بقية من السلف - سعد عطية الغامدي

نفرُّ إلى المولى ونأوي ونفزع
ونلجأ عند النائبات ونرجع
 
ونرجوه لا نرجو سواه ومن لنا
إذا هال خطب أو تعاظم موجع
 
فأنت إله الخلق بالحال عالم
وأنت ترى ما نحن فيه وتسمع
 
تخرّم داعي الموت من كان بيننا
إماماً يبث الخير فينا ويفرع
 
فبتنا كأيتام ترحّل عنهمُ
أب كان عن سقم يرد ويدفع
 
وما السقم إلا في الضلالة إنها
إذا فتكت لم يغن في الفتك مِبضع
 
فقد كان ذا علم ورأي وحكمة
وقد كان ذا فقه يضيء ويسطع
 
يفسر آيات الكتاب فتنجلي
فهوم، ويجفو عن سبيل تنطع
 
وكان عطوفاً في المواقف ليّناً
يحبب خلق الله في الدين إن دعوا
 
وكان لطيفاً لا يعنّف، صابراً
وكم صد عن دين غليظ مشنِّع
 
وكان ندياً، في سماحة وجهه
وفي كفه هدي لمن كان يفزع
 
وكان كريماً شامخاً في تواضع
نصوحاً وكم راج النصوح المخدِّع
 
وكان دؤوباً في اتباع مبادئ
من العدل لا يغلو ولا يتسرع
 
ويسعى إلى بذل وخير ورحمة
وكم أفسد الساعين في الأرض مطمع
 
له في رسول الله أسوة قائم
على أمة، إن ضُيّع الحق ضُيّعوا
 
ولم تثنه دنيا عن السعي، أو تكن
له غاية، إذ رامها متمتع
 
ومن عرف الدنيا وأدرك أمرها
يبادر للأخرى ويطوي ويسرع
 
ويزهد في هذا التراب وإن زها
وأجلب يغري الخانعين ويخدع
 
وما الزهد في الدنيا بضاعة مملق
تجافته حتى لا يُرى أين يهجع
 
ولكنه شأن الذي أقبلت له
تزيّن ألواناً وتدنو وتخضع
 
فأسقطها من كفه وابتغى التي
هي المنزل الأبقى، هي الخير أجمع
 
يجاهد حتى لا يمل نهاره
ويمسي إذا أمسى يناجي ويضرع
 
ولم يأل جهداً في الهداية قائماً
يكابد فيها كل هم وينزع
 
يردّ على سؤل، فيرشد حائرٌ
ويسكن مكروب، وينفق موسع
 
ويسأل عن حال الضعاف، ويبتغي
مسرة مكلوم مضى يتوجع
 
ويدني اليتامى والأرامل كلما
تحاشاهمُ ذو شِرَّة ليس يشبع
 
ويترك للأجيال سيرة عالم
يسير على نهج الرسول ويتبع
 
يقدم أمر الله دون مراده
فلا العمر موصول، ولا المال ينفع
 
وما الزاد إلا خشية الواحد الذي
إذا قيل من يغني، ومن ثم يشفع
 
وما النقض في أرض بقبض مهادها
ولكنه علم الرسالة يرفع
 
إذا مات من أهل الوراثة عالم
بكته قلوب بالهداية تمرع
 
وإن مات من أهل العبادة ساجد
بكى موضع أعلى، وفي الأرض موضع
 
وللناس أحوال خفي بيانها
وحال ذوي الطاعات كالشمس تطلع
 
وهل يستوي من همه هم أمة
ومن همه دنيا لها يتطلع
 
وهل يستوي حر عزيز مراده
وعبدُ هوىً خلف الغواية يرتع
 
وصاحب رأي يُتبع الحقَّ رأيَه
وآخر ما بين المجالس إمّع
 
ومن عاش للدنيا تشتت دونها
وضيعها وهو الجهول المضيَّع
 
ومن عاش للرحمن يجمع شمله
عليه، فلا يشكو ولا هو يجزع
 
مضى شيخنا يستسهل الصعب للعلا
ويبذر للإصلاح جيلاً ويزرع
 
ويبني حصوناً للعلوم منيعة
ليقطنها قوم سجود وركع
 
يقومون للعلم المبين وللتقى
ويدنيهمُ في الله حب ويجمع
 
ولم يحتجب عنهم ولا عن سواهمُ
وما كان عن أدناهمُ يترفع
 
سجيةَ من يتلو الكتاب ويقتفي
محجته، والبرُّ أبقى وأنفع
 
تهامس أحباب وخلان منهج
عن الداء يستشري ولا يتورع
 
فأقبل فيهم شاكراً ومطمئناً
يفيض عليهم نصحه ويوزع
 
وطار للاستشفاء في الغرب وانبرى
يذكر بالهدي القويم ويسمع
 
وعاد إلى أهل وقوم وموطن
فزار وزاروا واستزاروا وودعوا
 
وتاق إلى خير الجوار وعادة
إذا هلّ من عشرٍ ضياءٌ مشعشع
 
جوارِ أحب الأرض لله إنه
جوار إذا عز المناصر يمنع
 
وألقى دروساً عامرات زكية
وأفتى ونور الحق كالبدر يلمع
 
يقاوم آلاماً ويكبت زفرة
ويبذل في صبر، ولا يتضعضع
 
ويمشي وجيش من أطباء حوله
ليبصر قوم ما يقول ويسمعوا
 
ويسعد إذ يدنو لمكة منزلاً
وما الشوق إلا حيث قلبك ينزع
 
وتأتيه في أرض الجوار منية
فأكرم بضيف جاء لله يخشع
 
وجاور شيخاً كان بالأمس شيخه
فطوبى بإذن الله زلفى ومهجع
 
جوار مقام ليس ينفع عنده
سوى رحمة نرجو نداها ونطمع
 
فقد بذلا نفسيهما في تقرب
وكانا مثالاً للذين تورعوا
 
وقاما على أمر من الحق بيّن
لربهما والله يعلي ويرفع
 
وقد غادرا فالله يخلف قادراً
بخير، ويجزي بالثواب ويوسع
© 2024 - موقع الشعر