سفينةُ الدِّينِ - محمود مهيدات

حَمْدًا لكَ اللّه تعظيماً وتنزيهَا
يا مالكَ المُلكِ والدُّنيا ومَا فيهَا

اللّهُ أبْدَعَ للأكوانِ صُنعتَهَا
سبعاً شِدَاداً إلهُ الكونِ بانيهَا

والأرضَ أسكن فيها الإنسَ تعمرَهَا
بالحقِّ قد قال : إني جاعلٌ فيهَا

الجِنُّ والإنسُ والأملاكُ ما خُلِقَتْ
إلاّ لتعبدَ ربَّ الكونِ باريها

يا مَنْ خَلقْتَ من الصلصالِ نطفتَنا
أخرجتَنا مِنْ تُرابِ الأرضِ نبنيها

أوجدتَ آدمَ في العلياءِ مِنْ قِدَمٍ
أسكنتَه الأرضَ يبني أمةً فيهَا

واخترتَ مكةَ للإسلامِ مفخرةً
ودعوةَ الحقِّ ابراهيمُ يُعليهَا

ربّاه أرسِلْ إليهمْ مِنهُمُ رَجُلاً
يتلو عليهمْ مِن الآياتِ يُزْجِيهَا

أجابَ مولاه دعواه وقَدْ حَمَلَتْ
أمُّ النبيِّ، وربُّ العرشِ راعيهَا

رَأتْ ضِياءً يعمُّ الشامَ قاطبةً
وربُّهَا مِنْ عَظيمِ الشأْنِ يُعطيهَا

هذا الأشيرمُ يغزو البيتَ منتهكاً
ليهدِمَ البيتَ هدْماً، خابَ غازيهَا

وشيبةُ الحمدِ بابَ البيتِ مبتهِلاً
للبيتِ ربٌّ، وربُّ الدارِ يحميهَا

فأرسلَ اللّهُ طيراً في مخالبِهَا
حجارةُ الموتِ فوق الجنْدِ ترميهَا

حتى غدوا كهشيمِ القشِّ تأكُله
كلُّ الدوابِ، ودودُ الأرضِ يُفنيهَا

في يومِ مولدهِ الآفاقُ قَدْ سَطَعَتْ
بنورِ أحمدَ والإيمانُ يُزجِيهَا

قصورُ بُصرى أضاءتْ يومَ مولدِهِ
فمولدُ النُّورِ تِيهٌ، زادَه تِيهَا

وانقضَّ عَرْشُ أنوشروانَ مُنكسراً
والنارُ تخبو ونُورُ الحقِّ يُطْفِيهَا

خَرَّتْ لمولدِهِ الأوثانُ كافئةً
وجوهَهَا وترابُ الأرضِ يُحثِيهَا

والجِنُّ في الأفْقِ قَدْ صُدَّتْ مُصَفَّدةٌ
ثواقِبُ النَّجْمِ ترمي الجِنَّ تَصْلِيهَا

واخترْتَ يا ربِّ للمولودِ كوكبةً
أسماؤهنَّ بكلِّ الخيرِ تشبيهَا

الأمُّ آمنةٌ والأمنُ شيمتُهَا
أمُّ النبيِّ وربُّ البيتِ يُجزيهَا

هَذي الشفاءُ بكلِّ الفخرِ قابلةٌ
ذي أمُّ أيمنَ كلُّ الأمنِ يأتيهَا

حليمةُ السَّعْدِ والأشواقُ تغمرُهَا
لترضعَ الطفلَ والإرضاعُ يكفيهَا

باركْتَ ربِّيَ آلَ البيتِ كلَّهُمُ
مِنِّي المَحبَّةُ والأشواقُ أهديهَا

إلى الحَبيبِ إمَامِ الرُسْلِ قاطبةٍ
يَا فَخْرَ طَيْبَةَ والأمجَادُ تأتِيهَا

شَبَّ الرَّضِيعُ لِحُبِّ الخَيْرِ مُلتَزِماً
وَيمْقُتُ الخَمْرَ، والأوثانَ لاغِيهَا

يَرْعَى الشِّياهَ وَرَعْيُ الشَّاءِ مَكْرُمَةٌ
مَا مِنْ نَبِيٍّ وإلاّ الشَّاءَ راعِيهَا

نَسْطَاسُ يَعْجَبُ أنَّ الغَيْمَ واقِفَةٌ
فَوْقَ الحَبيبِ ورَبُّ المُزْنِ مُجْرِيهَا

هُوَ الأمينُ وكُلُّ الصِّدْقِ شِيمتُهُ
يَسْمو عَنِ الفُحْشِ تَمْجيداً وتنزيهَا

في الأربعينَ أتاهُ الوَحْيُ يُكْرِمُهُ
قَدْ نالَ مِنْ ربِّنَا أمْراً وتوجيهَا

أبْلِغْ بَني قَومِكَ الإسْلامَ واصْدَعْ بِهِ
فَدَعْوَةُ اللّهِ حَقٌّ فَازَ داعِيهَا

مَنْ يَقْصدِ اللّهَ والإسلامُ شِرْعَتُهُ
يَزدادُ عِزَّاً، هِيَ الخَيْراتُ يَجْنِيهَا

إذْ يَسْكنُ الخُلْدَ والرِّضْوانُ حَارسُهَا
فِيهَا مِنَ الخَيْرِ والإحْسَانِ ما فِيهَا

وحُورُهَا العِينُ والوِلْدانُ طائفةٌ
تَسْقِي العِبَادَ شَراباً سَائغَاً فِيهَا

أنهَارُهَا عَسَلٌ والخَمْرُ صَافيةٌ
يا أمَّةَ المُصطفى القرآنُ يَشْفِيهَا

ومَنْ تنكَّبَ دَرْبَ الحقِّ إنَّ لَهُ
نَاراً سَعيراً بِحُكْمِ العَدْلِ يَصْليهَا

فَراحَ يدعو بِعَزْمٍ لا تلينُ لَهُ
أيُّ قَناةٍ، فَهَبَّ الكُلُّ يَفديهَا

وَنَظَّمَ الدِّينَ والدنيا، أبَانَ لنا
كُلَّ الأمورِ، أمورَ الخيرِ نأتيهَا

لقَدْ أبانَ لكُلِّ الناسِ دينَهُمُ
أركانُهُ الخَمْسُ للدنيا يُجلِّيهَا:

اللَّهُ فَرْدٌ إلهٌ لا شريكَ لهُ
مُحمَّدٌ عَبْدُهُ، والرُّسْلَ يُنهِيهَا

صَلُّوا وصوموا وحُجُّوا البيتَ واعتمروا
أموالُنا في سبيل اللّهِ نُؤْتيهَا

شريعةُ اللّهِ والرحمنُ حافظُهَا
شريعةُ اللّهِ ربُّ العَرْشِ حَاميهَا

ثارتْ قريشُ عِناداً في تَطَرُّفِهَا
فَعَذَّبوا كلَّ مَنْ لبَّى النِّدا فيهَا

هَذا أبوجَهْلِ رأسُ الكُفْرِ مُنبرياً
يُعَذِّبُ القَوْمَ بالنيرانِ يَكْويهَا

فَصَبْرُ ياسرَ صَبْرٌ لا مَثيلَ لهُ
هَذي سُميَّةُ ليسَ المَوْتُ يَثنيهَا

سُميَّةٌ صَخْرَةٌ كأداءُ قاسيةٌ
قَدْ أسْلَمَتْ روحَهَا للّهِ باريهَا

بِلالُ يصْرَخُ في الأوغادِ يُعلنُهَا
اللهُ أكْبَرُ قلبي عَامِرٌ فِيهَا

أسْرى بهِ اللهُ للأقصى وقَدْ جُمِعَتْ
الأنبياءُ وذِكْرُ اللَّهِ حَاديهَا

صلَّى بِهِمْ أحمَدٌ والكُلُّ في جَذَلٍٍّ
ورايةُ اللّهِ في المِحْرابِ يُعْليهَا

يا بَهْجَةَ المُلْتقى والقدسُ في فَرَحٍ
اللّهُ أكْبرُ إذْ تلقى مُحِبِّيهَا

قَدْ جَاءَ أحمدُ بالقرآنِ تَذكِرَةً
أهدى لأمَّتِهِ خَمْسَاً تُصَلِّيهَا

فأقْبَلَتْ يَثْربُ الفيحاءُ في شَمَمٍ
تلقى النبيَّ ونادي السَّعْدِ ناديهَا

فأُرْسِيَتْ دولةُ الإسْلامِ شامخةٌ
مُحَمَّدٌ رأسُهَا بالعَدْلِ بانيهَا

زكَّاهُ ربُّهُ بالإسْلامِ أكْرَمَهُ
زكَّاهُ كلَّهُ، في القرآنِ يَحْكِيهَا

يا أهْلَ مكَّةَ إنَّ العِيرَ مُقبلةٌ
محمَّدٌ خارجٌ للعِيرِ يَبْغِيهَا

فأجْمَعُوا أمْرَهُمْ نَصْراً لعيرِهِمُ
وعَادَتْ العِيرُ مَا فِيهَا ومَنْ فِيهَا

أبَتْ زَعامَتُهُمْ إلاَّ المَسِيرَ إلى
بَدْرٍ لنَحْرٍ وخَمْرٍ خَابَ سَاقِيهَا

فكانتْ الغزوةُ الكُبرى وقدْ أنْجبَتْ
نَصْراً عَزيزاً كتابُ اللَّهِ يُعْلِيهَا

إذْ أبْرَقَ المصطفى للَّهِ مُبتهلاً
هذي العُصَابَةُ يا ربَّاهُ نَجِّيهَا

فأرْسَلَ اللَّهُ جبرائيلَ مُصْطَحِباً
ألفاً كِراماً، جنودُ البغيِ يُفنيهَا

وابنُ الحُمامِ يذدُّ الخصمَ مقتحماً
وعجوةُ القوتِ في الرَّمْضَاءِ يَرْميهَا

يلقى الحِمَامَ بِعَزْمِ اللَّيثِ مُبْتَهِجَاً
يَشْري الجِنَانَ مِنَ الرَّحْمَنِ يَبْغِيهَا

ومُهْجِعٌ مُقْبِلٌ لِلْمَوْتِ يطلُبُهُ
وَعَوْفُ عَفْرَاءَ سَاحَ المَجْدِ يأتيهَا

فثبَّتَ اللَّهُ للإسلامِ مَوقِفَهُ
يا قلعةَ المَجْدِ والإسْلامُ يُنْشِيهَا!

وبَدَّدَ الَّلهُ جَمْعَ الكُفْرِ كُلَّهُمُ
عَادَتْ قريشٌ ونارُ الحُزْنِ تَكْوِيهَا

وقَدْ تَوَالَتْ على الإسلامِ أمْجَادُهُ
نَصْرٌ يُزيِّنُ هَامَاتٍ ويُعْليهَا

حتى أتى الفتحُ، فتحٌ لا مثيلَ له
بلا قِتَالٍ، جُذورُ الحُبِ نُرْسِيهَا

وأصْبَحَتْ مَكَّةُ الإسلامِ سامقةً
تزهو بأحمد، دين الّله يحميها

وأورقت نخلة الإسلام سامقة
تُؤْتِي مِنَ الأُكْلِ والأمْصَارُ تَجْنِيهَا

واخْضَرَّتْ البِيدُ والصَّحْراءُ باسمةٌ
بِدِينِ أحمدَ والخيراتُ تأتِيهَا

وَرفْرَفَتْ رايةُ التوْحِيدِ شامخةً
فوقَ الوجودِ ودِينُ الحَقِّ مُعْلِيهَا

تَبَدَّدَتْ دولةُ الرُّومَانِ وانْدَثَرَتْ
وبَادَتِ الفُرْسُ كِسْرى سَيِّدٌ فيهَا

فخالدٌ يقهرُ الرومانَ منتصراً
يا خالدَ الذِّكْرِ مَنْ لِلعُرْب يُحْيِيهَا!

والثقفيُّ يَجُوبُ السِّنْدَ فِي هِمَّةٍ
وخَاضَ عُقْبَةُ فِي الأمْواجِ سَاقَيْهَا

وطَارقٌ دوَّخَ الإسبانَ وانتَصَرَتْ
جُنْدُ السَّماءِ، قُوى الإفْرَنْجِ يُفنيهَا

بيبرسُ يزأرُ والإسلامُ في خَطَرٍ
وجَذوةُ الدِّينِ عِنْدَ النَّاسِ يُذْكِيهَا

صَلاحُ ينهضُ باسمِ اللَّهِ يُعلنُهَا
حَرْباً ضَروساً قُوى الصُّلْبانِ يُهْفِيهَا

حتى أعَادَ لِجُنْدِ اللَّهِ قُدْسَهُمُ
وقَدْ بَدَتْ بَسْمَةٌ قَدْ كانَ يُخْفيهَا

واليومَ ماذا دهاتا؟ نحنُ في خَبَلٍ
بيتُ القداسةِ ذلٌّ رابضٌ فيهَا

هيَّا بني العُرْبِ والإسلامِ إنَّ لنَا
أزكى حَياةٍ بِبَذْلِ الرُّوحِ نَشْريهَا

سَفينةُ الدِّينِ والإسلامُ يَعْمُرُهَا
مُحَمَّدُ قائدٌ والَّله مُجْريهَا

سَفينةُ الدِّينِ والقرآنُ رايتُهَاسَفينةُ الدِّينِ عَيْنُ اللهِ تُرْسِيهَا
سَفينةُ الدِّينِ والإيمانُ زينتُهَا

هَذي العقيدةُ بالأرواحِ نَفْدِيهَا
© 2024 - موقع الشعر