروا
وبعض مجدي، أن الكون لي فلك
شعري وأنت عليه: الشمس والقمر
بغداد.. أشأمت مشدودا إليك..
ويا شام الهوى أنا في العاقول أنتظر
ويا حدائق كافور القديم..
سوى تلك الثمار التي حملتها الثمر
***
الله.. يا كم تغربنا
وكم بلغت من الهموم..
كما لم يبلغ الكبر
فإن أكن أمس قد غازلت أمنية
حيث استوى الصمت
أو حيث استوى الضجر
فالمجد أعظم إيقاعا..
ورب دم يمشي حزينا
ويمشي إثره القدر
بغداد 11-5-1977
© 2024 - موقع الشعر