لك عهد لدي غير مضاع - البحتري

لَكِ عَهْدٌ لَدَيّ غَيرُ مُضَاعِ،
بَاتَ شَوقِي طَوْعاً لَهُ، وَنِزَاعِي

وَهَوًى، كُلّما جرَى عَنهُ دَمْعٌ،
يئِسَ العاذِلونَ مِنْ إقْلاعي

لَوْ تَوَلّيتُ عَنْهُ خِيفَ رُجُوعي،
أوْ تَجَوّزْتُ فيهِ خِيفَ ارْتِجاعي

وَمتى عُدْتِني وَجَدْتِ التّصَابي
مِنْ شَكَاتي، والحبَّ من أوْجَاعي

مَا كَفَى مَوْقِفُ التّفَرّقِ، حَتّى
عادَ بالبَثّ مَوْقِفُ الاجْتِمَاعِ

أعِنَاقُ اللّقَاءِ أثْلَمُ في الأحْ
شَاءِ والقَلْبِ أمْ عِنَاقُ الوَداعِ

جَمَعَتْ نِظرَةَ التّعَجّبِ، إذْ حا
وَلْتُ بَيْناً وَوِقْفَةَ المُرْتَاعِ

وَبَكَتْ، فاسْتَثَارَ منّي بُكاها
زَفْرَةً، ما تُطِيقُهَا أضْلاَعي

كَمْ تَنَدّمْتُ للفِرَاقِ، وَكَمْ أزْ
مَعْتُ بَيْناً فَمَا حَمِدتُ زَماعي

آنَ أنْ أسأمَ اجتِيَابي الفَيافي،
وارْتِدائي منَ الدّجى وادّرَاعي

كَيْفَ أخشَى فَوْتَ الغِنَى، وَوليُّ
الله من هاشِمٍ وَليُّ اصْطِنَاع

مُستَهِلُّ اليَدينِ، كالغَيثِ ذي الشؤ
بُوبِ يَهمي والسّيلِ ذي الدُّفّاعِ

حَامِلٌ مِنْ خِلاَفَةِ الله ما يَعْ
جِزُ عَنْهُ ذو الأيْدِ والإضْطِلاعِ

مُستَقِلٌّ بالثّقلِ منها، رَحيبُ ال
صّدْرِ نَهْضاً بها، رَحيبُ الباعِ

يُبْهَتُ الوَفْدُ في أسرّةِ وَجْهٍ،
ساطعِ الضّوْءِ، مُسْتَنِيرِ الشُّعَاعِ

من جَهِيرِ الخِطَابِ يَضْعَفُ فَضْلاً
عِندَ حَالَيْ تأمّلٍ واستِمَاعِ

شَجْوُ حُسّادِهِ، وَغَيظُ عِداهُ
أنْ يَرَى مُبصِرٌ، وَيَسمَعَ وَاعِ

وَمَعَانٍ بالنّصْرِ راعي الأعادي
بِفُتُوحٍ، في الخَالِعينَ، تِبَاعِ

قَدْ لَعَمرِي أعطَتكَ سارِيَةَ الذّلّ
وَكَانَتْ عَزِيزَةَ الإمْتِنَاعِ

حُشِدَتْ حَوْلَها سِبَاعُ المَوَالي،
وَالعَوَالي غَابٌ لتِلْكَ السّبَاعِ

بيَقينٍ مِنَ الضّرَابِ يُزِيلُ ال
شّكَّ عَنْ مُنّةِ الكَميّ الشّجَاعِ

لمْ يُحِيلُوا على الخِداعِ، وَسَلُّ ال
بِيضِ بَينَ الصّفّينِ تَرْكُ الخِدَاعِ

نُصِرُوا في هُبُوبِ رِيحِكَ والإقْ
بَالِ مِنْ أمْرِكَ المَهيبِ، المُطاعِ

وَمَضَى الطّالبيُّ يَطلُبُ حِرْزاً،
والمَنَايا يَطْلُبْنَهُ في التّلاعِ

قاصِداً للبِحَارِ، إذْ لَيسَ للمُدْ
نِ دِفاعٌ عَنْهُ ولا للقِلاعِ

قطعتُ آملٌ بآمالِ مَكذو
بِ الأمانِيِّ خائِبِ الأطماعِ

يا ابنَ عَمّ النّبيّ أُمْتِعْتَ بالعُمْ
رِ، وَمُلّيتَ نِعْمَةَ الإمْتَاعِ

يَعْلَمُ الله كَيْفَ حَمْدُ المَوَالي،
ما تُعاني مِنْ شأنِهمْ، وَتُرَاعي

أعْظَمُوا المَسجِدَ الجَديدَ فأبدَوْا،
وأعادُوا في الشّكْرِ عَنهُ المُذاعِ

رُحْتَ خَيرَ البَانِينَ واخترْتَ بالأمْ
سِ لخَيرِ البُيُوتِ خَيرَ البِقَاعِ

لتُجِيبَ الأذانَ فيهِ رِجالٌ،
مِنْ بعيدٍ، كَمَا تُجِيبُ الدّاعي

قَصُرَتْ خُطْوَةُ الكَبِيرِ، وَلاَقَى
مُتْعَبٌ فَضْلَ رَاحَةٍ واتّدَاعِ

في رَفِيعِ السُّمُوكِ يَعْتَرِفُ الغَيْ
مُ لَهُ بالسّمُوّ والارْتِفَاعِ

© 2024 - موقع الشعر