عندما يتكلم الشعب - محمد الفيتوري

بالأمس.. والليل، والصمت، والكرى في المدينة
رأيت شعبا كبيرا، من الشعوب الطعينة
يدوس في كبرياء، أصفاده وسجونه
والشمس تغسل بالنور، دربه وجبينه
* * *
بالأمس.. والأمس ما زال في دمائي صداه
دقت نواقيس مصر.. دقت بقلب الحياة
تعلن باسم الضحايا، باسم الجياع العراة
أن الإرادة للشعب، لا للملوك الطغاة
* * *
بالأمس أبصرت ريحا تطوف كل البحار
وقائدا، وسفينا تغوص نحو القرار
وراية تتدلى، في ذلة وانكسار
كانت بأرضي يوما، راية الاستعمار
* * *
بالأمس سرت صفوفا مشدودة في الحبال
ومت جوعان، والفأس في يدي لا تزال
وباسم عرش الخديو الغالي حفرت القنال
وباسم خائن مصر تدفق الاحتلال
* * *
بالأمس ثار عرابي باسمي في عابدين
وفي دجى كل منفى مشيت عالي الجبين
وكل ضربة سوط، دوت بجنبي كل سجين
حملتها بين جنبي، من يد الظالمين
* * *
بالأمس سالت دمائي على ثرى دنشواي
وكان زهران يمشي إلى الردى بخطاي
وحينما شنقوه، تلقفته يداي
وحينما حملوه، دفنته في دماي
* * *
بالأمس والسوط يعدو خلفي، ويوهن صوتي
عانقت أرضي، وفارقتها بحزن وصمت
وعشت وجها، غريبا، مشردا، نصف ميت
حتى إذا مت، قبلت تربها رغم موتي
* * *
بالأمس أثقلت روحي بباقة من ورود
وسرت بين قبوري، مستغرقا في شرود
ثم انحنيت، وقبلت رأس كل شهيد
وكان قبر الخيانات مطرقا من بعيد
* * *
بالأمس مرت بأرضي خمس وسبعون عاما
مرت فصفت عليها الطغاة والأصناما
وصبت الدم، والدمع، في حلوق اليتامى
وولولت في دمائي تمردا، وانتقاما
* * *
بالأمس ناديت أرضي، فاستيقظت من كراها
استيقظت تحجب الشمس أوجها، وجباها
استيقظت تنفض القيد صاغرا عن خطاها
وتسترد بطولاتها، وتعلي علاها
© 2024 - موقع الشعر